"التآمر" كما يفهمه سعيّد... حلقة من الحرب على المعارضين في تونس
Arab
3 days ago
share

اعتُبرت الأحكام الابتدائية الصادرة في تونس، أول من أمس الثلاثاء، عن الدائرة الجنائية الخامسة المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب، والقاضية بالسجن بين 12 و35 عاماً بحق معارضين، بينهم رئيس البرلمان السابق ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة 2"، مواصلة للتنكيل السياسي وتصفية المعارضين في تونس عبر القضاء.

تشمل هذه القضية 21 معارضاً تونسياً من وزراء وأمنيين سابقين وصحافيين، يواجهون تهم "تكوين وفاق إرهابي، والتآمر على أمن الدولة الداخلي، وتمويل الإرهاب، وغسل الأموال، ومحاولة قلب نظام الحكم، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي للتحريض على العنف". ففي 15 مايو/ أيار 2024، أحالت دائرة الاتهام القضية على المحكمة وبدأت الجلسات في 2 مايو 2025، لتؤجل عدة مرّات وصولاً إلى 1 يوليو/ تموز الحالي، لتحدّد المحكمة حينها يوم 8 يوليو، أي أول من أمس، تاريخاً لإصدار الأحكام. ولئن راوحت الأحكام بخصوص الموقوفين بين 12 و14 عاماً سجناً، إذ حكم على الغنوشي بالسجن 14 عاماً، فيما حكم بالسجن 12 عاماً على كل من رئيس المخابرات الأسبق محرز الزواري، ورئيس فرقة حماية الطائرات الأسبق بمطار تونس قرطاج الدولي عبد الكريم العبيدي، والقيادي في حركة النهضة الحبيب اللوز، ورئيس بلدية الزهراء بولاية بن عروس ريان الحمزاوي، فإن الأحكام الصادرة بحق المتهمين بحالة فرار وصلت إلى السجن 35 عاماً. وقد شملت رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، ومديرة الديوان الرئاسي سابقاً نادية عكاشة، ونجل الغنوشي معاذ، ووزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، والناشط السياسي لطفي زيتون، والقيادي في حركة النهضة مصطفى خذر، والمدير العام للأمن الوطني سابقاً كمال القيزاني، والنائب السابق والناشط الإعلامي ماهر زيد.

استهداف المعارضين في تونس

ولا تعتبر هذه الأحكام الأولى ضد المعارضين في تونس بعد مسار 25 يوليو (2021)، حين حلّ الرئيس قيس سعيّد البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، تبعه تغيير دستور 2014، إذ سبق أن أصدرت الدائرة الجنائية الخامسة المختصة بالنظر في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس، في إبريل/ نيسان الماضي، أحكاماً بالسجن بحق المتهمين في ما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة 1"، وراوحت بين 4 إلى 66 عاماً. شملت تلك القضية، 40 معارضاً، وهي قضية تعود إلى فبراير/ شباط 2023 عندما أوقف عدد من المعارضين في تونس من السياسيين والمحامين وناشطي المجتمع المدني ورجال الأعمال، ووُجهت إليهم تهمٌ تشمل "محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة"، و"التخابر مع جهات أجنبية"، و"التحريض على الفوضى أو العصيان".

ومن بين من شملتهم تلك الأحكام حينها رجل الأعمال كمال اللطيف (موقوف) الذي حوكم بالسجن 66 عاماً، والناشط السياسي خيام التركي (موقوف) بالسجن 48 عاماً، ونائب رئيس حركة النهضة نور الدين البحيري (موقوف) 43 عاماً، وبالسجن 18 عاماً لكل من الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي (موقوف)، والقيادي في جبهة الخلاص الوطني جوهر بن مبارك (موقوف)، والأمين العام السابق للتيار الديمقراطي غازي الشواشي (موقوف)، والسياسي رضا بالحاج (موقوف)، ورئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي (سراح)، والقيادية في جبهة الخلاص شيماء عيسى (سراح). كذلك حكم على القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي (موقوف) بالسجن 13 عاماً. كما حكم بالسجن ثماني سنوات لكل من السياسي محمد الأزهر العكرمي (سراح)، والمحامي والحقوقي العياشي الهمامي (سراح)، أما الوزير السابق الحامدي (سراح) فحكم بالسجن 13 عاماً.

وفي فبراير/ شباط الماضي، أصدرت الدائرة نفسها أحكاماً مشددة بحق عدد من المعارضين في تونس ضمن ما يعرف بقضية "استالينغو"، شملت أيضاً راشد الغنوشي، والذي حُكم بالسجن 22 عاماً، ورئيس الوزراء السابق هشام المشيشي 35 عاماً، وحُكم على الصحافية شذى الحاج مبارك بالسجن 5 سنوات. تعود هذه القضية إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حين أوقفت السلطات موظفين في شركة "أنستالينغو" الإعلامية وحققت مع صحافيين ومدوّنين وأصحاب أعمال حرة وسياسيين بتهم بينها "ارتكاب أمر موحش (جسيم) ضد رئيس الدولة (قيس سعيد)، والتآمر ضد أمن الدولة الداخلي والتجسس". و

توظيف سياسي

وصفت حركة النهضة، في بيان أمس، استهداف المعارضين في تونس عبر الأحكام الصادرة في قضية "التآمر على أمن الدولة 2"، بأنها "تطور خطير جديد ضمن مسار تصفية المعارضين السياسيين"، مضيفة أن "هذه القضية، كسابقاتها، تنبني على تلفيق وتوظيف سياسي فجّ، حيث تفتقر لأي إثبات مادي أو علاقة منطقية بين المتهمين". وأشارت إلى أن "الواشي (السرّي الذي بنيت عليه قضية التآمر 2) تراجع عن أغلب أقواله"، مشددة على أن هذه المحاكمات السياسية ضد المعارضين في تونس "التي تُدار بمنطق الانتقام لا العدالة، تمثل غطاءً للتغطية على فشل السلطة في إدارة الشأن العام، وتُعمّق الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتدفع البلاد نحو المجهول".  وأدانت حركة النهضة "خرق أبسط معايير المحاكمة العادلة، ومنها المحاكمة عن بعد، وحرمان الموقوفين من حقهم في الدفاع والحضور العلني"، كما جددت المطالبة "بإجراء محاكمات علنية يحضرها المواطنون ووسائل الإعلام لتُعرض عليهم الوثائق الحقيقية والتهم الملفّقة بما يحقق العدالة ويكشف حجم التهم الكيدية".

وفي رأي عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، بلقاسم حسن، هذه الأحكام "تتراوح في الحقيقة بين المؤبد والإعدام السياسي، إذ تصل مجموع الأحكام الصادرة ضد الغنوشي مثلاً إلى نحو 40 عاماً". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الاتهامات تجعل الغنوشي وكأنه مجرم وفي الحقيقة هذا لا يليق برمز سياسي، وقائد مفكر، ومدافع عن الحريات". كذلك أكد القيادي في حركة النهضة، محسن السوداني، لـ"العربي الجديد"، أن "من فرط عبثية المشهد وضعف الأداء، فإن الكلمات قد لا تعبر عن قمة العبث السياسي السائدة"، موضحاً أن "تهمة بحجم التآمر على أمن الدولة من المفروض أن تتوفر فيها عدة أركان وتخطيط وبرامج واضحة، وتقدم الدولة تلفزياً أو عبر خطاب واضح أركان وملابسات القضية، وأن يتمكن المتهمون من الدفاع عن أنفسهم ويرافع المحامون، ولكن كل هذا غير موجود".

محسن السوداني: الحد الأدنى من العدالة غير متوفر

يعني ذلك وفق السوداني، أن "الحد الأدنى من العدالة، ولو البسيطة منها، غير متوفر"، مبيناً أن "المحاكمات سياسية تستهدف رموزاً سياسية هامة، وهو ما يفسر رفض أغلب المتهمين الحضور في جلسات المحاكمة لغياب شروط المحاكمة العادلة". وفي رأيه "لا أحد يعرف هذه القضايا، إذ نسمع عن تآمر، ولكن لا قرائن ولا خطط ولا برامج"، مشيراً إلى أنه "عبر التاريخ، وفي عهد الراحل الحبيب بورقيبة (أول رئيس للجمهورية التونسية)، عرفت تونس قضايا تآمر على أمن الدولة، ولكن كانت هناك أركان للجريمة ومحاولة للانقلاب، ولكن للأسف كل هذا غائب اليوم".

ووصف مشهد استهداف المعارضين في تونس بأنه "عبثي وسريالي إلى درجة الحديث عن تآمر 1 و2 وكأنه مسلسل لا ينتهي، وهذا غير مقبول، لأنه من المفروض وجود حد أدنى من الذكاء السياسي والاحترام حتى في الخصومات السياسية". ومن المفارقات، بحسب السوداني، أنه "لا توجد أي علاقة أو رابط بين أغلب الشخصيات المتهمة التي لا تلتقي فكرياً ولا أيديولوجياً، فهناك مثلاً (بين المتهمين) مديرة الديوان الرئاسي لقيس سعيد، نادية عكاشة، التي هي جزء من الانقلاب، فهل هناك انقلاب على الانقلاب؟". وحول الحكم الصادر بحقّ الغنوشي، رد السوداني أن "الغنوشي، ومهما كان الاختلاف معه، يُعد من الشخصيات البارزة، وله قيمة رمزية لم يحصل عليها أي سياسي تونسي عبر التاريخ، ولكن هذه الأحكام وسجنه يهدف إلى طمس رمزيته ومحاولة اغتياله سياسياً، والتنكيل به". وشدد على أن "صاحب الفكرة لا يُقتل بالقضاء بل بالأفكار، وبالتالي الأحكام ضده جائرة"، مشيراً إلى أنه "قد تكون له أخطاء كأي فاعل سياسي، ولكن يظل اسمه بارزاً".

كذلك وصف رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، أحمد نجيب الشابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، الأحكام الصادرة ضد المعارضين في تونس المشمولين في "قضية التآمر 2" بـ"العبثية"، مؤكّداً أنها "جزء من المشهد العبثي السائد في البلاد منذ نحو أربع سنوات، أي منذ انقلاب 25 يوليو". وأوضح أن المعارضين في التونس "الذين صدرت بحقهم أحكام ثقيلة في هذه القضية، والتي تراوح بين 12 و35 عاماً، تضاف إلى أحكام سابقة"، مشيراً إلى أن "الغنوشي مثلاً، والذي حُكم بـ14 عاماً، سبق أن حكم بـ22 عاماً، ولا تزال هناك قضية جارية ضده، وهي ليست بالمؤامرة وإنما تتعلق بالمسامرة الرمضانية لجبهة الخلاص، إذ تم تأويل كلمة له لغير معناها وسُجن بمقتضاها لأكثر من سنتين، في انعكاس لما نعيشه من مشهد عبثي". وقال الشابي إن "محاكمة الغنوشي ليست إلا واحدة من عديد المحاكمات السياسية لشخصيات تصدرت المشهد منذ الثورة (2010)، واليوم تجد نفسها وراء القضبان، ملاحقة بتهم باطلة لا سند واقعي لها".

أحمد نجيب الشابي: ما يحصل نتيجة تصور مؤامرات تحيط بالحاكم

كل ما يحصل، وفق الشابي، لا علاقة له بالجانب القضائي "بل هو نتاج قرار سياسي مبني على العجز في معالجة شؤون البلاد وتصور لمؤامرات تحيط بالحاكم من كل جانب". وفي رأيه هي "في الحقيقة تعبّر عن الذعر الذي يتملك السلطة، لأن أي مراقب للوضع من الداخل أو الخارج يدرك جيداً أن الأمن مستتب في تونس، ولا وجود لأي شكل من أشكال العنف". وقال إن "هذا الرعب المتملك بالسلطة يجعل كل تعبير عن الرأي أو الرأي المخالف يُعد جريمة، وأحياناً جريمة إرهابية ومؤامرة يتكبّد صاحبها أحكاماً ثقيلة". ولفت الشابي إلى أنه شخصياً صدر في حقه حكمٌ بـ18 عاماً سجناً في "قضية التآمر 1"، وهو في انتظار قرار دائرة الاستئناف التي من المنتظر أن تقرر الحكم الابتدائي الصادر "لأن لا شيء يشير إلى أن الحكم يتجه نحو المراجعة، إذ سيستمر المسلسل العبثي إلى أن تنتهي أسبابه".

ورأى القيادي في جبهة الخلاص الوطني، رياض الشعيبي، أنه "رغم أن تهمة التآمر على أمن الدولة تُعتبر من أخطر وأكبر التهم في القانون التونسي، إلا أنه تم إعطاؤها صبغة سياسية"، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "كل من يعبر عن رأي مخالف للسلطة يتم اتهامه بالتآمر، وتُلفق له تهم وتُحاكمه السلطة، مثلما يحصل في عدة قضايا". وقال إن "السلطة لا تزال تمارس السياسات نفسها لتصفية الخصوم السياسيين والتضييق عليهم، وللأسف هذا الأمر يرسل عدة رسائل سلبية ولن يقود إلى حلول أو الخروج بالبلاد من أزمتها". وقال الشعيبي إن "قضية التآمر 2 ذات خلفية سياسية ولا تستند إلى جرائم مادية، ولا تخلو من عدة تجاوزات إجرائية وقانونية، وبالتالي الأحكام سياسية بعيدة كل البعد عن تنفيذ القانون والعدالة".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows