انقسام حول دور ورش الكتابة في المسلسلات المصرية الرمضانية
Arab
1 week ago
share

يدخل سباق المسلسلات المصرية في شهر رمضان الحالي ثمانية أعمال لا تقوم على مؤلف وكاتب سيناريو واحد، بل تولى تأليف السيناريو الخاص بها مجموعة من المؤلفين، في ما بات يعرف بورشات الكتابة.

من أبرز هذه الأعمال المعروضة في رمضان: الجزء الخامس من مسلسل "المداح" الذي تولى كتابته أمين جمال وشريف يسري ووليد أبو المجد، ومسلسل "الغاوي" لطارق كاشف ومحمود زهران، والموسم الثالث من "كامل العدد" الذي كتبته رنا أبو الريش ويسر طاهر.

جدّدت فكرة الكتابة الجماعية أو المشتركة عدداً من الأسئلة عن جدواها، ومزاياها، ومآخذ النقاد والمتخصصين عليها. عادت فكرة الكتابة الجماعية للظهور في عام 2008، مع مسلسلات السيتكوم الكوميدية، وتطور الأمر حتى أصبح هناك ممثلون يكوّنون ورش كتابة خاصة بهم وتحرض على إرضائهم، وربما على حساب باقي فريق العمل، في نفس الوقت هناك ورش أنتجت أعمالاً قوية وناجحة مثل "لعبة نيوتن" و"تحت الوصاية".

وفي حديث مع "العربي الجديد"، قالت الكاتبة مريم نعوم، ومؤسسة ورشة "سرد" التي تعد من أبرز الورش حالياً، إن ورش الكتابة بدأت مع أعمال السيتكوم، وبعدها انتقلت للدراما الاجتماعية، مشيرةً إلى أن الكتابة الجماعية "موجودة منذ زمن أعمال الأبيض والأسود"، موضحةً: "القصة لأحد الكتاب، ويتولى كتابة السيناريو كاتب أخر، ويسند الحوار لكاتب ثالث، الفرق فقط أن مصطلح الورشة لم يكن مستخدماً".

وأضافت أن الفكرة ظهرت بعد مشاركتها كتابة السيناريو مع كتاب آخرين في تجارب عدة، مثل مسلسل "أبو عمر المصري" الذي كتبته مع محمد المصري، و"سجن النساء" مع هالة الزغندى، و"واحة الغروب" مع أحمد بدوي. تابعت: "وجدت أنه من الأنسب إنشاء كيان يضم الجميع، وكانت البداية مع مسلسل سقوط حر، حيث كان وائل حمدي رئيس فريق الكتابة، ومن بعدها توالت الأعمال.

كيف تعمل ورشة الكتابة؟

أوضحت نعوم أنها لا تشترط أن تكون هي رئيسة الورشة، بل من الممكن أن يتولى المهمة زملاء آخرون. أكملت: "مع النجاح المتتالي أصبحت الورشة كيانا قائما ثابتا ومعروفا، وتقوم بتمرير خبراتها للكتاب الشباب الملتحقين بالورشة، وبدورهم يشاركون خبراتهم لمن هم أصغر لتستمر الورشة في تقديم أجيال من المبدعين".

وعن كيفية اختيار الكتاب للانضمام إلى الورشة، أجابت بأنها تعتمد في الاختيار على أكثر من مصدر، الجيل الأول اعتمد على كتاب لهم أعمال بالفعل، ثم المواهب التي قامت بتدريسها في ورش مختلفة، إضافة إلى مشاريع المشاركين في مسابقة الأفلام القصيرة، لديهم كذلك نظام جديد لإتاحة الفرصة لعدد أكبر؛ وهو تشجيع أصحاب المواهب لإرسال أعمالهم للورشة وتقوم الورشة بالتقييم من خلال لجنة والاختيار بناء عليها.

المأخذ الرئيسي على الورش في كتابة المسلسلات المصرية من رافضيها هو غياب التناغم، وهنا أجابت نعوم بأنه قبل أي خطوات يتم الاتفاق على الرؤية، وصاحب الرؤية المختلفة ينسحب، وبالتالي المشاركون في المشروع أصحاب هدف واحد، ثم يأتي دور رئيس فريق الكتابة ليتأكد من وحدة الرؤية، ويتأكد من أن الشخصيات كلها داخل نفس السياق، المتسق مع وجهة النظر المطروحة.

تنظر مريم نعوم بإيجابية إلى العمل الجماعي في المسلسلات على عكس الأفلام. بالنسبة إليها، "في المسلسلات وجود أكثر من وجهة نظر ميزة تخلق نوعاً من التحدي في النقاش للخروج بأفضل الأفكار، ثانياً صناعة الدراما صناعة جماعية، والسيناريو أول خطوة"، مضيفةً: "المشاكل تنشأ إذا كان أحد أفراد الورشة غير معتاد على العمل الجماعي ولا يقدره، ويتشبث برأيه". ترى نعوم أن ما يميز ورشة عن الأخرى هو طريقة إدارة الورشة، فإذا كان العمل الدرامي ضعيفاً فالسبب الرئيسي هو الإدارة وليس فكرة الورشة نفسها.

مؤلفون يؤيدون الكتابة الجماعية في المسلسلات المصرية

بدوره، اتفق كاتب السيناريو، هشام جلال، مع نعوم، ورأى أن "مشرف الورشة هو المسؤول عن متابعة التفاصيل حتى لا تظهر فروق في جودة الحلقات"، مشيراً إلى أنه يفشل "إذا ما كان غير مدرك لدوره في الحفاظ على الخط الرئيسي للأحداث، وعدم إدراك الفرق كذلك بين الشخصيات الرئيسية والفرعية". أضاف جلال أن "زمن الفيلم السيمائي هو ساعة ونصف، أما العمل التليفزيوني فيمتد لأكثر من 20 ساعة، لهذا وجود أكثر من كاتب هو مصدر للأفكار التي تفيد العمل".

وهو أمر يؤيده الكاتب محمد إسماعيل، الذي كانت انطلاقته في عالم السيناريو التلفزيوني من خلال ورش الكتابة. أشار إسماعيل في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "مزايا الورشة عديدة خاصة في الأعمال الكوميدية، حيث ردود الأفعال داخل فريق الكتابة على الإفيه تساهم بشكل كبير في تطوير الجملة الكوميدية"، مؤكداً أن "المشكلات قد تنشأ أحياناً بسبب جهل البعض بكيفية إدارة الورشة، وعدم وجود كيمياء بين أعضائها، إضافةً إلى رغبة بعض المنتجين في إنهاء كتابة العمل في زمن قصير نسبياً".

موقف رافض لورش الكتابة

من جهته، عبّر الناقد والسيناريست جمال عبد القادر عن وجهة نظر معارضة لهذا التوجه، ورأى أن "الورش ضد المهنية وضد الكتابة نفسها"، موضحاً: "الكتابة وجهة نظر، الكاتب إذا ما قرر أن يتناول في عمل درامي سواء سينما، تلفزيون أو مسرح، يجب أن يكون لديه وجهة نظر حاضرة وبصمة خاصة حاضرة، يجب على الكاتب أثناء تناوله للقضية أن يكون حاضراً بمفرداته في الحوار، في الألفاظ، في المعلومات التي يقدمها".

تابع: "في ورش الكتابة اختفت تلك الخاصية، الكتابة تحولت إلى آلة في مصنع لديه طلبيات على الكاتب إنجازها وتنفيذها وتسليمها في أسرع وقت للحاق بالموسم الرمضاني، لهذا ورغبة في سرعة الإنجاز يقوم المنتج بزيادة عدد العمالة لتوفي المطلوب في الوقت المناسب".

وضرب عبد القادر المثال بمسلسل عرض في رمضان الماضي، وهو "بدون سابق إنذار" عن طفل يحتاج لبزل نخاع، وعند البحث عن متبرعين يكتشف والدا الطفل أنه ليس ابنهم، بل تم تبديله بآخر وقت ولادته. قال: "نظراً لأن العمل تناوب عليه أكثر من كاتب لكل كاتب منهم حلقة، فقد ظهر جلياً عدم الترابط وأن كل كاتب كان يعيش في جزيرة منعزلة، بينما في أعمال القمتين أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد، أو محسن زايد، ترى أن لكل مبدع منهم قضيته ومشروعه، وهمه الخاص، الذي حرص على التعبير عنه في أعماله، والرسالة التي أراد إيصالها، وهو ما تفتقده الأعمال الحالية".

وأضاف الكاتب: "كنا نستطيع أن نعرف من هو كاتب المسلسل من دون النظر إلى تتر العمل، أما مع الورش فقد اختفت البصمة والمفردات الخاصة، لم نعد نعرف لمن ينتمي هذا العمل، القضية أصبحت تجارية بحتة، أكل عيش"، معتبراً أنه "في السنوات الأخيرة تنسى الأعمال بمجرد عرضها، ولا تبقى في الذاكرة عكس السابق".

وعند سؤاله عن رأيه بحقبة الكتابة الجماعية للأفلام السينمائية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، قال جمال عبد القادر إن فكرة الكتابة الجماعية كانت أكثر تنظيماً من الوقت الحالي، مضيفاً: "في السابق كان هناك تواصل مباشر وعمل جماعي تحت فكرة واحدة، وقضية واحدة. فيلم الأرض كمثال، كل كاتب اضطلع بمهمة معينة، القصة لها كاتبها، السيناريو له كاتبه، أما الآن فرغم أنه فريق واحد لكن كل منهم يكتب بشكل منفصل، كل كاتب تسند له مهمة كتابة حلقة من حلقات المسلسل، ويتم ذلك دون تواصل أو مراجعة للعمل ككل".

"سوفوكليس... لم يكن لديه ورشة"

وعبّر السيناريست أيمن سلامة عن رأي مشابه لزميله، معتبراً أن الإبداع نشاط إنساني فردي، وشرح: "لا يصح أن يشارك فنانون تشكيليون مع فنان آخر في رسم لوحته، كما لا يصح أن يشارك موسيقيون موسيقيا آخر في مقطوعته الموسيقية، الإبداع ينبع من الذات، فلا يستقيم أن يكون للابن عدة آباء".

وأضاف: "سوفوكليس الكاتب اليوناني العظيم، الذي قامت الدراما على إبداعه، لم يكن لديه ورشة، كما لم يشارك أحد شكسبير في كتابة هاملت، هو المسؤول عن كل هذه الشخصيات، مسؤول عن حوار كل شخصية، وكل تطور".

وفقاً لسلامة، ظهرت فكرة الورشة عندما "زاد الطلب على إنتاج أكبر عدد من المسلسلات، وأصبح هناك رغبة في سرعة التحضير والانتهاء من الكتابة"، ولفت إلى أنّ "أسامة أنور عكاشة، أو وحيد حامد، أو محفوظ عبد الرحمن، أو يسري الجندي، كل هؤلاء الكبار لم يكونوا أصحاب ورش ولم يشاركهم أحد في الكتابة".

أضاف: "الدراما لديهم لم تكن لمجرد التسلية، بل لكل منهم فكر ومعتقد يسعى به إلى أن يغير المجتمع للأفضل، لكل منهم إيديولوجيا مؤمن بها، هي من الثوابت لدى كل منهم، كل واحد منهم مسؤول عن كل حرف يكتبه وسيحاسب عليه يوم القيامة، لهذا لا يجب أن يتفرق دمه بين القبائل".

ورش الكتابة الجماعية في الدراما المصرية ظاهرة لها إيجابيات وسلبيات، فبينما تتيح فرصة لتعدد الأفكار ونقل الخبرات، فإنها قد تفقد العمل البصمة الفردية للكاتب. كما أن نجاح الورش يعتمد بشكل كبير على إدارتها، ومدى قدرتها على الحفاظ على الوحدة الفنية للعمل. 

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows