
بشعار "نرفض استقبال ممثلي جامعات الإبادة" مكتوباً بالعربية والإنكليزية، احتج المتظاهرون عند الخامسة من مساء أول أمس الأحد في محيط مسرح محمد الخامس بالرباط، بالتزامن مع افتتاح الدورة الخامسة من المنتدى الدولي للسوسيولوجيا التي تتواصل فعالياتها حتى الجمعة المقبل. التظاهرة التي دعت إليها الحملة المغربية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (MACBI) وتدخلت قوات الأمن لفضها، أعقبت صدور بيان وقع عليه نحو مئتين وخمسين باحثاً وباحثة في العلوم الاجتماعية، من المغرب وبلدان أخرى، أعلنوا خلاله عن مقاطعتهم فعاليات المنتدى الذي تنظّمه الجمعية الدولية للسوسيولوجيا بالتعاون مع الهيئة المغربية للسوسيولوجيا.
جدل حول مشاركة أكاديميي الاحتلال
أشارت الجهة المنظمة إلى عدم وجود أكاديمي إسرائيلي واحد في المنتدى. فيما استنكر رئيس الجمعية الدولية للسوسيولوجيا جيفري بلايرز، في كلمة افتتاح المنتدى يوم الأحد الماضي، "الإبادة الجماعية الجارية في غزة الآن، ووضع الضفة الغربية الذي يصير أكثر فأكثر تردياً". في المقابل، لم تعلن الحملة المناهضة على منصاتها في وسائط التواصل الاجتماعي عن وقفات احتجاجية أو تحركات جديدة حتى اللحظة، إلا أنها أكّدت في بيانها الصادر منذ أيام أن احتفاظ المنظمين بمشاركة أكاديميين ومؤسسات من دولة الاحتلال ضمن برنامج التظاهرة على الموقع الإلكتروني للجمعية الدولية للسوسيولوجيا، وعدم صدور بيان رسمي من قبل المنظّمين يلغي المشاركة الإسرائيلية، "عمل تطبيعي محض".
ويُبرز برنامج المنتدى الدولي للسوسيولوجيا مشاركة أكاديميين وباحثين إسرائيليين مثل: باولا فيدر-بوبيس وغاليت نمرود ونحاما كيرشنباوم أفينر وهاغاي كاتس وييلا لاهاف راز من جامعة بن غوريون في النقب، وآري إنغلبيرغ من كلية القدس للتخصصات المتعددة، وأورلي بنيامين من جامعة بار إيلان، وغيرهم.
سياقان أكاديمي ومدني
في تصريح لـ"العربي الجديد"، أكد عبد الفتاح الزين، منسق الهيئة المغربية للسوسيولوجيا؛ الجهة المستضيفة، على موقف الهيئة الرافض استقبالَ أي مشارك إسرائيلي في المنتدى في ظل تصاعد موجة الرفض والمقاطعة ضد مشاركة أكثر من 30 أكاديمياً وباحثاً من جامعات الاحتلال. وأوضح الزين أن المنتدى يأتي في سياقين؛ الأول أنه يتناول موضوعاً علمياً متميزاً هو "معرفة العدالة في عصر الأنثروبوسين" الذي يدرس علاقة الإنسان مع الطبيعة وممارساته وسياساته تجاهها، يناقشه أربعة آلاف باحث على طاولة المنتدى. والثاني أن الهيئة، عندما تقدّمت بملف ترشحها لاستضافة المنتدى، كانت تعي أن هناك تحديات ستواجهها.
وُجهّت الدعوة إلى 30 أكاديمياً إسرائيلياً لكنهم لم يشاركوا
وأكد أن الجهود المنظمة المبذولة من قبل الهيئة وشركائها أثمرت عن تجميد الجمعية السوسيولوجية الإسرائيلية التي حافظت على عضويتها في الجمعية الدولية منذ 1967. وجاء ذلك بعد ممارسة ضغوط متواصلة على الجمعية الدولية التي لم تنصت لهذا المطلب بداية، وينسجم مع إيمان الهيئة بدورها المدني الأكاديمي وخضوعها لقوانين الدولة المغربية. وبيّن بلاغ الهيئة الذي جرى تعميمه منذ أيام أن المنتدى الذي يعقد مرة كلّ عامين تنظّمه الجمعية الدولية للسوسيولوجيا (ISA)، بينما تتولى الهيئة المغربية دور الاستضافة، لافتاً إلى أن الجمعية الدولية قامت بتعميم بلاغ الهيئة المغربية على المشاركين، بمن فيهم الإسرائيليون، وأن بلاغ الهيئة كان حاسماً "في التأكيد أن لا مكان في المنتدى لمن يمس حقوق الشعب الفلسطيني أو يسيء لمواقف وثوابت المغرب". لكن قرار الجمعية الدولية لم يثن المقاطعين من استمرار مقاطعة أعمال المنتدى التي تتواصل في العاصمة المغربية. وأوضحت الحملة المغربية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل أن تجميد عضوية الجمعية الإسرائيلية "لا يعني بالضرورة عدم مشاركة ممثلي جامعات الإبادة في المنتدى".
موقف الجمعية الدولية
الاحتجاجات على مشاركة الأكاديميين الإسرائليين في المنتدى دفعت الجمعية الدولية للسوسيولوجيا، مطلع الشهر الجاري، إلى تجميد عضوية الجمعية السوسيولوجية الإسرائيلية، مشيرة في بيانها إلى أن القرار يأتي في سياق موقفها العلني الرافض الإبادةَ الجماعية التي ترتكب بحق الفلسطينيين في غزة. لكن القرار لم يحظ بالترحيب الكافي من قبل العديد من الأكاديميين والناشطين المغاربة نظراً إلى تأخر إعلانه.
وينبه ناشطون إلى أن اختيار مدينة الرباط لاستضافة المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا تم في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ولم تتخذ الجهات المنظّمة، ممثلة الجمعية الدولية أو الجهات المستضيفة ممثلة بجامعة محمد الخامس والهيئة المغربية للسوسيولوجيا، أية مواقف خلال الفترة الماضية حتى إطلاق دعوات المقاطعة في 24 الشهر الجاري.
واحدة من النقاط المهمة التي تبناها بيان حملة المقاطعة تتعلق بوجوب اعتماد سياسة ثابتة تجاه الجامعات الإسرائيلية بما يتماشى مع إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية، والاعتراف بتواطؤ هذه الجامعات في جرائم دولتها ضدّ الفلسطينيين.
مدى تمثيل الهيئة الباحثين المغاربة
لا تتوقف السجالات في المغرب حول تمثيل الهيئة المغربية للسوسيولوجيا الباحثين في هذا الحقل. من بين هؤلاء، فوزي بوخريص، أستاذ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا في جامعة ابن طفيل، الذي أشار في مقابلة مع إحدى وسائل الإعلام المحلية إلى أن "الهيئة تأسست في ظروف غامضة وملتبسة، ولا نكاد نعرف من يمثلها، عدا بعض الأسماء المحدودة، ومنها منسق الهيئة ومهندس فكرتها"، مبيناً وجود جهات متعددة تمثل المتخصصين في علم الاجتماع ولم تُنظّم لليوم.
ويطرح بوخريص تساؤلات ملحة حول صمت المنظّمين الذي واجهته أطياف المجتمع المدني المغربي المناهض للتطبيع بالرفض، وآخرها وقفة الاحتجاج يوم افتتاح المنتدى، مشيراً في حديثه إلى العربي الجديد إلى أن "الوقفة ووجهت بالعنف مع الأسف، لكن حركية الجسم الأكاديمي والطلابي بمختلف جامعات المغرب ستستمر في رفضها أيّاً من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني ومع مؤسساته الجامعية والبحثية، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من اقتصاد المعرفة الذي تقوم عليه آلة القتل والتدمير والتطهير العرقي الصهيونية التي تمعن في إبادة إخواننا في غزة وفي كل فلسطين".
مع تنامي مبادرات التطبيع في المؤسسات الأكاديمية بالمغرب في السنوات الأخيرة، ينشط عدد من أساتذة الجامعات في تنسيق الجهود لمناهضة هذه المبادرات، مثل ما حدث في إبريل/ نيسان الماضي حين أعلن معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة عن تنظيم دورة تدريبية بشراكة مع منظمة (CultivAid-Israel) الإسرائيلية، ليواجه موجة غضب واسعة من قبل أكاديميين وطلبة. وتجدر في هذا السياق ملاحظة صمت الجهات المغربية التي تتعاون مع مؤسسات الاحتلال عن أنشطتها المشتركة أو تأخر إعلانها إلا عشية الانطلاق.

Related News
