
كشفت الصدمة التي تعرض لها الاقتصاد المصري صباح الثلاثاء، بعد الإعلان عن وقف تداول البورصة المصرية للمرة الأولى منذ العام 2011، وبعض الإجراءت المصرفية التي أعلنها البنك المصري، وتوقف أنظمة تشغيل مطار القاهرة لمدة 7 ساعات كاملة، وانقطاع الإنترنت والاتصالات في أنحاء واسعة من البلاد، إثر الحريق المفاجئ لسنترال رمسيس، أحد أعمدة البنية التحتية للاتصالات في مصر، عن هشاشة القطاعات الاقتصادية الأكثر حساسية أمام الأعطال التقنية الكبرى مثل البنوك والطيران والاتصالات.
وفي غياب بيانات مالية رسمية حتى الآن، أجرى موقع "العربي الجديد" تقديرات أولية للخسائر الاقتصادية الناتجة عن تعطل خدمات الاتصالات والإنترنت لمدة سبع ساعات، وذلك استنادا إلى أحدث التقديرات الدولية والمحلية المتاحة، لا سيما أرقام البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية خلال أزمات مشابهة وتقديراتها لخسائر انقطاع الإنترنت في مصر عام 2011، كون أزمة انقطاع الإنترنت وإغلاق البورصة المصرية أعادت للأذهان ما حدث إبان أحداث ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
واعتمادا على حسابات البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لخسائر الاقتصاد المصري من انقطاع الإنترنت في 2011، والتي قدرت بنحو 90 مليون دولار يوميا أي ما يعادل نحو 3.75 ملايين دولار لكل ساعة توقف. وإذا طبقنا هذا المعدل على الأزمة الحالية، فإن الخسائر المباشرة لتعطل الشبكات لمدة 7 ساعات تقارب 26 مليون دولار كحد أدنى، دون احتساب الزيادة الكبيرة في انتشار الإنترنت، وارتفاع عدد مستخدمي الخدمات المصرفية الرقمية، وتوسع التجارة الإلكترونية، وارتفاع حجم الاقتصاد المصري منذ ذلك الحين، وهو ما يعني أن الخسائر الفعلية قد تكون أكبر بكثير. كما أن هذه التقديرات لا تشمل الخسائر غير المباشرة (كالسمعة الاقتصادية، أو الأثر على التصنيف الائتماني، أو فرص الاستثمار الضائعة).. وفي ما يلي نستعرض التقديرات الأولية بالحد الأدنى لخسائر القطاعات الاقتصادية الثلاثة:
خسائر البنوك
قدرت الخسائر اليومية التي تكبدها قطاع البنوك نتيجة تعطل الشبكات والاتصالات في عام 2011 بحوالي 150 مليون جنيه مصري. وتشمل هذه الخسائر توقف أجهزة الصراف الآلي، وتعطل عمليات التحويل البنكي الفوري، وانقطاع الخدمات الإلكترونية مثل الإنترنت البنكي وتطبيقات الهواتف المحمولة، بالإضافة إلى توقف عمليات الدفع الإلكتروني المرتبطة بالبطاقات المصرفية. ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2025، شهد القطاع المصرفي المصري نموا ملحوظا في عدد العملاء الذين يعتمدون بشكل أساسي على الخدمات المصرفية الرقمية.
وتشير بيانات البنك المركزي إلى زيادة أكثر من 250% في عدد المستخدمين النشطين على هذه المنصات خلال العقد الماضي. كما تضاعفت عمليات التحويلات والدفع الإلكتروني، لا سيما مع توسع الخدمات الجديدة كالمحافظ الرقمية وتمويل التكنولوجيا المالية. هذا النمو السريع في الاعتماد على المعاملات الرقمية يعني أن أي تعطل في هذه الأنظمة له تأثير أوسع وأكبر من السابق.
وبناء على هذا التوسع، تقدر الخسائر اليومية لقطاع البنوك في حال انقطاع الشبكة في 2025 بحوالي 450 إلى 500 مليون جنيه مصري (15 إلى 16.5 مليون دولار) يوميا. تجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام تقديرية وتعكس فقط الخسائر المباشرة المتعلقة بالتشغيل البنكي اليومي، ولا تشمل الخسائر غير المباشرة التي قد تنشأ من تراجع ثقة العملاء، أو تأثيرات سلبية على حركة الأموال الدولية، أو الأضرار الاقتصادية الأوسع التي قد تترتب على تعطّل الخدمات المصرفية.
خسائر الطيران
وقدرت الخسائر المباشرة الناتجة عن تعطل خدمات الاتصالات والإنترنت في قطاع الطيران المصري في عام 2011 بنحو 20 مليون جنيه مصري يوميا. وكانت هذه الخسائر تشمل تأخير وإلغاء الرحلات، تعطل عمليات الحجز الإلكتروني، اضطرابات في حركة الشحن الجوي، بالإضافة إلى التكاليف المباشرة المتعلقة بالتعويضات وإعادة جدولة الرحلات. ومع مرور السنوات وتوسع حركة الطيران التجاري والسياحي، وزيادة اعتماد المطارات وشركات الطيران على الأنظمة الرقمية والخدمات الإلكترونية، تضاعفت الخسائر المحتملة الناتجة عن مثل هذه الأعطال بشكل ملحوظ. إذ يقدر أن خسائر قطاع الطيران اليومية في عام 2025 قد تصل إلى ما بين 50 و60 مليون جنيه مصري، أي ما بين 1.6 و2 مليون دولار يوميا.
خسائر الإنترنت والاتصالات
وقدرت الخسائر الناتجة عن تعطل شبكات الإنترنت والاتصالات في مصر في عام 2011 بحوالي 90 مليون جنيه مصري يوميا. وشمل ذلك انقطاع خدمات الإنترنت المنزلي، وتعطل خدمات بيانات الهاتف المحمول، بالإضافة إلى توقف خدمات المكالمات التجارية والرقمية، مما أثر سلبًا على قطاع الأعمال والمواطنين. ومع التوسع الكبير في استخدام الإنترنت والخدمات الرقمية في السنوات التالية، خاصة مع النمو الهائل في عدد مستخدمي الإنترنت الذي تجاوز الضعف، وزيادة الاعتماد على الاتصالات الرقمية في جميع القطاعات الاقتصادية، ارتفعت الخسائر المحتملة بشكل ملحوظ. وبناء على ذلك تقدر الخسائر اليومية في 2025 بسبب تعطل شبكات الإنترنت والاتصالات بحوالي 250 إلى 300 مليون جنيه مصري، ما يعادل تقريبًا 8.3 إلى 10 ملايين دولار.
تقديرات أولية لإجمالي لخسائر
ووفقا للحسابات السابقة، تشير التقديرات الأولية إلى أن الخسائر الاقتصادية المباشرة الناتجة عن تعطل خدمات البنوك والطيران والإنترنت والاتصالات في مصر تصل إلى ما بين 750 و860 مليون جنيه مصري يوميا، أي ما بين 25 و29 مليون دولار خلال كل يوم كامل من التوقف. وتشمل هذه الخسائر توقف العمليات المصرفية الرقمية، وتعطل أنظمة الحجز والشحن في قطاع الطيران، إضافة إلى شلل شبه كامل في خدمات الاتصالات والإنترنت، والتي تمثل البنية الأساسية للحياة الاقتصادية اليومية. وتعكس هذه التقديرات حجم الاعتماد المتزايد للاقتصاد المصري على المنظومات الرقمية، مقارنة بالفترات السابقة.
وعند توزيع هذه الخسائر على مدار الساعة، يتبين أن كل ساعة تعطل تكبد الاقتصاد المصري خسائر تتراوح بين 31 و36 مليون جنيه مصري (1.05 إلى 1.2 مليون دولار) في الساعة الواحدة فقط. وتبرز هذه الأرقام مدى حساسية الاقتصاد الوطني لأي انقطاع في خدمات الاتصال والبنية المصرفية، حيث أصبحت الأنشطة التجارية والمالية تعتمد بشكل كامل تقريبا على استمرارية هذه الشبكات، ما يعني أن كل دقيقة توقف باتت تترجم إلى خسائر اقتصادية ملموسة ومباشرة.
تجدر الإشارة إلى أن جميع التقديرات المالية السابقة تعتمد على سعر صرف تقريبي يبلغ 30 جنيها مصريا لكل دولار أميركي، وهو المتوسط الرسمي المعلن خلال النصف الأول من عام 2025. ومع ذلك، فإن السوق الموازية في مصر شهدت خلال نفس الفترة تذبذبا ملحوظا في أسعار الصرف، حيث تراوح الدولار بين 40 و50 جنيها في بعض الفترات، وهو ما يعني أن الخسائر المقدرة بالدولار قد تكون أكبر بكثير إذا ما تم احتسابها وفقا لسعر الصرف غير الرسمي.
كما أن هذه التقديرات مبنية على توزيع خطي للخسائر على مدار اليوم بالكامل، في حين أن الواقع العملي يشير إلى أن بعض الساعات، خاصة في أوقات الذروة خلال النهار، تشهد خسائر أكبر من الساعات الليلية أو أوقات انخفاض النشاط الاقتصادي. ومن ثم، فإن هذه الأرقام تمثل الحد الأدنى للخسائر المباشرة، ولا تشمل الآثار غير المباشرة بعيدة المدى أو التكاليف الخفية المرتبطة بفقدان الثقة الاستثمارية وتأخير المعاملات الاقتصادية الحيوية.
