تسببت حرائق اللاذقية في شمال غرب سورية، المندلعة منذ أسبوع، في تدمير قرى بكاملها ونزوح عشرات العائلات، وخلّفت خسائر زراعية وحرجية كبيرة شملت مساحة تجاوزت 15 ألف هكتار، وذلك في أسوأ كارثة حرائق تشهدها سورية منذ سنوات طويلة. ومنذ الثاني من يوليو/ تموز الجاري، أثرّت حرائق الغابات بشدة على نحو 60 تجمعاً سكانياً في ريف اللاذقية الشمالي.
وأعلن الدفاع المدني أن أكثر من 15 ألف هكتار من الأراضي الزراعية احترقت، ما أضر بأكثر من خمسة آلاف شخص. وأعلن هروب آلاف من مناطق عالية الخطورة، ما زاد الحاجة إلى توفير المأوى والمياه النظيفة والخدمات الأساسية في وقت يبحث الناس عن الأمان. كما أدت الحرائق إلى نفوق مئات من رؤوس الماشية وتدمير ملاجئ الحيوانات.
وتركزت حركة النزوح خلال الأيام الأخيرة من قرى البسيط وقسطل معاف وبيت عيوش والمزرعة والصبورة بريف اللاذقية، كما شهدت بلدة ربيعة ومحيطها حركة نزوح مماثلة خوفاً من توسّع النيران. قبل أقل من شهرين، عاد أحمد قره علي (47 سنة) مع عائلته من اليمضية قرب الحدود السورية - التركية إلى قريته القنطرة في جبل التركمان، وأعاد تأهيل منزله المدمر من قصف قوات النظام السوري السابق، ثم ألحقت الحرائق الأخيرة أضراراً كبيرة بمنزله، ما اضطره إلى العودة إلى الخيمة مجدداً.
وتشبه حال أحمد الكثير من العائلات التي عادت أخيراً من النزوح إلى قراها، وبدأت في إصلاح منازلها وقراها قبل أن تتسبب الحرائق في نزوح جديد لها. وقد نزحت زينب عيوش (37 سنة) مع اثنين من أولادها من بلدة ربيعة قبل يومين إلى منزل أحد أقربائها في مدينة اللاذقية في ظل ظروف صعبة، وقالت لـ"العربي الجديد": "كنت أتابع أخبار الحرائق التي كانت بعيدة عنا في اليومين الأولين فبقي الأهالي في القرية، ثم فوجئنا ليلاً بأصوات ضجيج عالية وفرق الدفاع طالبتنا بإخلاء منازلنا بعد اقتراب النيران منها، فخرجت مع ولديّ بثيابنا فقط وانتظرنا في العراء ساعات طويلة، وكان لدي أمل في أن أعود إلى منزلي، لكنني شاهدت احتراقه أمام عيني". وتضيف زينب، وهي أرملة تربي ولديها بعد مقتل زوجها في الحرب: "هذا المنزل كل ما لدينا، وفي جانبه أرض زراعية كان زوجي يعتني بها ويعتمد على محصولها، والآن خسرت كل شيء".
من جهته، تحدث إبراهيم حاج علي، وهو من أهالي قرية الدرة بجبل التركمان، عن الخسائر الكبيرة التي تكبدها مزارعو المنطقة نتيجة الحرائق، وقال لـ"العربي الجديد": "هذه الأراضي الواسعة زرعت منذ عشرات السنين بمختلف أنواع الأشجار المثمرة من التفاح والدراق واللوز والبندق، وهي من أكثر المناطق خصوبة في سورية. وبعد زوال نظام الأسد، عادت مئات العائلات النازحة إلى قراها للعمل في أراضيها وتنظيفها من الإهمال الذي لحق بها، لكن الحرائق الأخيرة التي لم نشهد مثلها في حياتنا أكلت الأخضر واليابس، وتركت الأهالي في مكان أشبه بصحراء بعد أن كان جنة".
ومع استمرار الحرائق لليوم السابع وحالات النزوح، ظهرت الكثير من المبادرات الإنسانية والفعّاليات الاجتماعية لمساعدة النازحين والعاملين في فرق الدفاع المدني. وتوّلت فرق تطوعية توزيع الماء والطعام على النازحين، وأخرى لنقل المتضررين إلى مخيمات قريبة أو مساجد وأماكن عامة، وقال وضاح خضرة، من مدينة جبلة، الذي تطوّع في مساعدة النازحين، لـ"العربي الجديد": "الوضع على الأرض أصعب مما يعتقد كثير من الناس. تشردت عائلات وخسرت كل ما تملكه، ولا يمكن أن يتصدى الدفاع المدني وحده لكل آثار الكارثة، ومن الضروري إطلاق حملة وطنية على صعيد سورية لتجاوز آثار ما حصل".
وأعلنت الأمم المتحدة، أمس الأربعاء، مواصلة عملياتها الإنسانية في سورية، بالتعاون مع شركائها، لدعم الاستجابة التي تقودها السلطات السورية لمواجهة حرائق الغابات التي لا تزال تنتشر في المناطق الساحلية. ونشرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" وشركاؤها فرقاً متنقلة لدعم الرعاية الصحية والتغذية للأطفال دون سن الخامسة. كما قدمت بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان الدعم النفسي والاجتماعي، ووزعت حقائب الكرامة للنساء والفتيات والأطفال، وأيضاً مصابيح تعمل بالطاقة الشمسية وأوعية مياه ودلاء.