
تتواصل في كينيا منذ أسابيع تظاهرات شعبية تقودها فئات شبابية واجتماعية متعددة، احتجاجاً على ما يصفه المتظاهرون بـ"وحشية الشرطة"، و"سوء الإدارة"، وارتفاع تكاليف المعيشة. كما يطالب المحتجون باستقالة الرئيس الكيني ويليام روتو، على خلفية اتهامات بالفساد وفشل السياسات الحكومية. وارتفعت حصيلة ضحايا الاحتجاجات المناهضة للحكومة يوم الاثنين الماضي وحده إلى 31 قتيلاً، وفقاً لما أعلنته لجنة حقوق الإنسان الحكومية الأربعاء الماضي، مسجلة بذلك أعلى حصيلة يومية منذ بداية موجة التظاهرات التي اندلعت في وقت سابق من العام الحالي. وأشارت اللجنة، في بيان، إلى أن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد يوم الاثنين، أسفرت أيضاً عن إصابة 107 أشخاص واعتقال أكثر من 500، وسط دمار واسع طاول الممتلكات العامة والخاصة، بما في ذلك متاجر كبرى. وأكدت أن عدد المعتقلين يتماشى مع بيانات الشرطة، دون أن توضح ما إذا كانت حصيلة الضحايا تتضمن عناصر من قوات الأمن.
روتو يحذر المتظاهرين
وحذّر روتو، خلال جولة في العاصمة نيروبي أول من أمس الأربعاء، من السعي إلى "إطاحته" عبر التظاهرات، مؤكداً أن قوات الأمن ستطلق النار على أي "لصوص" لإصابتهم. وقال: "إنهم يريدون زرع الفوضى وتنظيم التظاهرات وحرق الممتلكات والتسبب في كارثة من أجل إطاحة الحكومة قبل 2027"، العام الذي ستجرى فيه الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأضاف: "نحن في بلد ديمقراطي. لا يمكنكم أن تقولوا لنا إنكم تريدون نشر الفوضى وإطاحة الحكومة". وتابع: "لن يُدمر هذا البلد حفنة من المتسرعين الذين يريدون تغيير الحكومة بطرق غير دستورية. أود أن أقول لهم إن هذا لن يحدث"، مؤكداً أن "كل من يُشعل النار في محال تجارية أو ممتلكات شخص آخر يجب إطلاق النار عليه في ساقه، ونقله إلى المستشفى، وتقديمه للعدالة. لا يجوز قتله، بل كسر ساقه ليتمكن من الذهاب إلى المستشفى والمثول أمام المحكمة".
طالب حسين خالد الحكومة الكينية بضرورة الاستماع إلى مطالب الشعب
وعبّرت المفوضية السامية الأممية لحقوق الإنسان عن قلقها البالغ إزاء الانتهاكات الأخيرة في كينيا. وقالت المتحدثة باسم المفوضية، رافينا شامداساني، خلال مؤتمر صحافي في جنيف الثلاثاء الماضي، إنه تم استخدام "ذخيرة فتاكة" ورصاص مطاطي وغاز مسيل للدموع وخراطيم مياه للرد على الاحتجاجات. وكانت الشرطة الكينية قد أفادت بمقتل ما لا يقل عن 11 شخصاً وإصابة 52 شرطياً واعتقال 567 شخصاً.
وتأتي هذه الاحتجاجات الأخيرة التي تجددت مع حلول شهر يونيو/حزيران الماضي، تخليداً للذكرى الخامسة والثلاثين لتظاهرات "سابا سابا" التاريخية التي شهدتها كينيا عام 1990 للمطالبة بالإصلاح السياسي، حيث منعت الحواجز الأمنية المتظاهرين من الوصول إلى وسط العاصمة نيروبي. وتواجه الحكومة الكينية ضغوطاً متزايدة وسط تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، وتحذيرات منظمات حقوق الإنسان من استمرار العنف والتضييق على الحريات العامة.
ويقول مدير مؤسسة "فولكا أفريقيا" لحقوق الإنسان الناشط الحقوقي الكيني حسين خالد، لـ"العربي الجديد"، إن عنف الشرطة أدى حتى الآن إلى مقتل ما لا يقل عن 32 شخصاً خلال الاحتجاجات التي شهدتها كينيا في 7 يوليو/ تموز الحالي، على خلفية تصاعد الغضب الشعبي تجاه مشروع قانون الضرائب الذي اقترحته الحكومة، وذلك بعد أن خرج الآلاف من المواطنين، ومعظمهم من الشباب، إلى الشوارع في تظاهرات سلمية للتعبير عن رفضهم لزيادة الأعباء المعيشية، إلا أن تدخّل قوات الأمن العنيف أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى.
ويشير إلى أن المنظمات الحقوقية المحلية والدولية دانت الاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة، مؤكداً أن المحتجين كانوا يمارسون حقهم الدستورية في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي. وطالبت هذه المنظمات الحكومة الكينية باحترام الحقوق الأساسية للمواطنين، وعلى رأسها حرية التعبير والتجمع، وفتح تحقيق شفاف في الانتهاكات التي جرت وأدت إلى مقتل العشرات من المواطنين الكينيين.
ويوجّه حسين خالد نداءً عاجلاً إلى الحكومة الكينية بضرورة الاستماع إلى مطالب الشعب والتجاوب مع صوته، واحترام وثيقة الحقوق الواردة في الدستور، والتوقف عن تضييق المساحات المدنية. ويؤكد أهمية ضمان حرية التعبير وتمكين المواطنين من إيصال أصواتهم بدون خوف أو قمع، لأن الديمقراطية الحقيقية لا تُبنى إلا عبر المشاركة الشعبية الحرة واحترام الحقوق الأساسية للجميع.
التظاهرات في كينيا ليست مجرد رد فعل عابر
وفي السياق، يقول محرر موقع كينيا بالعربي حسن إسحاق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن التظاهرات الأخيرة التي اجتاحت كينيا ليست مجرد رد فعل عابر، بل نتيجة طبيعية لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية منذ تولي روتو الحكم. ويشير إلى أنه على الرغم من الوعود التي قدّمها خلال حملته الانتخابية بشأن الإصلاح الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة، إلا أن هذه الوعود لم تجد طريقها إلى التنفيذ، وهو ما انعكس بشكل مباشر على حياة المواطن الكيني، من خلال الارتفاع الحاد في أسعار المواد الأساسية مثل الماء والكهرباء والزيت والدقيق والسكر.
حسن إسحاق: التصعيد الأمني يهدد بتحويل الوضع إلى مواجهة مفتوحة
ووفق إسحاق، تعد فئة الشباب، وخصوصاً ما يُعرف بجيل (Z)، وقود هذه الاحتجاجات، انطلاقاً من مطالب حقيقية تتعلق بمكافحة البطالة، وتحقيق العدالة الاقتصادية، والإصلاح الشامل للأجهزة الحكومية. ويضيف: بدلاً من الاستجابة، لجأت الدولة إلى القمع الأمني والاعتقالات، مما زاد من اتساع رقعة الغضب الشعبي. وأحد أبرز الأحداث التي أججت الشارع كان مقتل المدوّن والمعلم روبوت أودوان، الذي اعتُقل في مقاطعة هوما باي، وتوفي نتيجة التعذيب في أحد مراكز الشرطة في نيروبي. ويتابع أن هذه الحادثة كشفت مرة أخرى عن العنف الممنهج الذي تمارسه بعض الأجهزة الأمنية خارج إطار القانون، ما أعاد طرح قضية إصلاح المنظومة الأمنية بما هي أولوية لا يمكن تجاهلها.
وبحسب إسحاق فإن تصاعد الاحتجاجات في نيروبي وضواحيها، جاء بعدما أدلى وزير الداخلية الكيني، كيبتشومبا موركمن، بتصريحات هدد فيها باستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين، وهو ما اعتبره كثيرون استفزازاً مباشراً لمطالب الشارع التي تُعدّ في نظرهم مشروعة، وتعبيراً عن انسداد أفق الحوار السياسي. ويشير إلى أن هذا التصعيد الأمني يهدد بتحويل الوضع إلى مواجهة مفتوحة، بين من يطالبون برحيل حكومة روتو، ومن يرفعون شعارات إصلاح الأجهزة الأمنية وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، واليوم، يزداد الإصرار الشعبي على تنفيذ هذه المطالب، في ظل غياب الثقة في وعود الحكومة، ومع استمرار الانتهاكات. ويضيف أنه إذا لم يتم احتواء هذه الأزمة عبر حلول سياسية واقتصادية جادة، فإن الشارع الكيني يبدو عازماً على مواصلة تحركه، مما قد ينقل البلاد إلى مرحلة أكثر اضطراباً.

Related News
