... ومظلوميّة الشباب
Arab
5 days ago
share

مظلوميّة لم تنسرد بعد في سوريّة الجديدة، رغم أنّها الأكثر خطورة، وتخصّ الجيل الشابّ، مستقبل البلاد. 
بما أنّ العهد البائد مسبّب الظلم الكبير للشباب أيضاً قد اندحر، فإنّنا نشهد، بشكل لافت، ندرة حضور الشباب في التجمّعات المدنيّة، والمنتديات الثقافيّة عامّة، والأنشطة السياسيّة المختلفة. ونلاحظ بوضوح أكثر عودة الشباب لحلم مغادرة البلاد! 
يتّفق المفكّرون والباحثون العرب على أنّ أزمة الشباب العربيّ قائمة منذ عهود الاستقلال، والحكومات العربيّة المتتالية المسؤولة عن إيجاد حلول للخلاص، للضرورة الإنسانيّة والمجتمعيّة والوطنيّة، لم تكن يوماً جادّة في ذلك، باستثناء بعض الدول النفطيّة التي لم تتعرّض للأزمات والحروب. وللأزمة أسباب عديدة، منها: الفقر، الأميّة، البطالة، الاحتلال، والحروب. ثمّ أزمة الثقة بين الأجيال، فالكبار الخبراء يرون أنّهم الأجدر بالقيادة وبناء الدولة والمجتمع، لينعدم حقّ الشباب في التشاركيّة. أسباب تكمن خطورتها في انعدام شعور الشباب بالانتماء لأوطانهم، وتزعزع ثقتهم بالهويّة، وانتفاء الإحساس الجمعي، وبروز الإحساس بالفردانيّة ونشدان الخلاص الشخصيّ.  
شهدنا في سوريّة، ستة عقود، اختلاق مشاريع تنمويّة وهميّة لرعاية الشباب وحلّ أزماتهم، واستراتيجيّات ومقترحات تعفّنت في ظلمة الأدراج، والخطابات الرنّانة والشعارات الخلّبيّة. كما أنّ قمع الاستبداد وتغييبه الحريّة هجّر كثيراً من المتعلّمين والمثقّفين، لتشكّل ظاهرة هجرة الأدمغة عاملاً إضافيّاً لاستمرار أزماتنا المتلاحقة واستفحالها.  
لم يكن عبثاً تصدّر الشباب السوريّ، ذكوراً وإناثاً، المظاهرات مع اندلاع الثورة، فقد كان الجيل الشاب يختنق من الإهمال والتهميش، في بلد عاث فيه الحكم الآفل فساداً وخراباً حدّ دماره.
مع اندلاع الثورة، بات المشهد السوريّ مكشوفاً حدّ العري الفاضح. وقد كانت للأسد ونظامه اليد الطولى في اغتيال سلميّة الثورة، لتتحوّل إلى ثورة مضادّة مسلّحة، وتتطوّر إلى حرب الإخوة الأعداء؛ حرب بالوكالة بين دول العالم وتكالبها لاقتسام البلاد. فما كان حال الشباب بمختلف مواقفهم، وانتماءاتهم، وطبقاتهم؟ وما لا شكّ فيه أن الفقراء دوماً لهم وحدهم الحصّة الأوفر من الظلم بكافّة أشكاله.
خلال الحرب، فقدت البلاد كثيراً من أبنائها الشباب، ذكوراً وإناثاً، قتلاً واعتقالاً وتهجيراً، على يد النظام المستبدّ، وقضى آخرون على دروب الهجرة بحراً وبرّاً. ولا نغفل ضحايا مقتلتنا السوريّة على الضفّتين؛ الشباب الفقراء حصراً. وبات بعض ممّن بقي في البلاد قسراً لعدم توفّر سبل الهجرة غالباً بسبب الفقر، باتوا صيدة سهلة لتجّار المخدّرات والبشر، وللفصائل المسلّحة الإرهابيّة. في حين أنّ بعضاً من الشباب الأمّيّين أو ممّن لم يكملوا تعليمهم لجأوا إلى تعاطي المخدّرات السائبة بسبب فساد النظام واستهتاره. أمّا أصحاب الشهادات العلميّة العالية غير المفعّلة حقيقة، فقد عانوا من أزمات نفسية، ولجأوا إلى الأدوية المهدّئة، أو العمل في مهن وضيعة، أو حتى الانتحار. 
انطمس النظام المرعب، ولم تنطمس مشاهد الظلم والظلام، والعدالة الانتقاليّة الموعودة ما زالت معطّلة، لتتفاقم الأزمات، وتطاول القضيّة التعليميّة الخطيرة. فانعدام الأمان والثقة دفع بأغلب الشباب الجامعيّ لمغادرة جامعاتهم ودراساتهم في المناطق التي تمّ فيها تهديدهم بالقتل أو الخطف لمجرّد اختلافهم الدينيّ أو الطائفيّ، لتنعدم الثقة حتّى في المناطق الآمنة، وينكفئ كثير من شبابها عن متابعة دراساتهم، وتنشلّ الأدمغة داخل البلاد. فمتى سيعود شعور شبابنا بالخوف على بلادهم عوض الخوف منها؟ ومتى يومض أمامهم بصيص أمل ليهرعوا لصناعة مستقبل وطن للجميع؟

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows