
تعود قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل فرنسا والمملكة المتحدة إلى واجهة النقاش السياسي، وذلك خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأولى لزعيم أوروبي إلى المملكة المتحدة منذ خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي. وحثّ ماكرون المملكة المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطين في خطابه أمام البرلمان البريطاني، الذي تطرّق خلاله على ضرورة التعاون في عدد من القضايا سياسيّة وأمنيّة منها الدعم الغربي لأوكرانيا وموضوع الهجرة والاعتماد على الذات دون اعتماد على الولايات المتحدة والصين.
وقال ماكرون، في خطابه يوم الثلاثاء أمام نظرائه البريطانيين وأعضاء البرلمان بشكل لافت: "اليوم، العمل معًا من أجل الاعتراف بدولة فلسطين وبدء هذا الزخم السياسي هو السبيل الوحيد للسلام". ورغم تصاعد الدعوات من أعضاء برلمانيين بريطانيين في الأشهر الأخيرة الحكومة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما زالت المملكة المتحدة العضو الدائم في مجلس الأمن لم تقرر بعد إذا كانت ستفعل ذلك في الوقت القريب.
ويجادل دعاة الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة بأن ذلك سوف يساعد في زيادة الضغط الدبلوماسي على إسرائيل، لكن وزير الخارجية ديفيد لامي حذر يوم الثلاثاء من أنه على الرغم من اعتراف بعض الدول الأوروبية بالفعل بدولة فلسطينية، إلا أن الوضع على الأرض قد تدهور قائلًا "على الرغم من حركة الاعتراف، فإن ما شهدناه في الواقع هو مزيد من الضم في الضفة الغربية. لم يُؤدِّ ذلك إلى تقريبنا من عملية السلام، بل أدى إلى مزيد من الضم". ورفض تحديد إطار زمني لاعتراف المملكة المتحدة بفلسطين.
وقال لامي، أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم قبل ساعات من خطاب الرئيس الفرنسي: "إلى جانب زملائي الفرنسيين والسعوديين، نناقش الاعتراف، لكن مؤشري وحدسي هو أنني أريد بالفعل أن تغير الأمور الوضع على الأرض". وأضاف ردًا على أسئلة النواب: "يجب أن نتوصل إلى وقف إطلاق النار". وعندما سُئل عما إذا كان سيتخذ إجراءات إضافية ضد إسرائيل إذا استمر الوضع في غزة، أجاب: "نعم، نعم، سنفعل".
وفي مايو/أيار، علّقت المملكة المتحدة مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل واتخذت تدابير عقابية أخرى، بما في ذلك فرض عقوبات على مستوطني الضفة الغربية المحتلة، رداً على سياسات إسرائيل في زمن الحرب على غزة وسط مطالبات شعبيّة بتحركات أوسع تشمل فرض حظر شامل لتصدير السلاح لإسرائيل، وهو ما ترفضه الحكومة.
وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي على إيران، أعلن ماكرون الشهر الماضي تأجيل مؤتمر فرنسي سعودي في نيويورك بشأن الدولة الفلسطينية. كان الهدف منه رسم خارطة طريق جديدة لإنشاء دولة فلسطينية، مع تقديم ضمانات أمنية جديدة لإسرائيل، ومسارٍ لمزيد من التطبيع بين دول عربية وإسرائيل. وصرح لامي بأن فرنسا ستعقد قمتها بشأن هذه القضية إما في وقت لاحق من يوليو/تموز أو في سبتمبر/أيلول، وذلك رهنًا بإمكانية التوصل إلى وقف إطلاق النار في الأيام المقبلة.
وهددت الحكومة الإسرائيلية مؤخرًا بريطانيا وفرنسا، باتخاذ خطوات في الضفة الغربية في حال اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية. وجاء التهديد في أواخر مايو/أيار عبر رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، الذي عُيّن في فبراير/شباط رئيسًا لفريق التفاوض الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة. وأفادت صحيفة هآرتس، نقلًا عن دبلوماسي لم تُكشف هويته، يوم الاثنين بأن ديرمر هدد بأن إسرائيل قد تُشرّع البؤر الاستيطانية غير المصرح بها في الضفة الغربية وضم أجزاء من المنطقة "ج".
وفي حال اعترفت فرنسا وبريطانيا بدولة فلسطينية، فستصبحان أول دولتين من مجموعة الدول السبع الكبرى تفعلان ذلك، مما قد يكون له انعكاسات سياسية كبيرة. وأثارت دعوة ماكرون إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية ترحيبًا عند عدد من نواب البرلمان البريطانيين، منهم من حزب العمّال. إذ كتب النائب العمالي أفضل خان في أعقاب خطاب ماكرون عبر حسابه في "إكس": استمعتُ إلى الرئيس ماكرون وهو يُخاطب البرلمان، مُرحّبًا بدعوته الواضحة للاعتراف بالدولة الفلسطينية. يجب على المملكة المتحدة أن تُبدي نفس الوضوح الأخلاقي. فالاعتراف خطوة أساسية نحو العدالة والسلام الدائم، وتأكيد التزامنا بحل الدولتين".
ونشر السفير الفلسطيني في المملكة المتحدة حسام زملط عبر حسابه في إكس مقطع من خطاب ماكرون أثناء دعوته للاعتراف معلقًا على ذلك: "عزيزي الرئيس ماكرون ورئيس الوزراء ستارمر: اعترفا بدولة فلسطين. افعلا ذلك باقتناع. افعلاه الآن".
Dear President Macron and PM Starmer: Recognise the state of Palestine. Do it with conviction. Do it now. pic.twitter.com/5S7xrQLJ8R
— Husam Zomlot (@hzomlot) July 8, 2025
ويزداد الضغط في حزب العمّال للاعتراف بالدولة الفلسطينية، فيما يبدي زعيمه كير ستارمر رفضًا بالاعتراف الأحادي حتى الآن، مؤكدًا أن الاعتراف يجب أن يكون في الوقت الذي يحدث فيه "أقصى تأثير" في تحقيق السلام، وليس مجرد لفتة رمزية، على حدّ تعبيره. وحتى في حزب المحافظين المعارض، انضمت أصوات في الأشهر الأخيرة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فيما يؤيد الحزب الثالث في البرلمان حزب الليبرالي الديمقراطي الاعتراف ويطالب الحكومة بالإقدام على ذلك فورًا. ويدعم حزب الخضر والحزب الوطني الاسكتلندي الاعتراف منذ فترة طويلة.
وفي حوار سابق لـ"العربي الجديد" مع المقرر الأممية فرانشيسكا ألبانيز، اعتبرت النقاش حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية تشتيتًا عن وقف الإبادة الجماعية في غزة، قائلة: " إذا كنت تريد إنقاذ الأرواح في غزة، فعليك التوقف عن التجارة مع إسرائيل. أنا لا أطلب الكثير، أنا لا أطلب تدخلاً عسكرياً كما فعلت فرنسا، على سبيل المثال، أو دول أخرى في الماضي. أنا أطلب وقف التجارة مع إسرائيل. الآن، نحن بحاجة إلى أن نكون متّسقين، يجب أن يكون هناك التزام بوقف الإبادة الجماعية، وحظر الأسلحة يعكس هذا الالتزام".

Related News

