الجزائر... الكرة في واد والمرمى في آخر
Arab
4 days ago
share

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خاطب الشباب في مؤتمر حول المشاركة السياسية للشباب، الاثنين الماضي، قائلاً: "اكسروا حاجز الشك، وانخرطوا بقوة في الميدان". يلقي الرئيس بذلك الكرة في مرمى الشباب العازف عن السياسة والأحزاب والمنظمات، بينما الكرة والمرمى كلاهما في ملعب السلطة نفسها. لعوامل كثيرة ومتعددة تخص أيضاً المسارات الصعبة التي اجتازتها البلاد، تظل البيئة السياسية وممارسة الحكم والسلطة في الجزائر، طاردة للمبادرة والانخراط الشبابي في الممارسة والعمل السياسي، إذ ذكر الرئيس الجزائري، خلال حوار تلفزيوني أن 8% فقط من الكتلة الشبابية منخرطة في أحزاب وتنظيمات سياسية. هذه النسبة ضعيفة جداً في بلد يمثل الشباب فيه نحو 75% من السكان. في الغالب، عندما تتحدث السلطة في الجزائر عن المجتمع المدني، فهي لا تتحدث عن المفيد منه، ولكنها تعني به المجتمع المدني الذي يرفع صور الرئيس والسلطة ويدعم خياراتها مهما كانت. كذلك عندما تتحدث عن المشاركة السياسية للشباب، فهي بالكاد تقصد هذا المؤدى، بقدر ما تبحث عن شباب ضمن سياقات دعم السلطة أيضاً.

انخراط الشباب في الممارسة السياسية في الجزائر معضلة حقيقية لم تحظ بعد بالدراسة الموضوعية التي تبحث في أسبابها ودوافع هذا العزوف القياسي. لذلك تميل تقديرات السلطة إلى أنه مرتبط بقلة وعي الشباب نفسه، وليس بممارساتها التي تؤسس لهذا العزوف وتعزز دوافعه، بحكم إغلاقه الساحة السياسية والإعلامية والنقابية، والتحكم على نحو متشدد في ساحات النقاش وإحباط مبادرات التنظّم التي بادرت إليها سابقاً مجموعات شبابية من خارج سياقات السلطة. منذ عام 2019، تقدم أكثر من 12 كتلة شبابية بطلبات تنظم وإنشاء تنظيمات وأحزاب سياسية، لكن السلطات ترفض اعتمادها حتى الآن، فقط لأن هذه الكتل الشبابية مستقلة في مواقفها وتصوراتها. بل وعمدت السلطة إلى ملاحقة أحزاب وحلها أو التضييق على أخرى، ومثل هذه الأوضاع لا توفر أي مجال يشجع الشباب على العمل السياسي.

ترتكب السلطة خطأ تاريخياً بحق البلد، عندما تمنع تجدداً طبيعيا للساحة السياسية، وتعطل ظهور جيل جديد من القيادات الشابة. في الجزائر تم القضاء على كل منابر التنشئة السياسية وفضاءاتها. ثمة إعدام كبير لمساحات النقاش والمبادرة، وتعطيل لحركية الشارع وحق التظاهر. الجامعة والتنظيمات الطلابية لم تعد محضناً للتنشئة والتكوين السياسي، ومنظمات المجتمع المدني لُجمت والنقابات أيضاً. الأحزاب السياسية نفسها، المعنية بالعمل السياسي، حُشرت في زاوية ضيقة ومارست عليها السلطة تحييداً قسرياً أو تدجيناً، لذلك لم تعد جاذبة للشباب والمناضلين. بالمحصلة تتكشف نتائج ذلك بوضوح في الاستحقاقات الانتخابية من حيث نتائج التصويت المتدنية وضعف إقبال الشباب على الفعل السياسي والانتخابي.

لقد شكل الحراك (2019) فرصة تاريخية للجزائر، ومحطة عاد فيها الشباب إلى الفعل السياسي وانخرط في الأشهر الأولى للحراك خصوصاً، بقوة في النقاشات السياسية التي تخص مشكلات البلاد ومستقبلها والخيارات المطروحة. لكن التراجعات الرهيبة عن الطموحات العالية المعبر عنها في الحراك الشعبي، والتطلعات التي حملها الملايين من المتظاهرين، والإغلاق الذي شهدته الساحة الجزائرية بعد 2019، كلها عوامل دفعت ذلك الشارع الحيوي والمفعم بالنقاشات إلى الانكفاء مجدداً، والشباب إلى العودة لملاجئ الصمت. لقد اختارت السلطة الحل السهل من خلال تحييد هذا الشارع وقتل كل رغبة في التنظم، ومنع توليد لحظة تاريخية لانتقال سليم للفكرة السياسية، بدلاً من تأطيره وتوفير ظروف تجدد الساحة السياسية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows