
في تعبيراتها المرئية بدت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لواشنطن أفضل ما يكون من حيث التوافق مع إدارة ترامب حول ملفات الساعة في المنطقة. لكن سردية المواقف والتوجهات وما أحاط بها من التباسات، انطوت على ما يؤشر إلى أن الفوارق بقيت قائمة ولو بدرجة أخف، في مقاربات الجانبين للمخارج والحلول. ثم جاءت مفاجأة اللقاء الثاني بعد ظهر الثلاثاء، بعد أقل من 24 ساعة على اللقاء الأول، الاثنين، بين الرئيس ترامب ونتنياهو، لتعزز الاعتقاد بوجود تباينات. تنامي مظاهر الود بينهما أخيراً بعد تدخل ترامب إلى جانب إسرائيل في الحرب على إيران، لم يساعد في سدّ الفجوات بقدر ما حاول كل طرف توظيفه لصالحه.
بخصوص إيران، حرص ترامب في البداية على إبداء التمايز ولو بصورة ملتبسة عن نتنياهو، فقد شدّد على استبعاده لتكرار قصف المواقع النووية من باب أنه ليس هناك ما يستدعي ذلك "بعدما جرى تدميرها بالكامل"، كما أعرب عن اعتقاده بأن إيران "تريد السلام وأنا مع هذا" الخيار، كما قال. والمعروف أنه كان قد أكّد بصورة "قاطعة" بعيد العملية على مثل هذا التكرار إذا لزم الأمر. وازداد الالتباس في موقفه عندما تناول مسألة العودة إلى المفاوضات مع طهران، مرة أكّد على رغبته في استئنافها ومرة أخرى استبعدها من زاوية أنها لم تعد ذات موضوع بعد "محو" المشروع بالضربة الجوية.
ولا تقل الضبابية في ملف غزة عنها في النووي. ومن البداية أيضا ارتسمت الفوارق. قبل لقاء نتنياهو بساعات مع الرئيس ترامب، أكّدت المتحدثة باسم البيت ألأبيض كارولين ليفيت على أن طي صفحة حرب غزة يشكل "أولوية قصوى للرئيس ترامب"، وأن البيت الأبيض سوف يبحث هذا الأمر مع نتنياهو، لكن أولوية هذا الأخير في مكان آخر. مطبوعة "جويش إنسيدر" نشرت تصريحاً منسوباً لمسؤول إسرئيلي في الوفد المرافق لنتنياهو، يقول فيه إن الحديث عن "صفقة لإنهاء هذه الحرب ليس على الطاولة طالما بقيت شروطها غير متوفرة، وبالذات تجريد غزة من السلاح وقبول قيادات حماس بمغادرتها".
للالتفاف على مطلب إنهاء الحرب، طرح نتنياهو ما سمّاه الترحيل "الطوعي" لمن يختاره من سكان القطاع. الرئيس ترامب، الذي سبق وطرح مشروع تحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق" لم يمانع، لكن الموضوع ولِد ميتا. "هذا ليس سوى تهجير ولن يكتب له النجاح"، كما يقول خبير الشؤون الخارجية ريتشارد هاس. ويبدو أن إدارة ترامب أدركت أن نتنياهو يستهدف بطرحه إفشال وقف إطلاق النار لقطع الطريق بالنهاية على وقف الحرب. حسب وزارة الخارجية والمبعوث ستيف ويتكوف، باتت مفاوضات وقف النار قاب قوسين أو أدنى من بلوغ خواتيمها. البند المتبقي حسمه يتعلق، كما يقال، بمرحلة ما بعد وقف النار ومفاوضاتها المفترض أن تدور حول نهاية الحرب التي يحاول نتنياهو قطع الطريق عليها. لكن الإدارة ما زالت تتحدث بإصرار عن تحقيق وقف النار مقدمةً للهدف الأخير. مغادرة ويتكوف غدا أو بعده إلى الدوحة جرى تفسيرها كإشارة إيجابية في هذا المسار. لقاء نتنياهو مع الرئيس ترامب للمرة الثانية جاء في إطار استكمال المهمة والمحتمل الإعلان عن نجاحها "مع نهاية هذا الأسبوع" حسب المتحدثة باسم وزارة الخارجية تامي بروس، التي طلبت من المراسلين، في نهاية الإحاطة الصحافية، الثلاثاء، أن يبقوا مطلعين على ما يصدر عن مكتبها في الأيام القادمة. وكأنها بملاحظتها غير المألوفة تؤشر إلى اقتراب صدور إعلان وزارة الخارجية عن التوصل إلى اتفاق لوقف النار واستطراداً وقف الحرب.
ترامب قال مرة إن "مقياس نجاح رئاسته يعتمد على نجاحه في وضع حد للحروب". كان رهانه على "صديقه" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوضع حد لحرب أوكرانيا. لكن بوتين "خيّبه" وأثار امتعاضه، بما حمله إلى الإعلان، الثلاثاء، عن استئناف تسليح أوكرانيا "بأسلحة دفاعية". رهانه الآن على حرب غزة. فهو يبحث عن "إنجاز"، فيما إسرائيل تسعى إلى استئناف الحروب. وترامب على ما يبدو مطمئن بشأن معاكسات نتنياهو بعد السلفة التي قدمها لإسرائيل بضرب المفاعلات النووية الإيرانية.

Related News
