قرى جنوب لبنان... معاناة يومية مع الاستهدافات الإسرائيلية
Arab
5 days ago
share

يحاول سكان جنوب لبنان، منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن يتمسكوا بأرضهم، رغم انعدام مقومات الحياة، والأهم انعدام الأمان مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية.

لا يزال أبناء جنوب لبنان، لا سيما أولئك في قرى ميس الجبل وكفركلا وحولا الحدودية (قضاء مرجعيون)، يعيشون على وقع تهديدات العدو الإسرائيلي، فالطيران المسيّر لا يغادر الأجواء، ويستهدف المزارعين والمواطنين خلال تفقدهم أراضيهم التي يعتاش منها كثيرون أيضاً، وسط توغّل شبه يومي للعدو في هذه الأراضي. ولا تقتصر الاعتداءات على القرى الحدودية فحسب، بل تطاول أيضاً المناطق الواقعة شمال الليطاني، التي يُفترض أن تكون آمنة نسبياً وفق اتفاق وقف إطلاق النار.
ويحاول الأهالي التمسّك بأرضهم رغم انعدام مقوّمات الحياة، من مياه وكهرباء، وانقطاع في الاتصالات والإنترنت، وانعدام تام للأمان. ومنذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ارتكبت إسرائيل ما يقارب من أربعة آلاف خرق، أسفرت عن سقوط 245 شهيداً، و609 جرحى.
يقول الشاب حسن يحيى من بلدة كفركلا الحدودية بقضاء مرجعيون لـ"العربي الجديد": "استقرّت ثلاث عائلات في البلدة، ويغيب أفرادها أياماً معدودة مع حصول أي اعتداء إسرائيلي جديد ثم يعودون حين يهدأ الوضع الأمني. فعلياً لا مقومات حياة ولا بنى تحتية في البلدة، لكن إذا تركناها سيأخذ الجيش الإسرائيلي راحته فيها كما يشاء، لأنه لا يهتم لوجود الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل". 
وكان أهالي كفركلا قد نفذوا اعتصاماً أمام مدخل البلدة قبل يومين من عيد الأضحى للتنديد بالاعتداءات الإسرائيلية ومطالبة الدولة بالنظر في أحوالهم، ويقول يحيى: "حتى لو اعتصمنا أمام مقار رسمية في بيروت، لن يهتم أحد بهذا الأمر. يرمم أهالي كفركلا منازلهم باللحم الحي والدولة لم تتحرك إلى اليوم لمعاينة المنازل والأضرار، وحين يشعر الجيش الاسرائيلي بأن أهالي يتحركون في كفركلا يوسّع استهدافهم كي يبعدهم عن قراهم".
وفي بلدة ميس الجبل بقضاء مرجعيون أيضاً، يقول حمزة فاعور الذي عاد للاستقرار في بلدته وأصلح الأضرار في منزله، لـ"العربي الجديد": "لا أمان في البلدة. نشعر طوال الوقت بأن حركتنا مراقبة من الطائرات المسيرة، ولا تزال مقومات الحياة معدومة، أبرزها الكهرباء والمياه، ما يجعل من المستحيل تخزين طعام في برادات المنازل". 

وعن سبب بقائه في ظل الأوضاع السيئة في البلدة، يقول: "لا يمكن أن نتركها كي لا تضيع وتُمحى حدودها مع العدو الإسرائيلي. حين يبقى عدد قليل من الأهالي إلى جانب الجيش اللبناني يمكن أن يشكلوا حاجزاً يمنع السيطرة الكاملة عليها وتهجير سكانها، كما حدث قبل التحرير". يتابع: "كل بضعة أيام يدخل العدو الإسرائيلي إلى كروم الضيعة ويحفر فيها، ويضع سواتر ترابية. وحين ينسحب يتقدّم الجيش اللبناني لإعادتها إلى وضعها الطبيعي. مؤخراً استيقظت عند الثالثة فجراً على أصوات مرور آليات العدو الإسرائيلي قرب منزلي. هذا الواقع يجعل حركة السكان شديدة الحذر، لكنني شخصياً لن أترك البلدة حتى لو تجدد العدوان، فمن يترك منزله تقلّ قيمته، ونريد التمسك بأرضنا لتجنب اقتلاعنا منها". 
بحسرة يقول العم خليل زهر الدين (74 سنة) الذي يسكن في ميس الجبل لـ"العربي الجديد": "نعيش في جحيم، كأننا أيتام. لا دولة تهتم بنا، ولا حياة طبيعية. عدت قبل شهرين إلى ميس الجبل، وأصلح منزلي على نفقتي الخاصة. نتوجه إلى القرى المجاورة مثل بنت جبيل وشقرا وصفد البطيخ، لتأمين بعض الاحتياجات الأساسية، فهناك نقص كبير في متطلبات الحياة اليومية".
ويستبعد زهر الدين عودة الحرب، لكنه يتحدث عن الواقع اليومي الصعب في ظل التهديدات الإسرائيلية، ويعتبر أن "ما يجري هو بالونات اختبار وحرب ابتزاز. نحن مجتمع يتيم لا يسأل أحد عنا، ونصرّ رغم ذلك على البقاء، كي لا تضيع أرضنا وبيوتنا، فنحن نشعر بأننا مستهدفون في كل لحظة".

ويشجّع أهالي بلدة بليدا بقضاء مرجعيون بعضهم البعض على العودة تدريجياً إلى بلدتهم، ففي نهاية فبراير/ شباط الماضي لم يتجاوز عدد الموجودين فيها عشرة، أما اليوم فعادت الحياة إلى مائة منزل، غالبية ساكنيها من كبار في السن، وفق ما يقول وفيق إبراهيم (70 سنة)، لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "يمكن اختصار ظروفنا الحالية بالعبارة العامية هَبّة باردة هَبّة ساخنة، أي أننا لا نعرف متى يحلّ الهدوء، ومتى تتصاعد الأمور. يتوغل الجيش الإسرائيلي مرات ويمشّط البلدة بالنيران، ويمنعنا من التقدّم إلى أراضينا، لا سيما الزراعية".
وعن واقع العيش في ظل تحليق الطيران الإسرائيلي المسيّر على علو منخفض، يقول إبراهيم: "لو كان فيها بشر لتحدّثنا إليها. تراقبنا طوال الوقت، وتمنحنا مهلة لتفقّد أراضينا، وكلّما حلّقت على علو منخفض، تعطينا إنذاراً بوجوب الإخلاء فوراً".
ويتحسّر إبراهيم على موسم اللوز الذي حاول منذ عودته إلى قريته إنقاذ ما تبقى منه، ويقول: "كان لدي 150 شجرة لوز، أما حقول الزيتون فجرفها العدو، ولا أعلم إذا كنت سأزرعها مجدداً".
وعن واقع الخدمات الإنمائية وإعادة الحياة إلى البلدة، يقول: "نحلّ اليوم مكان الدولة. يجب أن ندبّر أمورنا بأنفسنا من دون أن نستعين بأحد. أصلحنا مولدات الكهرباء كبديل عن كهرباء الدولة، وبطاريات الطاقة الشمسية. مرّت عدة أشهر على عودتنا، وحتى الآن لم تصلح الدولة شبكة الكهرباء أو تعد تشغيلها، فالشبكة والأعمدة مدمّرة بالكامل، ولا يمكن أن تحضر فرق الصيانة خوفاً من الاستهداف. أيضاً تحاول البلدية إصلاح الآبار الارتوازية".
يختم: "تسعى إسرائيل إلى جعل أرضنا محروقة، لكننا نتمسك بها ليس من أجل الحجارة، بل من أجل تاريخنا، فمن لا تاريخ له لا مستقبل له. صحيح أنّ البلدة لا تزال غير صالحة لسكن العائلات، لكن تردد الأهالي إليها، ولو ليوم واحد، يشكل بحد ذاته تحدّياً لإسرائيل التي تسعى إلى طمس الحياة فيها".
في بلدة ياطر بقضاء بنت جبيل التي استهدفت مرات بعد وقف إطلاق النار، وسقط عدد من القتلى فيها، يحاول الأهالي الصمود، وفق ما يقول وسام علي سويدان لـ"العربي الجديد". يضيف: "تحديات البقاء في البلدة كثيرة بعد تدمير 450 وحدة سكنية فيها، ما جعلها من أكثر القرى تضرّراً بعد تلك التي في الشريط الحدودي. وحتى اليوم لم تصلح الدولة الكهرباء رغم مناشدتنا لها، وكل الآبار الارتوازية قُصفت، وهناك مشكلة كبيرة في المياه، لكن لا يجب أن تُترك القرى من دون سكان، لأن خلوّها يعني الاستسلام لواقع تحاول إسرائيل فرضه بالقوة. نحاول أن ندعم بعضنا البعض، ونبقي حركة الحياة كي لا يظن الاحتلال أنه بسط سيطرته عليها". 

وتتكرر الاعتداءات الإسرائيلية أيضاً في محيط مدينة النبطية، لا سيما بلدات كفرتبنيت ويحمر الشقيف وقرى مجاورة. وباتت أطراف بلدة يحمر الشقيف (إحدى قرى قضاء النبطية) المعروفة بـ"الدبش" خالية من سكانها الذين نزحوا إلى داخل البلدة بعد القصف الذي استهدف محيطها، وفق ما يقول ناصر عليق، أحد سكان البلدة، الذي يتحدث لـ"العربي الجديد" عن أن "أصحاب أكثر من 15 منزلاً اضطروا إلى المغادرة خوفاً من تكرار الغارات، والحياة المتوقفة في المنطقة لا تقتصر على السكان المقيمين قرب الوديان والجبال، بل تشمل أيضاً مزارعين ومربّي مواشٍ لا يستطيعون الوصول إلى الحقول البعيدة. وفي هذا الوقت من العام يعتمد العديد من الأهالي على قطف مزروعات برية لتحضير مؤونة الشتاء، وهذا مصدر دخل مهم لكثيرين في البلدة".
يضيف: "يمتد القلق أيضاً إلى الموسم السياحي، فكل المتنزهات التي تقع على ضفاف أنهر البلدة مغلقة، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب منها أو إعادة فتحها. وحتى الآن هناك عطل في الآبار الارتوازية، ولم نحصل على موافقة الجهات المعنية، سواء الجيش اللبناني أو مصلحة مياه الجنوب، لإجراء الإصلاحات، لأن المنطقة غير آمنة، ويعلم الجميع أن المياه من أساسيات الحياة، لذا نواجه فعلياً تحديات كبيرة نحاول أن نتغلب عليها لأن لا خيار أمامنا إلا التمسّك بقرانا".
ويقول الشاب حسن ناصر من بلدة جباع (قضاء النبطية) لـ"العربي الجديد": "كنّا نقضي فصل الصيف في قريتنا، وهي من أجمل قرى الاصطياف في الجنوب، أما اليوم فنعيش بقلق، خصوصاً خلال الليل مع بدء موجات الغارات. ونتردّد كثيراً في العودة إلى منزلنا في الضاحية الجنوبية لبيروت، إذ إن المنطقتين غير آمنتين". ويرفض ناصر الغوص في تفاصيل الواقع الحالي في الجنوب، ويكتفي بالقول: "لا يوجد ما يُقال. لم يفهم أحد شعورنا وقلقنا الدائم. أصبحت حياتنا اليوم حقيبة طوارئ موضوعة عند مدخل المنزل". 

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows