
تشهد العلاقات الاقتصادية بين سورية وتركيا حراكًا لافتًا في الآونة الأخيرة، مع ازدياد وتيرة اللقاءات والزيارات المتبادلة بين المسؤولين والوفود الاقتصادية من الجانبين، في محاولة لاستعادة الزخم الذي بلغ ذروته عام 2007، حين بدأ البلدان إلغاء الرسوم الجمركية ضمن اتفاقية التجارة الحرة، وارتفع حجم التبادل التجاري حينها إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار، قبل أن يتراجع بشكل كبير مع اندلاع الثورة السورية وتجميد العلاقات مع نظام الأسد. وتتوسع حالياً مجالات التعاون الاقتصادي بين الطرفين، سواء على مستوى الحكومات أو قطاع الأعمال، لتشمل النقل البري والبحري والجوي، إلى جانب نقل الخبرات التركية في مجالات الصناعة، البنية التحتية، وتجهيز المرافق الخدمية.
في هذا السياق، بحث وزير الاقتصاد والصناعة السوري، محمد نضال الشعار، مع السفير التركي في دمشق، بورهان كور أوغلو، اليوم، سبل تعزيز التعاون الاقتصادي، مع التأكيد على إعادة تفعيل المجلس الاقتصادي السوري - التركي المشترك. وبحسب بيان صادر عن وزارة الاقتصاد السورية، تناول اللقاء آليات دعم التبادل التجاري وتوسيع التعاون الصناعي، إضافة إلى مناقشة تشكيل مجلس مشترك لرجال الأعمال لتسهيل التواصل بين القطاع الخاص في البلدين، وتوفير بيئة استثمارية جاذبة لإطلاق مشاريع مشتركة، وتسهيل حركة رجال الأعمال وتبادل السلع والخدمات. وأكد الطرفان الدور المحوري للقطاع الخاص في إعادة إعمار سورية وتحفيز النمو الاقتصادي، مشددين على أهمية تفعيل التنسيق من خلال المجالس الاقتصادية المشتركة، بما يخدم المصالح المتبادلة ويعزز الاستقرار في المنطقة.
تعاون بحري وخطط لتشغيل الموانئ بين سورية وتركيا
وفي تطور آخر، أعلنت المديرية العامة للملاحة البحرية التركية، التابعة لوزارة النقل والبنية التحتية، عن بدء تعاون رسمي مع هيئة الملاحة البحرية السورية، يهدف إلى تعزيز الشراكة في مجالات الموانئ والنقل البحري. ووفق بيان صادر عن المديرية عبر منصاتها الرسمية اليوم، فقد تم الاتفاق، خلال اجتماع افتراضي مشترك، على خطوات عملية لإعادة تأهيل وتشغيل الموانئ السورية، وتفعيل خطوط النقل البحري من نوع "رورو" (Ro-Ro)، أو نقل الشاحنات البرية على متن السفن بحرًا، بين الموانئ التركية والسورية.
كما شمل الاتفاق إدخال أنظمة رقمية متقدمة لتحسين جودة الخدمات وتسهيل الإجراءات التشغيلية في الموانئ السورية. ومن المقرر عقد اجتماع تقني حضوري خلال الشهر الجاري في مدينتي مرسين وإسكندرون التركيتين، لمتابعة المباحثات الفنية وتفصيل الاتفاقات التي تم التوصل إليها.
آراء الخبراء في العلاقات السورية التركية اقتصادياً
وعلى ضوء هذه التطورات، يرى محروس الخطيب، المدير السابق للنقل في محافظة إدلب، أن تركيا تملك خبرة متقدمة في قطاع النقل، ومن المفيد لسورية الاستفادة منها لتحقيق المنفعة المشتركة. لكنه أشار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى وجود حالة من الغموض في الاتفاقات الجارية، خاصة في ظل وجود اتفاقيات سابقة، منها مذكرة تفاهم مع شركة موانئ دبي لاستثمار مرفأ طرطوس بقيمة 800 مليون دولار، وأخرى مع شركة CMA-CGM الفرنسية لتشغيل محطة الحاويات في طرطوس لمدة 30 عامًا. وحول خطوط "رورو"، أوضح الخطيب أنها تتعلق بنقل المركبات والحمولات عبر السفن، إلا أنه اعتبر هذا الخيار غير مجدٍ في الحالة السورية–التركية، نظراً لفاعلية النقل البري من حيث التكلفة والسرعة، بسبب قرب الحدود البرية.
وعلى الجانب التركي، يرى المحلل إسلام أوزكان أن تركيا "تمد يدها لسورية في جميع القطاعات"، مشددًا على أن دمشق أمامها فرص حقيقية للاستفادة من هذا الانفتاح. ورفض أوزكان الاتهامات بأن الصادرات التركية تضر بالصناعة السورية، معتبراً أن المنافسة ستسهم في تقوية الصناعات المحلية، خاصة أن سورية تمتلك مزايا كبيرة، مثل وفرة المواد الأولية، ورخص اليد العاملة، والدعم الدولي المتوقع. وتوقع أوزكان أن يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين حاجز 5 مليارات دولار خلال العام الجاري، وأن يشهد ارتفاعًا تدريجيًا في السنوات المقبلة مع انطلاق مشاريع إعادة الإعمار وتزايد الحاجة السورية للمواد المختلفة.
هذا وبلغ حجم التبادل التجاري بين سورية وتركيا عام 2010 حوالي 2.5 مليار دولار، منها 1.84 مليار دولار صادرات تركية، و660 مليون دولار واردات سورية، وفق ما أعلن وزير التجارة التركي عمر بولاط. ومع تدهور العلاقات خلال سنوات الحرب، انخفضت هذه الأرقام إلى حدودها الدنيا في مناطق سيطرة النظام، في حين استمر النشاط التجاري مع المناطق المحررة، وبلغ التبادل التجاري عام 2024 حوالي 2.538 مليار دولار، منها 2.2 مليار دولار صادرات تركية، و438 مليون دولار واردات. وكانت اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين عام 2007 قد علّقت مع اندلاع الثورة عام 2011، إلا أن مراقبين يتوقعون استعادة العمل بها وربما تطويرها، بما يخدم مصالح الجانبين في المرحلة المقبلة، خاصة مع الانفتاح الإقليمي المتسارع على الملف السوري.

Related News

