جرائم جنسية في إسرائيل... أطفال وجنود ضحايا طقوس دينية و"عسكرية"
Arab
2 days ago
share

الحديث عن جرائم اغتصاب واعتداءات جنسية بحق أطفال في المجتمع الإسرائيلي ليس جديداً. ورغم تغطية الحروب الإسرائيلية على قضايا كهذه، إلا أن تفاصيل جديدة تتكشف يوماً بعد يوم، بمشاركة أعضاء بارزين في الكنيست

تتكشف هذه الأيام تفاصيل جرائم جنسية جديدة في إسرائيل، تشمل عمليات اغتصاب وتحرش وطقوس محرّمة، بعضها باسم الدين، ومنها في صفوف الجيش الإسرائيلي ومجتمع الحريديم المتدينين. وتُحقّق السلطات هذه الأيام في قضيتين كُشف عنهما حديثاً، تنضمان إلى قضايا وشهادات سابقة، تسلب تطورات الحرب في قطاع غزة الأضواء منهما، وتضيع تفاصيلهما في وسائل الإعلام وسط زخم الأحداث الأمنية، رغم أنهما تشملان اعتداءات جنسية بحق أطفال تم التكتم عليها على مدار سنوات.  
مثل هذه الملفات ليست جديدة في المجتمع الإسرائيلي، الذي اعتاد على انكشاف قضايا مشابهة يشتبه بضلوع أعضاء حاليين وسابقين في الكنيست الإسرائيلي فيها، بحسب بعض الشهادات التي أدلى بها ضحايا جرائم جنسية منظمة وجماعية، وشهادات لمتخصصين تلقوا شكاوى، في جلسة عقدها الكنيست قبل أسابيع قليلة.  
هذا الأسبوع، وتحديداً يوم الثلاثاء الماضي، اعتقلت الشرطة العسكرية سبعة جنود في الخدمة النظامية يخدمون في منظومة الدفاع الجوي "حيتس"، للتحقيق في شبهة ارتكاب اعتداءات جسدية ونفسية وجنسية ضد زملاء لهم في الوحدة. وبحسب موقع "واينت" العبري، يُشتبه بأن الأفعال ارتُكبت في إطار ما يُعرف بـ "ألعاب الأقدمية"، أو ما يُعرف أيضاً في السياق العسكري باسم "ألعاب الكبار في الرتبة"، وتتضمن ممارسات يقوم بها الجنود ذوو الأقدمية ضد المجندين الجدد تحت ستار المزاح أو الطقوس غير الرسمية، وقد تشمل هذه الألعاب أوامر فكاهية أو مهمّات بسيطة، لكنها قد تتحول إلى إهانات وعنف جسدي ونفسي أو حتى اعتداءات جنسية. واستمرّت هذه الممارسات لأسابيع طويلة، واستهدفت مجموعة من نحو عشرة جنود جدد. كما يشتبه بحدوث جرائم اغتصاب. وعُرض الجنود المشتبه بهم، يوم الأربعاء الماضي، على المحكمة العسكرية في قاعدة بيت ليد. وفي وقت تتواصل التحقيقات في هذه القضية، زعم بعض الجنود بأن الأفعال تمت بموافقة متبادلة و"على سبيل المزاح". يُذكر أن التحقيق بدأ إثر شكوى قدّمها أحد الجنود، كشفت سلسلة من الأحداث داخل الوحدة. ويجري حالياً فحص ما إذا كانت بعض الأفعال قد ارتُكبت أيضاً خلال فترة العدوان الإسرائيلي على إيران، في وقت كان من المفترض أن يكون فيه جنود الدفاعات الجوية في ذروة انشغالهم.

