عودة نسيج بايو إلى بريطانيا لأول مرة منذ 900 عام
Arab
2 days ago
share

قطعة قماش مطرّزة تستعد لاحتلال واجهة المتحف البريطاني. لا تملك شاشة ولا تضيء بأزرار رقمية، لكنها قادرة على أسر النظر كما لو أنها تبثّ من القرن الحادي عشر. نسيج بايو الشهير الذي تحكي خيوطه الدقيقة قصة الغزو النورماندي لإنكلترا عام 1066 يعود إلى لندن بعد غياب تجاوز تسعة قرون. لا يعود كغنيمة ولا كرمز لخلاف، بل كأثر حيّ استعادته الذاكرة السياسية والثقافية، ثمرة مفاوضات امتدت لسنوات، منذ لمّح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2018 إلى رغبته في إعارته إلى المملكة المتحدة.

يمتد النسيج على سبعين متراً من القماش، لا يسرد فقط معركة هاستينغز أو الصراع بين ويليام الفاتح وهارولد، بل ينسج على هامشه مشاهد من الحياة اليومية لا تُدرّس في كتب التاريخ: قطة تقفز في الزاوية، صيّاد يمد يده إلى شبكة، كلب يركض خلف سيده، وحيوانات خارجة من خيال الحكايات. ليس مجرد قماش، بل حلم خيّاط من العصور الوسطى أراد أن يروي الواقع كما رآه، قائلاً للعالم: "هكذا كنّا".

وسيُعرض نسيج بايو في بريطانيا في لحظة دقيقة، لا لأنه غاب عنها طويلاً فحسب، بل لأنه يعود في وقت يعيد فيه المتحف البريطاني التفكير في علاقته بمقتنياته. مطالبات متجددة، على رأسها اليونانية باستعادة رخاميات البارثينون، تقابلها المؤسسة بجدار قانوني، بينما تحاول اختبار سياسة "الإعارة المتبادلة"، كخطوة وسطى بين الإنكار الكامل والاعتراف الشامل، بين الدبلوماسية والذاكرة.

ورحّبت وزيرة الثقافة البريطانية، ليزا ناندي، بعودة النسيج، واصفةً إياه بأنه "رمز من رموز الذاكرة الوطنية" و"تجسيد للروابط العميقة مع فرنسا". لكن هذا الترحيب يخفي ربما معنى أعمق، فبريطانيا التي طالما توجّست من فكرة "إعادة ما أخذته"، تبدو الآن مستعدة للتفكير في ما يمكن أن "تُقرضه"، بدلاً من أن تخسره. في المقابل، ستستقبل متاحف نورماندي الفرنسية بعضاً من كنوز المتحف البريطاني، منها مقتنيات من مدفن ساتون هو العائد إلى القرن السابع، أحد أهم الاكتشافات الأثرية في أوروبا، بالإضافة إلى قطع مختارة من مجموعة "شطرنج لويس" التي نشأت في جزيرة اسكتلندية وظلت لقرون تثير أسئلة أكثر مما تقدّم أجوبة.

وصف مدير المتحف البريطاني، نيكولاس كولينان، نسيج بايو بأنه "من أندر الكنوز الثقافية في العالم"، وربما لم يكن مبالغاً. لكن الأهم من ندرته هو ما يرمز إليه: شعور بأن الزمن يعيد ترتيب نفسه، وأن ما كان يُعتبر مستحيلاً قد يغدو تمهيداً لاستعادة الدول مقتنياتها من متاحف بريطانيا وغيرها.

نسيج خيط في القرن الحادي عشر يعود في القرن الحادي والعشرين، لا ليُعرض فحسب، بل ليحرّض على إعادة التفكير في ما سُلب أو وصل بطرق مجهولة إلى متاحف غريبة. لا أحد يعرف على وجه الدقة كيف غادر هذا النسيج إنكلترا ذات مرة، أو ما إذا كان قد حيك فيها أساساً، لكن المؤكد أنه يعود اليوم مدفوعاً برغبة سياسية ناعمة، وفضول من جمهور لم يره إلا في الصور والكتب.

يعود نسيج بايو لا ليحسم جدلاً، بل ليقترح حواراً طويلاً حول الملكيات والهوية والذاكرة. وفي لندن، حيث تلتقي الخيوط القديمة بأضواء العرض الحديثة، سيقف الزوار أمام سبعين متراً من القماش المطرّز، يقرأون عليه الزمن كما لو أنه سطرٌ في دفتر شخصي. سيشاهدون، ولن ينسوا أن التاريخ لا يُكتب بالحبر وحده، بل يُطرّز بالخيط أيضاً، ويعود إلينا عندما نكون مستعدّين لفهمه.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows