حزب ماسك .. تكتل للمستثمرين أم تهديد حقيقي للحزبين الحاكمين؟
Arab
2 days ago
share

يعتزم الملياردير إيلون ماسك تأسيس حزب جديد، مع أنه طوال السنين الطويلة الماضية ظل المشهد السياسي الأميركي قائماً على حزبين رئيسيين هما الجمهوري، الذي ينتمي إليه دونالد ترامب، والديمقراطي الذي ينتمي إليه جو بايدن، رغم وجود أحزاب ثانوية صغيرة أخرى. ومنذ العام 1856، تشهد الولايات المتحدة تنافساً قوياً على الرئاسة بين هذين التكتلين ضمن ما يوصف بنظام الحزبين الرئيسيين اللذين يسيطران على الساحة وبشكل مطلق، وفي كل انتخابات للرئاسة يتفوّق الحزبان على الأحزاب الصغيرة الأخرى مثل الليبرالي والأخضر والشعب، والتي تنحصر إنجازاتها في الفوز ببعض الولايات والمناصب المحلية.

وعلى الرغم من محاولات عدة لتأسيس حزب سياسي ثالث قوي يناطح الحزبين الرئيسيين وينافسهما، سواء في انتخابات الرئاسة التي تجري كل أربع سنوات أو الانتخابات التشريعية، إلا أن المحاولات باءت بالفشل لأسباب عدة.

ومع هيمنة الحزبين على المشهد السياسي، فإن كثيراً من الأميركيين عزف عن الاهتمام بالشأن العام وقاطع الانتخابات، سواء الرئاسية أو التشريعية، خاصة مع ما تردد عن تواطؤ رموزه وقادته وعملهما لخدمة مصالحهم الشخصية على حساب مصالح الناخبين والتعهدات الانتخابية.

ورغم أن مواد الدستور الأميركي لا تمنع إنشاء أحزاب جديدة أو دخول كيانات وقوى إلى الحياة السياسية، فإن النظام السياسي في الولايات المتحدة كان مصمماً بطريقة تضمن بقاء الحزبين الرئيسيين في سدة الحكم، والقضاء بشكل غير مباشر على أي منافس، حتى لو كان بوزن الملياردير الأميركي والرئيس السابق لبلدية نيويورك مايكل بلومبيرغ، الذي أعلن قبل نحو عقد أنه يدرس جدياً إمكانية خوض انتخابات الرئاسة الاميركية التي جرت العام 2016.

وقتها قالت مصادر قريبة من الرجل الثري إنه على استعداد لإنفاق حتى مليار دولار من ماله الخاص على حملة انتخابية شخصية. وفي سنوات لاحقة انضم بلومبيرغ بالفعل إلى قائمة المتنافسين المحتملين على خوض انتخابات الرئاسة الأميركية ومواجهة ترامب عام 2020. لكنه انسحب قبل الانتخابات العامة ولم يحصل على أي أصوات في المجمع الانتخابي.

وقبلها وفي عام 2010، تشكل حزب جديد تحت عنوان "بلا أسماء" وأعلن مؤسسوه تقديم مرشح رئاسي لمنافسة جو بايدن وخصمه الجمهوري، ترامب، في انتخابات 2024، إلا أن التجربة لم تنجح في ذلك الوقت وتوارى الكيان عن الأنظار.

حزب أميركا قد يحرك المياه الراكدة داخل المشهد السياسي الأميركي الراكد في حال إذا ما أثبت جديته

ومع تعمق الخلافات الأخيرة بين ترامب والملياردير الأميركي إيلون ماسك حول ملفات عدة، من أبرزها مشروع قانون الموازنة والإنفاق الحكومي وأزمة الدين العام، خرج ماسك على الرأي العام الأميركي ليعلن أنه شكل حزباً سياسياً أطلق عليه اسم "حزب أميركا"، يكون "في المنتصف تماماً بين الديمقراطيين والجمهوريين" حسب قوله. وليمثل تحدياً للنظام الحزبي التقليدي في الولايات المتحدة.

ومن باب الاقتصاد والأزمات المالية سعى ماسك للترويج لحزبه الجديد قائلاً: "عندما يتعلق الأمر بإفلاس بلدنا بسبب الهدر والفساد، فإننا نعيش في نظام الحزب الواحد، وليس في ديمقراطية، اليوم، تم تأسيس حزب أميركا ليعيد لكم حريتكم".

كما ربط ميلاد الحزب بالخلافات مع إدارة ترامب على أزمة كبيرة تهدد الاقتصاد الأميركي، وهو العجز المتفاقم في الموازنة العامة والزيادات القياسية في الدين العام، والتي تكلف الناخب الأميركي ما يقرب من تريليون دولار سنوياً كلفة أعباء بعد أن تجاوزت قيمتها 36 تريليون دولار.

لا أظن أن ماسك يسعي شخصياً من خلال تأسيس الحزب إلى المنافسة على انتخابات الرئاسة في عام 2028، لأن الدستور الأميركي يحظر ذلك، حيث إنه مولود في جنوب أفريقيا، ولا يمكنه الترشح في تلك الانتخابات، إذ يفرض الدستور على المرشحين أن يكونوا من مواليد الولايات المتحدة. لكن ذلك لا يمنع ماسك من مضايقة الحزب الجمهوري الذي يقوده حالياً دونالد ترامب، ومناكفته والحزب الأخر في الشارع السياسي ولدى الناخب، خاصة وسط النخبة التي تعارض سياسات ترامب الاقتصادية والخارجية.

مع تعمق الخلافات الأخيرة بين ترامب والملياردير الأميركي إيلون ماسك حول ملفات عدة، من أبرزها مشروع قانون الموازنة والإنفاق الحكومي وأزمة الدين العام، خرج ماسك على الرأي العام الأميركي ليعلن أنه شكل حزباً سياسياً أطلق عليه اسم "حزب أميركا"

ورغم هذا الاعتبار وغيره، إلا أن حزب ماسك قد يستقطب عدداً كبيراً من رجال الأعمال، خاصة من داعمي الحملات الانتخابية الرئاسية، وهو ما يشكل تهديداً لسياسة الحزب الواحد التي ترسخت في الولايات المتحدة على مدى عقود، نظراً لعدة اعتبارات منها ضخامة التمويل الذي يمكن أن يحصل عليه حزب أميركا الوليد سواء من ماسك، أثرى أثرياء العالم، أو من مليارديرات أسواق المال في حي "وول ستريت" الذين قد يدعمون سياسة الحزب بمليارات الدولارات، خاصة إذا حقق مصالحهم المالية والاقتصادية، سواء على مستوى الدعم الحكومي والقوانين والضرائب والقيود الجمركية على المنافسين الخارجيين.

كما أن صياغة برنامج الحزب الجديد يمكن أن تعطي له زخماً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً يساهم في إكسابه شعبية قوية على مستوى الولايات المتحدة، بما يكفي لتشكيل تهديد حقيقي للحزبين القائمين، خاصة حزب ترامب الذي بات ماسك يناصبه العداء.

لكن الأمر برمته ونجاح حزب أميركا الوليد، يتوقفان على عدة اعتبارات، أبرزها مدى جدية ماسك في إخراج الحزب للنور، والسياسات الاقتصادية والسياسية والمالية والصحية والاجتماعية التي سيتبناها الحزب، ومدى تشابه تلك السياسات مع أفكار الحزبين القائمين، خاصة أن ماسك يدافع عن معظم الأفكار الاقتصادية والاجتماعية نفسها التي يتبناها حزب ترامب أو رجال الأعمال الأثرياء في البورصات وأسواق المال الأميركية "وول ستريت" وعمالقة التكنولوجيا ومستثمرو وادي السيليكون، وكذا وسط قطاع الأعمال والنفط والسلاح والأدوية.

كما أن ماسك يريد حزباً محافظاً مالياً يضبط الإنفاق العام ويعالج أزمة الدين العام، وهي نفس خطوط الحزبين القائمين والشعارات التي يتبناها أكبر كيانين سياسيين في الولايات المتحدة، إضافة إلى أن الملياردير الثري الذي بات يناصب ترامب العداء بعد صداقة قوية ودعم مالي لا محدود في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم يقدم سوى تفاصيل قليلة أخرى حول برنامج الحزب الوليد.

هل اقتحام ماسك عالم السياسة بهذه الحدة يمكن أن يضر بشركاته وفي مقدمتها تسلا وبمصالحه الاقتصادية والمالية

وتبقى الأسئلة: هل يمتلك ماسك شعبية داخل الشارع الأميركي تضمن بداية قوية للحزب، أم أن شعبيته تتركز داخل مجتمع الأعمال والمستثمرين وأباطرة وول ستريت، وهل المال السخي والإنفاق الضخم كافيان لتدشين حزب ثالث في الولايات المتحدة ونجاحه، خاصة أن هناك من يرى أن المال مجرد بداية جيدة في إعادة رسم السياسة الأميركية والمشهد الانتخابي برمته، لكنه غير كاف لعمل شعبية على مستوى الناخب وداخل الولايات التي تحظى بثقة مرشحي الحزبين تاريخياً وعلى مدى سنوات طويلة، وليس كافياً لضمان الفوز في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، ومحاولة انتزاع مقاعد في مجلسي النواب والشيوخ والتحول إلى "الصوت الحاسم" في التشريعات الرئيسية؟

وهل اقتحام ماسك عالم السياسة بهذه الحدة يمكن أن يضر بشركاته وفي مقدمتها تسلا وبمصالحه الاقتصادية والمالية، خاصة أنه عقب إعلانه عن تأسيس الحزب الجديد هبط سهم شركة السيارات الكهربائية العملاقة بنحو 8%، ما يظهر قلق الأسواق والمستثمرين في أسواق المال والبورصات من انخراط الملياردير الثري المتزايد في السياسة على حساب إدارة شركاته العملاقة و"بزنسه" الخاص، ويعيد هذا الانخفاض إلى الأذهان ما حدث بعد انضمام ماسك إلى حكومة ترامب وزيراً، وتعرض تسلا وغيرها من الشركات إلى تراجع في المبيعات والإيرادات، بل ومهاجمة مقراتها من قبل الموظفين الفيدراليين المفصولين بقرارات من ماسك.

حزب أميركا قد يحرك المياه الراكدة داخل المشهد السياسي الأميركي الراكد في حال إذا ما أثبت جديته، لكن في حال فشل التجربة، فإن المناخ السياسي سيصبح مغلقاً لسنوات طويلة مقبلة أمام الحزبين الرئيسيين وحتى إشعار آخر؟

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows