مذبحة فولين تهدد العلاقات البولندية الأوكرانية
Arab
2 days ago
share

تحيي بولندا، اليوم الجمعة، ذكرى ضحايا مذبحة فولين (غربي أوكرانيا وشرقي بولندا تاريخياً) التي تعود إلى المرحلة بين عامي 1943 و1945، على أيدي جيش التمرد الأوكراني، الذراع المسلحة لمنظمة القوميين الأوكرانيين، ولا تزال من الملفات الشائكة في العلاقات بين وارسو وكييف رغم مرور أكثر من ثمانية عقود. وتختلف الذكرى التي تحل اليوم عن سابقاتها، من جهة أن هذه أول مرة تحييها بولندا بعد إضفاء صفة العيد الرسمي على هذا التاريخ، فضلاً عن تزامنها مع ترقب تنصيب الرئيس البولندي المنتخب، كارول نافروتسكي، في السادس من أغسطس/آب المقبل، الذي ينوي فتح صندوق من الملفات التاريخية الشائكة. ومع ذلك، أعرب نافروتسكي بعد فوزه بالجولة الثانية في انتخابات الرئاسة البولندية مطلع يونيو/حزيران الماضي، عن أمله في أن تتمكن وارسو وكييف من تسوية "القضايا التاريخية". ويعتبر قطاع كبير من المؤرخين البولنديين الأحداث التي جرت في منطقة فولين، غربي أوكرانيا، نزاعاً سياسياً عرقياً، بينما يدافع المؤرخون الأوكرانيون عن موقف بلادهم، بحجة أنها جاءت رداً على أعمال جيش المقاومة البولندية، المعروف باسم "جيش كرايوفا"، بحق مدنيين أوكرانيين. وتتباين التقديرات لعدد ضحايا مذبحة فولين بما بين 50 ألف قتيل و100 ألف.

مذبحة فولين

في عام 2016، اعترف السيم (البرلمان) البولندي بمذبحة فولين إبادة جماعية، وحدد يوم 11 يوليو/تموز من كل عام، يوماً لإحياء ذكرى ضحاياها، تحت مسمى "اليوم القومي لذكرى البولنديين ضحايا الإبادة الجماعية التي ارتكبتها منظمة القوميين الأوكرانيين - جيش التمرد الأوكراني". في السنة الحالية، اقترح حزب الفلاحين البولندي إضفاء صفة العيد الرسمي على هذه الذكرى، وحظيت هذه المبادرة بإجماع البرلمانيين البولنديين، إذ امتنع واحد فقط من النواب الـ436 الحاضرين عن التصويت، مقابل دعم الآخرين. وأثناء المناقشة بالبرلمان، أعربت وزيرة المناخ والبيئة البولندية، باولينا هينيغ ـ كلوسكا، عن أملها في ألا يؤثر القرار على العلاقات البولندية الأوكرانية، قائلة: "إنني على قناعة بأن أوكرانيا على علم بمكانة بولندا في دعمها. إلا أن الضحايا يبقون ضحايا دائماً، ومن حقنا أن نحيي ذكراهم وندعم عائلاتهم". وعلى مدى فترة طويلة، لم تتمكن بولندا وأوكرانيا من التوصل إلى موقف موحد من قضية مذبحة فولين إبان الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، مما فاقم الخلافات السياسية بين البلدين إلى حد أن وزير الدفاع البولندي، فلاديسلاف كوسينياك كاميش، ربط انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي بتسوية قضية فولين.


ستانيسلاف كوفالدين: يُعرف نافروتسكي بتبنيه مواقف معادية لروسيا وانتمائه إلى الجناح اليميني

يفتح تصدر مذبحة فولين أجندة العلاقات الأوكرانية البولندية بعد فوز نافروتسكي في الأول من يونيو/حزيران الماضي، الباب على مصراعيه أمام التساؤلات حول تأثيره على الدعم البولندي لأوكرانيا، وآفاق تحسين العلاقات بين وارسو وموسكو، التي تتسم دوماً بالفتور على ضوء ما تبديه بولندا، قيادة وشعباً، من الحساسية حيال ماضيها ضمن دائرة نفوذ الاتحاد السوفييتي السابق. إلا أن ما يزيد من تفاؤل روسيا برئاسة نافروتسكي معارضته الصريحة للاستعجال في انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، مرجعاً ذلك إلى أن عضوية أوكرانيا، ستلحق ضرراً بالاقتصاد والزراعة في عدد من الدول الأوروبية.

ومع ذلك، استبعد الباحث في مركز الدراسات الأوروبية في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ستانيسلاف كوفالدين، احتمال أن يؤدي تطابق المصالح الظرفية إلى تحسن عام للعلاقات الروسية البولندية، عازياً تبني نافروتسكي مواقف حازمة في قضية مذبحة فولين إلى انتمائه إلى فريق يعلي قضية الذاكرة التاريخية ضمن الأجندة السياسية البولندية. وقال كوفالدين في حديث لـ"العربي الجديد": "يُعرف عن نافروتسكي أنه ينتمي إلى الفريق المحافظ ويميل إلى تبني نهج سياسي متشدد في قضية مذبحة فولين التي تبقى حجر العثرة في العلاقات الأوكرانية البولندية، كما سبق له أن أدلى بتصريحات رافضة لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويرى أن إرسال قوات حفظ سلام بولندية إلى أوكرانيا يتعارض مع مصالح الشعب البولندي، وهذا يصب في مصلحة روسيا".

إلا أن المتحدث ذاته شكك في قدرة نافروتسكي على تغيير السياسة الخارجية البولندية بشكل جذري، مضيفاً: "نظراً لاعتماد بولندا نظام الحكم البرلماني، فإن صلاحيات الرئيس محدودة لا سيما في مجال السياسة الخارجية التي يضعها رئيس الوزراء ووزير الخارجية، ولكن رئيس الجمهورية يمكنه عرقلة سياساتهما عبر فرض حق النقض على أي مبادرات، بينما لا يستحوذ الائتلاف الحاكم حالياً على النسبة الكافية من الأصوات لتجاوز الفيتو الرئاسي". وحول رؤيته لتأثير نهج نافروتسكي على العلاقات الروسية البولندية بشكل عام، رأى كوفالدين أن "التطابق الظرفي للمصالح لا يعني بأي حال من الأحوال تقارباً بين موسكو ووارسو، إذ يُعرف نافروتسكي بتبنيه مواقف معادية لروسيا وانتمائه إلى الجناح اليميني والفريق الذي يرى أن روسيا تشكل خطراً على أوروبا الشرقية".

من جهته، اعتبر المحلل في مركز الاتصال الاستراتيجي والأمن المعلوماتي في كييف، مكسيم يالي، أن تمسك نافروتسكي بتسوية مذبحة فولين لن يترجم بالضرورة إلى تدهور عام لوضع العلاقات الأوكرانية البولندية، نظراً لتحول دعم أوكرانيا إلى قضية أمن قومي بالنسبة إلى بولندا، مع بقاء الكلمة الأخيرة في ملفات السياسة الخارجية لرئيس الوزراء ووزير الخارجية لا الرئيس. وأوضح يالي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "لا تدهور كبيراً للعلاقات، وإن كان نافروتسكي أدلى بمجموعة من التصريحات المثيرة للضجة سواء أثناء حملته الانتخابية أو بعد فوزه مباشرة، داعياً (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي إلى حل مشكلة العدالة التاريخية في قضية مذبحة فولين، ولكنه يقر في الوقت نفسه بضرورة دعم أوكرانيا الذي يشكل مسألة استراتيجية للأمن القومي البولندي".


مكسيم يالي: تحول دعم أوكرانيا إلى قضية أمن قومي بالنسبة إلى بولندا

الدعم البولندي لأوكرانيا

ولفت يالي إلى أن الدعم البولندي لا يقتصر على تسليم الأسلحة، بل يشمل أيضاً استضافة اللاجئين الأوكرانيين، مضيفاً: "صحيح أن بولندا تستضيف ما بين مليون ومليون ونصف المليون لاجئ ومغترب أوكراني، ولكنهم يساهمون في تنمية الاقتصاد البولندي ولا يواجهون صعوبات في الاندماج، لذلك تواصل منحهم سمات الإقامة وتمديدها. تدفق الشباب الأوكرانيين إلى بولندا بدأ حتى قبل عام 2022، بما في ذلك العمالة الموسمية والأيادي العاملة أقل أجراً مقارنة مع السكان الأصليين في بولندا". وحتى قبل بدء الحرب الروسية المفتوحة في أوكرانيا، توجه مئات آلاف الأوكرانيين إلى بولندا للعمل، وعمل معظمهم في مهن لا تتطلب تعليماً عالياً مثل أعمال البناء والتشطيب، والنقل، والزراعة، وقطاع الخدمات، والمصانع. ومن بين العوامل التي جعلت بولندا هي الوجهة المفضلة للمغتربين الأوكرانيين، سهولة اللغة البولندية القريبة من الأوكرانية، والقرب الجغرافي، وسهولة إجراءات استخراج سمات الإقامة في بلد عضو في الاتحاد الأوروبي.

مع ذلك، لا يحظى استقبال اللاجئين الأوكرانيين في المرحلة ما بعد بدء الحرب، بإجماع في بولندا لاسيما عندما يتعلق الأمر بالذكور الفارين من التجنيد، إذ أعرب وزير الدفاع البولندي عن "إرهاق" البولنديين من النزاع في أوكرانيا، بما في ذلك بسبب "اللاجئين المقيمين في الفنادق من فئة خمس نجوم". وقال الوزير كوسينياك كاميش في حوار مع صحيفة "فاينانشال تايمز" في يناير/كانون الثاني الماضي: "بالطبع، هناك إرهاق في المجتمع البولندي، وهذا واضح ولا سيما عندما يرون شباباً أوكرانيين يستقلون أحدث طرز السيارات أو يقيمون في الفنادق من فئة خمس نجوم". مع ذلك، سعى الرئيس البولندي المنتهية ولايته، أندري دودا، لإصدار رسالة استمرار الدعم السياسي لأوكرانيا بإجرائه زيارة إلى كييف في نهاية يونيو الماضي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows