الطفلة سارة البرش... العدوان على غزة سرق ذراعيها لكن حلمها كبُر
Arab
4 days ago
share

"سأصبح طبيبة أطراف صناعية لأعيد ما سُرق مني في الحرب"، بهذه الكلمات أرادت الطفلة الفلسطينية سارة البرش (10 سنوات) أن تتحدى واقعها الجديد الذي فرضته الحرب بعد أن فقدت ذراعيها إثر قصف إسرائيلي.

وتعيش الطفلة سارة قصة تختصر وجع جيلٍ بأكمله جراء تواصل العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والذي تسبب بإستشهاد نحو 17 ألف طفل، إضافة لآلاف ممن بترت أطرافهم أو أصيبوا بإعاقات مختلفة تسببت في تدمير أحلامهم وملامح مستقبلهم المجهول.

ولم تكن سارة تحمل سوى حلم بسيط بأن تصبح مهندسة تبني منازل جميلة، تُزينها بالألوان وتملأها بالفرح، لكن الحرب، كما اعتادت في غزة، كانت أسرع من الأحلام، فحولت حلمها إلى طبيبة أطراف صناعية، جراء معايشتها لواقع الأطفال ممن فقدوا أطرافهم بفعل القذائف والصورايخ الإسرائيلية الصماء.

 ولم تتمكن الأيام من محو تفاصيل الألم الذي بدأ يكبر مع الطفلة سارة منذ إصابتها المباشرة جراء قصف مباشر، فقدت والدها خلاله، إلا أنها قررت مواجهته بالأمل، فبدأت بالتدرب على الكتابة والرسم والأكل بواسطة أقدامها، في تحد لواقعها الصعب، وإصرار على المراصلة رغم قسوة الظروف.

تقول الطفلة سارة البرش لـ "العربي الجديد" إن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت منزلا مجاورا لإحدى مدارس النزوح شمالي قطاع غزة خلال سيرها مشيا على الأقدام برفقة والدها، ما تسبب ببتر ذراعيها، وإستشهاد والدها مصعب البرش على الفور. وبعد مُباغتة الصواريخ لسارة ووالدها، تحول كل شيء حولها إلى ظلامٍ ودخان، وعندما فتحت عينيها في المستشفى، كانت ذراعاها قد غادرتا جسدها الصغير إلى الأبد، لم تفهم في البداية، وظلت تسأل بصوت مكسور "وين إيدي؟ ليش مش حاسة فيهم؟". 

مرت الأيام ثقيلة على الطفلة، ولم تكن الدموع كافية لتغسل هذا الوجع، إلا أن شيئًا ما داخل سارة كان يرفض الاستسلام، ولم تشأ أن تكون ضحية دائمة، فبدأت تجرب أقدامها بدلا من يديها، تعلمت كيف تمسك القلم بأصابع قدميها، ترسم الوجوه التي فقدتها، وتكتب اسمها بحروف متعرجة لكن مفعمة بالإصرار. موضحة أنها بدأت منذ اللحظة الأولى لخروجها من المستشفى بالتدرب على الأكل والشرب والكتابة والرسم باستخدام أقدامها، فيما لا تتمكن من إتمام باقي المهام اليومية كاللبس وتسريح الشعر والاستحمام، وتعتمد على والدتها في تجهيز العديد من المتطلبات الخاصة بها.
تقول سارة بصوت خافت لكنه حاسم "كنت أرغب أن أصبح مهندسة، لكنني وبعد فقدان ذراعي، قررت أن أصبح دكتورة أطراف صناعية، أريد أن أساعد الأطفال المصابين مثلي حتى يتمكنوا من العيش بشكل طبيعي دون أن يشعروا بأي نقص أو أزمة".

سار البرش.. تفاصيل من الألم والأمل

وتشارك الفلسطينية أماني البرش (35 عاما) وهي والدة الطفلة سارة، ابنتها تفاصيل الألم والأمل، حيث أصيبت بصدمة كبيرة لحظة رؤية طفلتها غارقة في دمها على سرير المستشفى، إلا أن تلك الصدمة تحولت مع مرور الأيام إلى إصرار على المواصلة والنجاح والتحدي. وعن تفاصيل الحادثة تقول البرش لـ "العربي الجديد" إن سارة كانت برفقة والدها لحظة قصف منزل مجاور خلال سيرهما بجانبه، ما تسبب بإستشهاد زوجها على الفور، فيما تسببت شدة القصف بقذف طفلتها مئات الأمتار عن مكان الاستهداف، وقد فقدت الوعي، كما فقدت ذراعيها.

وتتابع الأم "تم نقل سارة إلى مستشفى المعمداني، ومن ثم تحويلها إلى مستشفى الخدمة العامة، وخضعت لعملية بتر ذراعين بفعل التهتك الشديد، إلى جانب إزالة الشظايا من البطن والرأس، ومكثت داخل المستشفى خمسة أيام قبل أن تخرج لمواصلة العلاج داخل خيمة أسرتها في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة". وتقول البرش إن طفلتها قبل الحادث كانت تمتلك يدين مثل بقية الأطفال، وتجري وتلعب مع صديقاتها، إلا أن حياتها إنقلبت كليا بعد الإصابة، ولم تعد تقدر على اللعب أو الاستحمام أو الأكل بدون مساعدة، ما دفعها إلى تعليم طفلتها القيام ببعض المهام بمساعدة قدميها. 

وتلفت البرش إلى أن طفلتها أصيبت بحالة نفسية صعبة للغاية لحظة إفاقتها من العملية بدون ذراعين، وقد بادرت بسؤال والدتها بكل براءة "متى ستنبت ذراعي مجددا يا أمي"، لتجيبها الأم أن ذراعيها لن تنبتا مجددا، وإنما سيتم تركيب أطراف صناعية بعد إنتهاء الحرب. وتسببت إجابة الأم في تحويل أمنية الطفلة التي كانت تحلم بأن تصبح مهندسة، بأمنية جديدة من وحي الواقع الذي تعيشه، حيث باتت تحلم أن تصبح أخصائية أطراف صناعية بعد أن لاحظت خلال متابعتها لحالتها داخل مركز الأطراف الصناعية الواقع الصعب الذي يعيشه أقرانها من مبتوري الأيدي والأقدام، فقررت مساعدتهم.

وتنتظر الطفلة سارة انتهاء الحرب لمتابعة حالتها الصحية وإجراء عملية جراحية لتسوية الأطراف التي تم قصها بشكل خاطئ بسبب الضعف الشديد في الإمكانات الطبية جراء انهيار المنظومة الصحية، وتركيب أطراف صناعية بدلا من الأطراف التي سبقتها مع والدها نحو السماء.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows