كل هذه الوساطات القطرية
Arab
2 days ago
share

لافتةٌ زيارة رئيس "صومالي لاند"، عبد الرحمن محمّد عبد الله عرو، الدوحة، قبل أيام، واجتماع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمّد بن عبد الرحمن آل ثاني، به. ولافتٌ حرص الخارجية القطرية على إيضاحها، في بيانها عقب الاجتماع، "احترام الدوحة مبدأ وحدة الصومال وسيادته". وإذ لا تفاصيل معلنة عن الزيارة وأهدافها، وهي الأولى من نوعها، فإن في الوُسع أن يلتقط واحدُنا فيها انفتاح الدوحة في علاقاتها الإقليمية والأفريقية والدولية المتنوّعة. وقد جاءت اجتهاداتٌ على إمكانية أن تباشر الدبلوماسية القطرية جهود وساطةٍ باتجاه السلام والاستقرار في الصومال الموحّد، وأن زيارة عرو ربما تؤشّر إلى هذا (وربما لا تؤشّر؟)، والزائر الضيف يرأس دولةً لا تعترف بها الدوحة ولا الأمم المتحدة... ومعروفٌ أن قطر راكمت خبرةً كُبرى في الوساطات في أفريقيا، وأنجزت نجاحاتٍ مشهودةً فيها، ومن ذلك مساهمتها في إيصال الكونغو الديمقراطية ورواندا إلى اتفاق سلامٍ بينهما وقّعاه نهاية الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، بحضور قطري. وكانت الدوحة قد توسّطت بين كينيا والصومال بعد قطيعةٍ بينهما استمرّت شهوراً، قبل أن تعود العلاقات الدبلوماسية بينهما في العام 2021. وقبل ذلك خفّضت التصعيد بين جيبوتي وإريتريا، عندما نجحت في 2016، بعد لقاءاتٍ مكثفةٍ مع الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، في أن تفرج بلاده عن أسرى جيبوتيين. أما إقليم دارفور في غرب السودان، فقد حظي باهتمامٍ إنسانيٍّ وسياسيٍّ كبير من دولة قطر، تمثّل باتفاق السلام بين تكويناتٍ مسلحةٍ والسلطة المركزية في 2013، وبمواصلة جهود وساطة بين بعض هذه التكوينات نفسها.

وعندما تتوازى هذه الهمّة الحاضرة في الدبلوماسية القطرية في ملفاتٍ أفريقيةٍ (وبعضها عربية) مع مثيلاتٍ لها بشأن ملفّات في أقاليم وقارّات أخرى، فذلك يبعثُ على إعجابٍ بكل هذه الحيوية التي تنبني على الانفتاح الواسع الذي تُبديه الدوحة في تنويع علاقاتها واتّصالاتها، وتوظيف إمكاناتها وتشبيكاتها العالمية، ما جعلها عاصمة وفاقٍ واتفاق، عاصمة المتخاصمين الذين يبحثون عن تفاهماتٍ وتعاقدات، وعن إنهاء النزاعات، سيما أنّ سمْتاً إنسانياً ظاهراً يطبع هذه الجهود القطرية، كما تبدّى، مثلاً، في نجاجها في لمّ شمل عائلات أطفال أوكرانيين في الشهور القليلة الماضية، وهو الأداء الذي ذكّر بالمساهمة القطرية التي حسمت إنهاء ملف سجن ممرّضات بلغاريات في ليبيا  في 2007، وبمساهمة مشهودة في تبادل سجناء بين الولايات المتحدة وفنزويلا في 2023. ولا يُنسى ذلك الدور الكبير في ترتيب الخروج الآمن للقوات الأميركية من أفغانستان في صيف 2022، ثم تبادل أسرى بين الولايات المتحدة وحركة طالبان. ... وقد تساوقت كل هذه المنجزات العريضة (وغيرها) مع الإفادة من قدراتٍ لوجستيةٍ وماليةٍ وغيرهما تتوفّر عليها الدولة الخليجية الصغيرة، ذات الإمكانات والموارد، وقبلهما وبعدهما ذات السمعة الطيبة عالمياً، وذات المؤهلات الإدارية والتنظيمية الكبرى، كما شهد عليها إحراز التفوّق في المنافسة على استضافة كأس العالم، على دول كبرى (منها الولايات المتحدة للتذكير)، ثم النجاح الباهر في تنظيم البطولة في 2022.

وإذ تشخَص أبصار الغزّيين، ومعهم كل العرب، إلى الدوحة، حيث المفاوضاتُ غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس، من أجل إنهاء محنة أهل غزّة التي تتسبّب بها جرائم جيش الاحتلال، فإن مما لا يغيب، في الأثناء، ما تستهدف به الماكينة الدعائية والإعلامية لمنظومة الائتلاف الحكومي للدولة العبرية قطر ووساطتها في الملف العويص. وفي البال أن الدوحة استضافت جولاتٍ بلا عدد من محادثات حركتي حماس وفتح من أجل إنهاء الانقسام الفلسطيني المعلوم، والمخزي كما يجب أن لا يُنسى. وفي البال أيضاً أن ملفاتٍ إنسانيةً وسياسيةً دخلت فيها الدوحة وسيطاً مقبولاً، بل مطلوباً في أحيانٍ غير قليلة، لم تأت عليها السطور أعلاه (اتفاق الدوحة اللبناني في 2008، الإفراج عن راهبات كن محتجزاتٍ في سورية في 2011، ...).

هناك درسٌ غايةٌ في الأهمية تعطينا إياه تلك الهمّة القطرية المؤشّر إليها، وتدلّ عليه النجاحات المذكورة، والتي لا يجوز أن يُغفل أنها متوازيةٌ مع الإسهام الفريد الذي رجّت فيه قطر الإعلام العربي، فنقلته، منذ أزيد من عقدين، وما زالت، من حالٍ إلى حال. موجز هذا الدرس أن حضور الدول وفاعليّتها، في عالم جديد، بدأ، منذ مطالع التسعينيات، يشكّل ملامحَه، بغير ما كنّا نقرأ ونسمع عنه.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows