التلوث في بغداد... حلقة مغلقة هواءً وماءً وتربة
Arab
2 days ago
share

يؤكّد متخصّصون في الصحة أنّ التلوث في بغداد يخلق حالة طوارئ بيئية صحية تهدّد حياة ملايين من دون استثناء، ويتحدّث بعضهم على غرار مواطنين عن العيش في حلقة تلوّث مغلقة. 

يهدّد التلوث الصناعي سكان بغداد مع استمرار تصاعد عدد المنشآت الصناعية داخل العاصمة العراقية التي تزيد تلوث الهواء والمياه والتربة، وبالتالي التهديدات لكلّ شيء حي، وكانت وزارة البيئة أكّدت أخيراً أن وجود 8 آلاف منشأة صناعية داخل العاصمة يرفع نسبة التلوث.

يقول الدكتور الاختصاصي في أمراض الجهاز التنفسي، محمد عباس، لـ"العربي الجديد": "الأزمات التنفسية والأمراض المتجذّرة ومياه الشرب الملوثة عوامل تصبّ في معادلة واحدة تتمثل في تسميم بغداد وأهلها، تزداد حالات الاختناق بسبب انبعاثات غازات الكبريت التي تتسبب في حساسية مزمنة بالشعب الهوائية، والإصابات بالتهاب رئوي وتداعيات صحية أكبر لمن يستمر في استنشاقها، لذا ننصح دائماً بتجنّب العمل في هذه الأماكن أو قربها، ومغادرة المرضى المصابين بالربو وحساسيات الصدر الذين يسكنون في مناطق ملوثة إلى مناطق أخرى".

ويحتلّ العراق المرتبة السادسة بين أسوأ دول العالم في جودة الهواء الذي يبلغ تلوثه في بغداد تحديداً 26.8 ضعفاً للقيمة الإرشادية التي حدّدتها منظمة الصحة العالمية. وفيما تركز الأزمة على الانبعاثات الصناعية من مصادر مختلفة في مقدمتها محطات الوقود ومعامل صناعة الطوب ومحارق النفايات ومولدات الكهرباء الخاصة، أغلقت الحكومة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي 111 مصنعاً للطوب و57 مصنعاً للإسفلت في أطراف بغداد بسبب عدم استيفاء المعايير البيئية، كما فرضت أن تتحوّل المنشآت الصناعية إلى مصادر وقود أنظف خلال 18 شهراً مع التعهد بإجراء تحسينات على مصفاة الدورة للوقود جنوبي بغداد من أجل الحدّ من الانبعاثات الضارة.

تشكو ميران عبد رزاق (27 عاماً) وهي موظفة حكومية وأم لطفلين، من معاناة طفلها الصغير البالغ 4 أعوام من سعال دائم، وأيضاً أخته التي تكبره بعامَين من حرقة في عينيها نتيجة استنشاق هواء ملوث، وتقول لـ"العربي الجديد: "نسكن قرب منشأة صناعية ويوجد في زقاق الحي ثلاثة مولدات كهربائية كبيرة تعمل بالوقود، لذا نغلق الشبابيك حتّى في الصباح، ونعيش كأننا داخل قوقعة. ليس أمامنا إلّا أن نبيع منزلنا وننتقل إلى منطقة أخرى ذات أجواء أكثر نقاءً، وإذا لم نفعل ذلك سنشعر بذنب، ونسأل ماذا سيحدث لرئتي الطفلين الصغيرين إذا لم نجد مكاناً مناسباً للسكن؟".

ويقول أمجد علي (45 عاماً) الذي يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع لـ"العربي الجديد": "أقود سيارتي 10 ساعات يومياً، واستنشق في هذه الساعات الدخان الخارج من مولدات الكهرباء ومحطات البنزين والمصانع الصغيرة التي تنتشر داخل الأحياء. نعيش فعلياً داخل غرفة غاز مفتوحة لأن لا أحد يحاسب أصحاب المصانع، ولا يُغلق أحد مولدات السُمّ. كانت بغداد مدينة دجلة والخضرة، وأصبحت اليوم مدينة الرماد والغبار".

أيضاً تقول ساهرة العايش (60 عاماً) لـ"العربي الجديد": "حين أفتح نوافذ منزلي تدخل روائح كريهة، وهي ليست غازات تطلقها مصانع تبعد نحو 500 متر عن منزلي فحسب، بل أيضاً مخلفات ونفايات تُحرق على نحوٍ مخالف للبيئة".

وتشير ساهرة التي تقطن في منزل يقع في حي شعبي شرقي العاصمة بغداد، إلى أنها تسكن في هذه المنطقة منذ أكثر من أربعين عاماً، وأن الأجواء لم تكن سيئة كما اليوم، وتقول: "لا توجد رقابة فعلية على المخالفين ما يجعل أصحاب المصانع يتجاوزون المعايير البيئة ويجلبون الضّرر لصحة الناس"، تتابع: "يزورني أحفادي أيام الجمعة، لكنّني بتُّ أخشى عليهم من الماء الذي يشربونه والهواء الذي يتنفسون. أنا امرأة كبيرة في السن واعتدت على هذا الوضع، لكن ماذا عنهم؟ كيف ستكون حياتهم إذا كبروا وسط هذه السموم؟".

من جهته، يحذّر الخبير البيئي صالح الشمري، من أن "التلوث الصناعي في العاصمة بغداد تجاوز حدوده التقليدية ليشكّل اليوم تهديداً شاملاً لا يقتصر على صحة الإنسان فحسب، بل يمتد إلى الأرض والمياه والنظام البيئي بأكمله"، يضيف: "لا نتعامل مع الانبعاثات الضارة في الهواء فحسب، بل مع حلقة ملوّثة مغلقة؛ فالهواء مسموم، والماء ملوث، والتربة ميتة. تنفث الصناعات العشوائية ومولدات الكهرباء ومحارق النفايات يومياً كميات هائلة من أكاسيد الكبريت والنيتروجين والهيدروكربونات والمعادن الثقيلة، وهذه المواد لا تتبخر في الهواء فحسب، بل تترسّب في الأرض وتنساب مع مياه الأمطار نحو المجاري والأنهار".

ويؤكد الشمري أن "هذا التلوث يتسبب في تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية، ويلحق أضراراً بالحيوانات والأسماك والطيور البرية لم تعد قادرة على التأقلم. ما يجري تدهور بطيء للبيئة الريفية لكنّه متسارع للبيئة الحضرية. إذا لم نواجه مصادر التلوث الصناعي ستفقد بغداد خضرتها وهواءها، وأيضاً قدرتها على احتضان حياة صحية مستدامة مستقبلاً".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows