
شهدت العاصمة اللبنانية بيروت، اليوم الخميس، إطلاق "الشبكة العربية لاستقلال القضاء" التي تضمّ 15 منظمة غير حكومية من ستّ دول عربية، تعمل لتعزيز مبدأ استقلالية السلطة القضائية واحترام مبدأ سيادة القانون. وتقوم رؤية الشبكة، التي تأسّست في مايو/ أيار الماضي، على قضاء قائم على نهج مؤسّسي مستقلّ يحمي الحقوق والحريات ويحقّق العدل والإنصاف في المنطقة العربية، مع إيمانها بحقّ المواطن العربي في أن يعيش بنظام ديمقراطي ويتمتّع بقضاء مستقلّ يلتجئ إليه ويحتكم له حين تضيق به السبل وتتعسّف عليه السلطة.
وعلى الرغم من جملة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية، فإنّ تلك المنظمات صمّمت على الاجتماع والالتقاء لإعلان شراكة في تأسيس شبكة إقليمية لتحقيق استقلالية القضاء والدفاع عن قيم العدالة والحقوق والحريات في المنطقة العربية. وقد عُقد، ظهر اليوم، مؤتمر صحافي في بيروت للإعلان عن إطلاق "الشبكة العربية لاستقلال القضاء" والتعريف بأعضائها المؤسّسين. ومن لبنان تضمّ الشبكة "نادي قضاة لبنان" و"المفكرة القانونية" و"المركز اللبناني لحقوق الإنسان" و"ألف"، ومن مصر "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" و"الذاكرة والمعرفة للدراسات"، ومن تونس "جمعية القضاة التونسيين" و"الرابطة التونسية لحقوق الإنسان" و"الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية" و"البوصلة"، ومن المغرب "نادي قضاة المغرب"، ومن سورية "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، ومن فلسطين "الحق" و"المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء - مساواة" و"الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون - استقلال".
15 منظمّة عربية تُطلق الشبكة العربية لاستقلال القضاء
— الشبكة العربية لاستقلال القضاء (@ArabNetworkforJ) July 10, 2025
أعلنت اليوم الخميس، 15 منظمة عاملة في 6 دول عربيّة، من مجالات حقوقيّة وقضائيّة مختلفة، تأسيس شبكةٍ إقليمية لتحقيق استقلال القضاء والدفاع عنه.
البيان التأسيسي: https://t.co/1lB7aHDxxl pic.twitter.com/GbfOaPRAxn
وقال المحامي والباحث اللبناني نزار صاغية، من مؤسّسي "المفكرة القانونية"، في خلال تلاوته بيان "الشبكة العربية لاستقلال القضاء": "نشهد اليوم، على صعيد العالم، تنامي الممارسات الشمولية على نحو يهدّد أسس حقوق الإنسان والقانون الدولي للإنسان. ومن أخطر ما يحصل على هذا الصعيد الانتهاكات المستمرّة والجسيمة في فلسطين المحتلة التي توسّعت إلى حدّ ارتكاب إبادات جماعية على مرأى ومسمع العالم".
وأوضح صاغية أنّه "في حين تُبذل جهود كبيرة يُساهم فيها أعضاء من هذه الشبكة لمواجهتها أمام المحاكم الوطنية والدولية وفي الخطاب العام العالمي، تتواصل الضغوط والعقوبات والتهديدات التي باتت تطاول آلاف الناشطين والقضاة والعاملين في المحكمة الجنائية الدولية". أضاف أنّها طاولت كذلك "المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي، وفي استمرار ذلك والسكوت عنه إضعاف مرجعية هذه المحكمة التي وُجدت لتحصين السلم الأهلي"، وكذلك "إضعاف حظوظ استتباب السلام في موازاة تشريع الجريمة وتعميم الإفلات من العقاب".
ولمواجهة هذه التحديات كلها، تأمل "الشبكة العربية لاستقلال القضاء" أن تكون مساحة لتبادل الخبرات والمشورة والدعم المتبادل لكلّ ما يهدف إلى ترسيخ حقّ الأفراد والشعوب بالعيش بسلام وكرامة، وأن تكون قوّة حقوقية إقليمية تمارس دورها في داخل المنطقة كما في خارجها.
ولفت صاغية إلى أنّ هذه الشبكة قد تكون الأولى التي تضمّ جمعيات قضائية ومنظمات حقوقية على صعيد المنطقة العربية، وهذا الأمر يعكس قناعة لدى المنظمات الحقوقية بأهمية الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية، وبصورة أهمّ عن مرجعية القضاء بوصفه ملاذاً آمناً ومنبراً ديمقراطياً وحاكماً منصفاً وعادلاً وشفّافاً في سياق دفاعها عن حقوق الأفراد والشعوب بالعيش بكرامة. كذلك يعكس الأمر التحوّلات العميقة في فهم القضاء للمبادئ التي تحكم السلطة القضائية، التي تتمحور بالدرجة الأولى حول حماية الحقوق والحريات وإحداث التوازن المطلوب في مواجهة السلطة الحاكمة.
وشدّد المحامي والباحث اللبناني على أنّ "استقلالية القضاء لفهم الشبكة تشمل، إلى جانب استقلالية القضاة، ضمان مبادئ المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع واستقلالية المحاماة في ممارسة هذه الحقوق، مشيراً إلى أنّ "الشبكة لا تهدف فقط إلى إنتاج المعرفة القضائية أو نشرها أو تبادلها، إنّما أيضاً مواكبة إصلاحات مؤسساتية في مجالَي القضاء والمحاماة واقتراحها وإبداء الرأي بشأنها"، كذلك "تأمل أن تكون مصدر معرفة بقدر ما تأمل تأدية دور فاعل في تطوير القوانين والمؤسسات".
ومن أهمّ ما تأمل "الشبكة العربية لاستقلال القضاء" إنجازه تأليف لجنة إقليمية تستفيد من تجارب المنطقة ومعارفها والمبادئ الكونية لاستقلال القضاء، وتؤدّي دور المشورة في أيّ ورشة إصلاحية؛ سواء أكانت بمبادرة اجتماعية أم رسمية. وتطمح الشبكة إلى التوسّع لتضمّ مزيداً من المؤسسات العاملة في دول المنطقة، من بينها تلك التي ما زالت غير ممثلة فيها والتي تواجه تحديات مماثلة.
في السياق نفسه، تقول المحامية غيدة فرنجية من "المفكرة القانونية" لـ"العربي الجديد" إنّ "الشبكة تضمّ منظمات غير حكومية تسعى إلى النقاش حول استقلالية القضاء والقضايا المجتمعية وتكوين مجموعة خبراء لتبادل الرؤى والمعرفة حول إشكاليات استقلالية القضاء والتجارب وإبداء الآراء بشأنها لتأدية دور في تطوير القوانين". وترى فرنجية أنّ "تجمّعات المجتمع المدني عموماً، والتحالفات التي تضمّ شبكات في المجتمع المدني خصوصاً، قادرة على مواكبة أيّ مسار إصلاحي أو في إطار المحاسبة والدفع في اتجاهه"، ولا سيّما في "الحالات التي تتقاعس فيها الدول عن تأدية دورها".
وحول قدرة المنظمات بصورة عامة على أداء دورها، خصوصاً في ظلّ عدم التقيّد الفاضح بالقوانين الدولية مثل ما يحصل في قطاع غزة من مجازر تبقى بلا محاسبة، توضح فرنجية أنّ "الشبكة العربية لاستقلال القضاء ترى أنّ الإبادة التي تحصل في قطاع غزة وتبقى من دون محاسبة تقوّض وتهدّد مفاهيم العدالة والقضاء، خصوصاً أنّ المحكمة الجنائية الدولية التي تتّخذ خطوات لمحاسبة قادة إسرائيل هي بدورها تتعرّض لانتهاكات كبيرة لاستقلاليتها عبر العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة عليها". وتتابع: "من هنا، تطمح الشبكة على صعيد المنطقة لأن تشكّل خطاباً حقوقياً قادراً على المساهمة في الدفاع عن استقلالية القضاء على مستوى كلّ دولة على حدة، وكذلك على المستوى الدولي".

Related News