اغتصاب أطفال في طقوس جماعية

في هذه الأيام، ومن خلال خط ساخن خاص، تصل العديد من الشكاوى ضد رجل دين نافذ من مجتمع الحريديم في مدينة بني براك (تقع في منطقة دان وسط اسرائيل). وتشير الشبهات الى ارتكابه اعتداءات جنسية، منها اغتصاب أطفال على مدار أكثر من عقدين من الزمن. وبدأ الحديث عن وجود مشتبه بهم آخرين، منهم أقارب له أو مقربون منه يهددون ضحاياه لعدم تقديم شكوى. ووفق "واينت" وهيئة البث الإسرائيلي (كان)، يدور الحديث عن اعتداءات جنسية في بني براك. ويُشتبه بأن رئيس منظمة "هشومريم" حاييم روتير، وأحد أبرز الشخصيات في المدينة، اغتصب قُصّراً على مدى سنوات بوحشية وقسوة.
وكان روتير الذي يُعرف أيضاً بلقب "شرطي بني براك" (رغم أنه ليس شرطياً)، قد اعتُقل أواخر الأسبوع الماضي، فور هبوطه في مطار بن غوريون في اللد، وتم تمديد اعتقاله لثمانية أيام في مرحلة أولى على ذمة التحقيق، وهو ناشط غير رسمي في حفظ النظام في المدينة ضمن إطار منظمة "شومريم". كما يعد شخصية كان الفتية الحريديم يُعجبون بها عندما كانوا يخرجون في دوريات معه في أنحاء المدينة. واستناداً إلى الشكاوى، فقد اعتدى جنسياً على فتيان بشكل منهجي لأكثر من 25 عاماً. وخلال جلسة تمديد اعتقاله الأسبوع الماضي، انفجر أحد الضحايا في قاعة المحكمة صارخاً: "إنه الشيطان... لقد اغتصبني. إنه شرير وخبيث".
وتشمل قائمة المشتكين ضد روتير أشخاصاً في سن 12 عاماً وما فوق، يتهمونه بالاغتصاب واستغلال علاقات السلطة. ووفق وسائل إعلام عبرية، كشفت سلسلة من الشهادات عن نمط سلوك وحشي استغل فيه المتهم قوته والإعجاب الذي حظي به للتقرّب من فتيان الحريديم، ولمسهم بشكل حميمي.  
أحد الضحايا ويدعى يوسي روبينفيلد، والذي تفاعل مع التحقيقات، كتب مؤخراً على حسابه على "فيسبوك" عن اعتقال مشتبهين إضافيين في القضية، ودعا ضحايا آخرين لتقديم شكاوى، قائلاً: "لن يُخيفنا أحد، ولن يُهددنا أحد. أدعو كل من تعرّض للأذى ألا يصمت. توجّهوا إلى مركز الشرطة، وقدّموا شكوى، واطلبوا المعالجة الكاملة. هذا هو الوقت للوقوف معاً، بشجاعة وبصدق. العدالة معنا".
واعتقلت الشرطة مطلع الأسبوع الحالي، مشتبهين بتهديد المشتكين، منهم يوئيل يوسف، الذي يُعتبر من أقرب المقرّبين لروتير وهو عضو في المنظمة، ويشتبه بأنه حاول التأثير على شاهد وعرقلة إجراءات التحقيق. وأكد بعض المشتكين تلقيهم بعض الرسائل لسحب الشكاوى أو عدم تقديم أخرى، معتبرين أنها استمرار لـ"علاقة الصمت" التي تميز هذه القضية منذ سنوات طويلة. وفاق عدد الضحايا الذين قدموا شكاوى حتى اليوم العشرة، وسط توقعات بارتفاع العدد في قادم الأيام. ونقلت "كان" عن مصدر مطّلع على تفاصيل التحقيق لم تسمّه، بأن هناك تعبئة متزايدة من قبل جهات علاجية وشخصيات رئيسية في المجتمع الحريدي في بني براك، تهدف إلى تشجيع الضحايا على تقديم شكاوى للشرطة وكسر دائرة الصمت المحيطة بالقضية. في المقابل، أفاد المحامي يوسي روترمان، الذي يُمثّل عدداً من المشتكين ضد حاييم روتير، بأنه تلقّى تهديدات لحياته من جهات مجهولة. ونتيجة لذلك، قدّم شكوى رسمية إلى شرطة بني براك بشأن هذه التهديدات.

شهادات صعبة

تعيد هاتان القضيتان إلى الأذهان اعتداءات جنسية أخرى في إسرائيل، بعضها كشف من خلال مناقشات في جلسة للجنة النهوض بمكانة المرأة البرلمانية في شهر يونيو/ حزيران الماضي، وأشارت إلى تورط مسؤولين إسرائيليين كبار فيها. وتحدثت نساء مشاركات عن طقوس اغتصاب جماعي من ضحاياها أطفال. وإحدى أبرز الضحايا ياعيل أريئيل، التي تحدثت في جلسة اللجنة في الكنيست عن شهادات صادمة تتعلق باعتداءات جنسية خطيرة على أطفال في المجتمع الديني والحريدي، وقعت في إطار طقوس عبادة منظمة. أضافت في مقابلة للقناة 13 العبرية في اليوم التالي: "وجدت نفسي في هذه الدائرة في عمر صغير، وبقيت كذلك حتى عمر الـ 20 عاماً. أعيش مع شعور بالذنب وإحساس بالمسؤولية للتحدّث عن حقيقة ما حدث. أريد أن أعطي دافعاً لآخرين للحديث عما يحدث. تعرضنا لعنف وسادية. أعرف عن مسؤولين كبارا شاركوا في الاعتداءات، بينهم أعضاء كنيست حاليون وسابقون. في الجلسة في الكنيست، قال أحد المتخصصين إنهم لا يزالون يتلقّون توجيهات من أشخاص... ويبدو أن الشرطة تحقق وتغلق الملفات وكل شيء (الاعتداءات) يستمر". وأشارت إلى أن الخوف الأساسي الذي أعاق حديثها العلني عن الموضوع، هو عدم تصديقها، وكان هناك من يخيفها في هذا الجانب. وذكرت أنه فُرض عليها خلال الطقوس "القيام بأمور صعبة بحق أطفال آخرين. لقد ارتكبت أموراً صعبة جداً ولكن ليس بإرادتي. ومسؤوليتي اليوم أن أتحدث عما حدث وأحث الآخرين على القيام بالمثل. كانوا يقولون لنا خلال الطقوس إنه في حال خرجت وتحدثت عن ذلك، لن يصدقك أحد".
خلال شهادتها في لجنة النهوض بمكانة المرأة في الكنيست، قالت أريئيل: "تعرضتُ لانتهاكات طقوسية على مدار سنوات حتى أواخر مراهقتي، وأُجبرت على إيذاء أطفال آخرين. اخترت أن أتكلم وأُسمع صوتي. تلقيت تهديدات بعدما كشفت قصتي.  تعرضت لهذه الطقوس من سن الخامسة وحتى سن العشرين". وفي تحقيق نُشر في صحيفة "يسرائيل هيوم"، تحدثت نساء تمت مقابلتهن عن طقوس جماعية تشمل الاغتصاب والاعتداء الجنسي على فتيات وفتيان، من قبل شخصيات ذات سلطة ونفوذ روّجت لهذه الممارسات على أنها "روحية" أو دينية.

وقالت أريئيل في الجلسة إنها تلقت شهادات من عدة نساء، أفدن بأن أطباء ومعلمين ورجال شرطة وأعضاء كنيست سابقين وحاليين من مختلف الأطياف السياسية شاركوا في هذه الانتهاكات الطقوسية. وقاطعتها رئيسة اللجنة، بنينا تامنو شاطا، وسألت: "هل قلتِ للتو إن هناك أعضاء كنيست سابقين وحاليين؟". فأجابت: "نعم. هناك قصة نُشرت، وأنا أعلم عن آخرين أيضاً". وتتعلق القصة التي أشارت إليها أريئيل بشوشانا ستروك، ابنة وزيرة الاستيطان الإسرائيلية أوريت ستروك، التي نشرت فيديو في شهر مارس/ آذار الماضي، قالت فيه إنها تعرّضت لاعتداءات جنسية من قبل والديها.  
لا يتوقف الأمر عند هذه الشهادة، بل أدلت نساء بشهادات في الكنيست عن اعتداءات قاسية تعرّضن لها في طفولتهن، فجزء من طقوس زعم المعتدون أنها دينية جماعية. ووصفت الضحايا حالات إساءة جسيمة هزّت الحاضرين، لكن ما كان صادماً أيضاً هو الادعاءات بتجاهل السلطات وتقاعس أجهزة إنفاذ القانون.
تاس مئير، وهي ضحية أخرى، تروي في الجلسة أنها كانت جزءاً من "طقس عبادة" في طفولتها. تقول: "كنت شاهدة على حادثة عندما كنت في السادسة من عمري. تذكّرت أنواعاً مختلفة من الانتهاكات التي تم تصويرها بكاميرات. لم أصدق أن هذا العدد الكبير من النساء مرّ بتجارب مشابهة لما مررت به. رجال ونساء، من المتدينين والعلمانيين، شاركوني بما مرّوا به". أضافت أنها واجهت خطراً على حياتها خلال أحد طقوس الاغتصاب. "خلال أحد الاعتداءات، واجهت خطراً على حياتي ولم أتمكن من التنفس. شعرت أنني يجب أن أستسلم وأموت فقط. كان هذا حدثاً جماعياً".

ضحية أخرى رُمز إليها خلال الجلسة بالحرف "ع"، ذكرت أن توجهها لسلطات إنفاذ القانون لم يؤدِ إلى تحقيق أو اعتقال مشتبه بهم. قالت: "النيابة أغلقت الملف بدعوى عدم وجود جرم، وقدمتُ استئنافاً وقُبل. ذهبتُ للإدلاء بالشهادة بينما كنت حاملاً، وأُغلق الملف مجدداً بدعوى عدم وجود جرم. قالوا إنني أتوهّم. قدّمتُ تسجيلاً لشخصية تعترف بأنها أساءت إليّ، ولم تُستدعَ للتحقيق". وطالبت السلطات بأن "تتعامل مع هذا كما تتعامل مع الإرهاب".
ضحية أخرى هي ياعيل شطريت التي تعرّضت لاعتداءات جنسية منذ كانت في سن الثالثة. وقالت في الجلسة: "ليس لديكم فكرة عمّا تعنيه الانتهاكات الطقوسية. العقل البشري لا يستطيع استيعاب ذلك". وذكرت أنها تعرّضت للأذى على يد المربية التي اعتنت بها وأفراد من عائلتها وآخرين. "كانت هناك طقوس وعبادات تهدف إلى عدم التذكّر. الشرطة تعرف عن ذلك منذ عام، لكنها لا تملك الأدوات للتعامل مع الموضوع". كما تحدّثت ياعيل عن تورّط شخصيات رفيعة المستوى في هذه الأفعال المروّعة. "من سيسقط هم أشخاص رفيعو المستوى جداً، أشخاص يديرون مجتمعات وسلطات. يهددوننا. لديّ أطفال يجب أن أحميهم. يجب إنشاء جهة تفهم ما هذا. نحن نجونا. لقد حاولوا جعلنا مثلهم، ومهمّتكم أن توقفوا ذلك".
في السياق، يوضح المتخصّص في علاج الصدمات النفسية، داني بروم، أن جهات مختلفة تشكّك في مصداقية الحالات بسبب شدة الانتهاكات التي تعرّض لها الضحايا، ما قد يفسّر تجاهل السلطات. يضيف أن "هذه الانتهاكات تمنع الأشخاص من أن يكونوا شهوداً موثوقين. بعض المعالجين لا يصدقون أن هناك أشخاصاً ساديين إلى هذا الحد".
من جهتها، تقول المديرة العامة لجمعية تقدّم الدعم للنساء المتضررات من دائرة الدعارة والاعتداءات الجنسية، نعماه غولدبرغ، إن الشهادات حول الانتهاكات المتعلقة بالطقوس ليست جديدة، والشرطة لم تتعامل معها كما ينبغي. تضيف: "قبل سنوات عدة، علمت بأمور تتعلق بانتهاكات سادية بحق أطفال. كانت الأوصاف تبدو غير معقولة، لكن الشهادات استمرت بالوصول. وصفوا اعتداءات جماعية من قبل رجال، وأحياناً بمشاركة نساء. تم تصوير الانتهاكات، وكان هناك استخدام للمخدرات. هناك توظيف لطقوس رمزية وشعائرية. وكان هناك دافع للسيطرة على المجتمع (المستهدف)". وذكرت أنها قدّمت للشرطة شهادات مكتوبة من قبل خمس نساء، "لكن حتى اليوم لم يتواصل معي أحد".
أمام هذه الشهادات المروعة، حاولت ممثلة الشرطة الإسرائيلية في الجلسة دحض الادعاءات بشأن تقاعس الشرطة. وقالت: "هناك وحدة تفحص جميع الملفات. هذا ضمن أولوية عالية جداً في قسم الاستخبارات". تضيف رئيسة قسم ضحايا الجرائم في الشرطة، عنات ياكير: "المنظومة في أعلى المستويات تفحص الموضوع في وحدة لاهف 433"، مشيرة بذلك إلى وحدة نخبوية تابعة لشرطة إسرائيل، متخصصة في مكافحة الجريمة الخطيرة، والجريمة المنظمة، والفساد العام، والجريمة الاقتصادية، وجرائم السايبر، والاعتداءات الجنسية الخطيرة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows