الاستخبارات الإسرائيلية تلقّن عناصرها 6 لهجات عربية
Arab
5 days ago
share

لم تشفع التكنولوجيا المتقدّمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، في توقّع عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما أكّد للمؤسّسة الأمنية في إطار استخلاص العبر، أهميةَ العامل البشري، وبعض الطرق التقليدية، في التنصت والمراقبة وفهم الآخر والتواصل معه، ومن بين ذلك تعلم اللغات واللهجات المحلية، وتفعيل جواسيس في الميدان، فضلاً عن مراقبة الهواتف وشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها. ومنذ ذلك الحين، ظهرت تقارير إسرائيلية عدّة تركز على هذه الجوانب، نُشر أحدها اليوم الثلاثاء في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ويشير إلى جانب تطبيق عملي لاستخلاص الدروس، تناول تأهيل شباب إسرائيليين أنهوا دراستهم الثانوية حديثاً لتدريب مكثّف، يتعلّمون فيه لغات مختلفة بحسب الاحتياجات الأمنية، خلال نصف سنة فقط، من بينها اللغة الفارسية، وفي الآونة الأخيرة، اللهجة اليمنية أيضاً.

وتقرر بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، زيادة عدد الأفراد العاملين في هذا المجال، انطلاقاً من الفهم بأنه لا بديل عن رأس المال البشري، ووسط توجيه للأعوام المقبلة، لتعزيز قدرات المتخصّصين في اللغات وتجنيد المزيد منهم.

يقول مقدّم في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، رمزت إليه الصحيفة بالحرف (ح) إنه "إذا كانت هناك توجّهات في السابق، تعتقد أن التكنولوجيا يمكن أن تحلّ محلّ بعض العاملين في مجالات اللغة، فإن (حرب) السيوف الحديدية (حرب الإبادة على غزة) أظهرت في النهاية أنه لا بديل للإنسان، ولا بديل للأذن، ولمن يقرأ ويفهم كيفية تفسير تعابير معينة. هذا هو توجّهنا العام للسنوات القادمة، تجنيد وتعزيز كوادر اللغة"، وأضاف المقدّم المسؤول عن مدرسة اللغات في شعبة الاستخبارات العسكرية، في حديثه عن دروس السابع من أكتوبر، أن أحد الاستنتاجات الأساسية من الهجوم المفاجئ هو الحاجة الماسة إلى زيادة عدد المتخصّصين في اللغات ضمن المنظومة الأمنية.

وتضم الاستخبارات العسكرية فرع تدريب على اللغات، قائم منذ تأسيس "أمان"، ويتضمن مدرسة للغات لها فروع في مختلف أنحاء إسرائيل، إذ يتعلم سنوياً مئات المجندين المستجدين لغة جديدة، وأحياناً من الصفر. ومن بين اللغات في البرامج المختلفة توجد العربية بمختلف لهجاتها، السورية، واللبنانية، والفلسطينية، والعراقية، والبدوية، وقبل عام ونصف العام، أُضيفت لهجة جديدة، هي اللهجة اليمنية.

إلى جانب هذه اللهجات العربية، تُدرّس لغة من أقدم اللغات التي يجري تعليمها في المسار الذي أُسس قبل نحو 25 عاماً، وهي اللغة الفارسية. وقال المقدم (ح): "لقد أدركوا حينها بالفعل الحاجة إلى جنود ومجندات يعرفون هذه اللغة. ونحن ندرك أننا بحاجة إلى توسيع القاعدة من حيث الكمية والجودة. ولذلك، في السنوات الأخيرة نعتمد أيضاً على مسارات تدريبية تُخصص لأشخاص ليست لديهم أي خلفية مسبقة، ونتيح لهم تعلّم اللغة من الصفر حتى إتقانها".

مسارات الجبهات المشتعلة

يخضع مئات من المتخصّصين في اللغات إلى تدريب في المدرسة ضمن مسارات متنوعة، في كل عام، إذ يتغيّر عدد المتدربين في كل مسار بحسب احتياجات شعبة الاستخبارات، وذلك تماشياً مع التطورات في الساحات المختلفة. فعلى سبيل المثال، منذ اندلاع الحرب الحالية، انصب التركيز على اللهجة الفلسطينية المستخدمة في غزة، بالإضافة إلى اللهجات المستخدمة على الجبهة الشمالية، أي لبنان وسورية. ويستمر التدريب، الذي يُجرى كدورة تمهيدية قبل الخدمة العسكرية، لمدة نحو 25 أسبوعاً، ويشمل تخصصات متنوعة، من بينها مواد نصيّة (قراءة) ومواد صوتية (استماع).

وأوضح (ح) أن الدراسة نفسها، تشمل التعرّف على تاريخ الجبهة، لكنها تستند بالأساس إلى المنتجات الاستخبارية المستخلصة من المواد العملياتية، وقال: "نحن نرغب في أن يكون الكورس محدثاً ومرتبطاً بالواقع قدر الإمكان، حتى لو كان ذلك يعني أننا نستمع إلى محادثة جرى رصدها مؤخراً، أو نقرأ تقريراً إخبارياً صدر هذا الصباح. هذا يحافظ على التأهب العملياتي لدى الطاقم التدريسي والمتدربين".

إلى جانب ذلك، يقوم طاقم التدريس أيضاً بتعريض الطلاب لتعبيرات يومية، وأغانٍ، وحتى مقاطع فيديو من شبكات التواصل الاجتماعي. وفي السياق يقول موظّف، آخر، رمزت إليه الصحيفة بالحرف (ع)، وهو أحد المعلمين العشرة للغة الفارسية في المدرسة التي كان قد تعلم فيها بنفسه كمجند في عام 2008: "في تدريسنا تحديداً، من المهم أن نكون ذوي صلة ومرتبطين بالواقع. من غير المقبول أن نكون منفصلين، بل يجب أن نظهر للطلاب مدى الصلة بين ما يتعلمونه وبين الميدان، جزءاً من المجهود والعمل الوطني".

ويتكوّن الطاقم التدريسي في المدرسة من نحو 80 فرداً، بينهم جنود خدمة إلزامية، وموظفون مدنيون في الجيش، وضباط في الخدمة الدائمة، وخبراء لغة. وحول تكثيف الدروس قال (ع): "كان الأمر صعباً، كنا ندرس اللغة من الصباح حتى المساء. لغة مختلفة تماماً عن العبرية. إذا كان بالإمكان اعتبار العبرية والعربية لغتين شقيقتين، فإن الفارسية تنتمي إلى عالم مختلف تماماً". وبعد إنهائه الخدمة، عاد ليشغل المنصب الذي يشغله اليوم، حيث يدرّس في مسار الفارسية أكثر من 100 طالب وطالبة.

وأردف المعلم (ع) أن "اللغة الفارسية لغة غنية وعريقة مرت بتحولات وتطورات... اللغة هي ثقافة. ولهذا، يركّز طاقم التعليم في التدريب على فهم اللغة بعمق، كيف يفكّر المتحدّث الإيراني ولماذا يفكّر بهذه الطريقة، وذلك انطلاقاً من الفهم بأن الأدوات اللغوية التي يمتلكها المتحدث تؤثر في طريقة تفكيره وتعبيره".

فعلى سبيل المثال، من الناحية النحوية، شرح (ع) أن اللغة الفارسية، بخلاف العبرية، لا تقتصر على الماضي والحاضر والمستقبل، بل تحتوي على أشكال متنوعة للأفعال. أما من حيث الأسلوب، فقال إن "اللغة الفارسية تصويرية للغاية، ومليئة بالتعابير ونغماتها جميلة. وإذا لم تتعلم عدداً كبيراً من التعابير خلال الدورة، فلن يكفيك القاموس وحده. وبخلاف العبرية التي تُعتبر لغة حادة ووقحة أحياناً، فإن اللغة الفارسية غنية جداً بأدبيات الاحترام".

ورغم أهمية اللغة يؤكد المقدّم (ح) أن الأمر لا يتعلق به من أجل بناء عناصر مخابرات ناجحين فحسب: "ليس الأمر اللغة وحدها. صحيح أنها الركيزة الأساسية، لكن لكي تكون رجل استخبارات جيداً، هناك الكثير من النظريات، والثقافة، ودراسة الشرق الأوسط، والجبهة العينية، والجيش، ونظام الحكم، والمناسبات، والقيم التي تشكّل أساس رؤيتهم للعالم". وفي ظل وقف إطلاق النار الحالي مع إيران ونظرة نحو المستقبل، اختتم  المعلم (ع) حديثه قائلاً: "من المهم أن نتصرف بتواضع. هناك الكثير مما نعرفه، لكن هناك الكثير مما لا نعرفه أيضاً. من المهم جداً طرح الأسئلة دائماً، والتشكيك، والتحقّق مما إذا كانت هناك أمور لسنا واثقين منها. كمعلمين، نحن نشجّع دائماً على مواصلة التعلّم، وهو أمر لا يتوقف أبداً، لا في اللغة ولا في الاستخبارات".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows