تعميم لـ"المركزي" اللبناني يحمي المصارف على حساب المودعين
Arab
5 days ago
share

أثار تعميم لمصرف لبنان المركزي أخيراً، يقضي بفرض قيود على التصرف بالودائع وتحويلها، سخط المودعين الذين يكافحون بعناء شديد منذ سنوات للحصول على أموالهم المودعة في بنوك البلد المنهار اقتصادياً ومالياً، إذ اعتبروا التعميم الجديد بمثابة حماية للمصارف على حسابهم وتجاوزاً كذلك للسلطات التشريعية والقضائية، مشيرين إلى أنه يهدف إلى "فرملة" دعاوى المودعين بحق المصارف.

وطلب التعميم الصادر مطلع يوليو/تموز الجاري برقم 169، والذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، من جميع المصارف العاملة في لبنان، وابتداءً من تاريخ صدوره، الامتناع عن تسديد أي مبالغ من الحسابات المصرفية بالعملة الأجنبية التي تكونت قبل 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أو تلك التي تم تحويلها إلى العملة الأجنبية بعد هذا التاريخ وتجاوزت السقوف المحددة، إلا بعد الحصول على موافقة خطية مسبقة من مصرف لبنان. وذكر المصرف المركزي أن هذا الإجراء يهدف إلى الحد من الممارسات التمييزية وضمان الانتظام المالي العام بانتظار التوصل إلى حل شامل للأزمة بالتنسيق مع الجهات اللبنانية المعنية.

وأضاف أن القرار يهدف إلى ضمان مبدأ المساواة بين جميع المودعين في ظل الأزمة المالية المستمرة منذ 2019، والتي أدت إلى فرض قيود قاسية على السحوبات وتحويل الأموال إلى الخارج. وأكد حاكم مصرف لبنان، كريم سعيد، أن بعض الممارسات، مثل الدفع الانتقائي أو التفضيلي لبعض المودعين، خرق فادح لمبدأ العدالة، وتقوّض أي إطار شامل لمعالجة الأزمة، مشدداً على أولوية الانتظام المالي العام واستمرارية المرفق العام.

لكن رابطة المودعين اعتبرت أن تعميم مصرف لبنان يمثل "انقلاباً صامتاً" على الدستور، إذ يمنح المصرف المركزي صلاحيات تشريعية غير مخولة له قانوناً، فالتعميم بصيغته الحالية يحمل مضموناً قانونياً من دون أن يصدر عبر مجلس النواب، ما يشكّل انتهاكاً مباشراً لفصل السلطات، ويفتح الباب أمام تغوّل السلطة النقدية على حساب المؤسسات الدستورية.

ويشكّل التعميم، بحسب الرابطة، انتهاكاً واضحاً لحقوق التقاضي المكفولة دستورياً. إذ يمنع تنفيذ قرارات قضائية قد تصدر لصالح المودعين، ويعرقل ملاحقة المصارف المتورطة بجرائم التحايل والتهريب. وبهذا، يصبح مصرف لبنان طرفاً يحول دون تطبيق العدالة، بدلاً من أن يكون داعماً لها، وفق الرابطة.

وبعد ست سنوات من الفشل المتعمّد في إقرار ما يعرف بقانون "الكابيتال كونترول" في البرلمان، يأتي هذا التعميم ليكرّس الأمر الواقع، ويمنح المصارف غطاء قانونياً بأثر رجعي. ويؤكد ناشطون اقتصاديون أن تعثر إقرار القانون لم يكن صدفة، بل بفعل ضغوط من لوبي مصرفي نافذ، لا يريد أي قيود على حركة الرساميل إلا بالشروط التي تحمي مصالحه.

فأولئك الذين هرّبوا أموالهم في بدايات الأزمة، من سياسيين ومصرفيين ونافذين، خرجوا من المعركة سالمين. والتعميم جاء بعد أن "جفّت منابع التهريب"، وتحوّل إلى أداة لتشريع المخالفات السابقة ومنع المحاسبة، فالأمر محاولة لـ"تنظيف الأثر" وقوننة المخالفات السابقة، وفق محللين، أما الضحية الأكبر هو المواطن العادي الذي لم يملك النفوذ لتهريب أمواله، ولا يملك الآن القدرة على استردادها. حُرم من حق التقاضي، وطُلب منه أن يرضى بالمساواة مع من استباح النظام المالي لمصالحه. وهذا ليس ظلماً فحسب، بل نسف لمبادئ العدالة والإنصاف.

وبحسب العضو المؤسس في رابطة المودعين رائد أبو حمدان، في حديث لـ"العربي الجديد"، فإن التذرّع بـ"العدالة بين المودعين" لتبرير التعميم ليس سوى محاولة لشرعنة قرارات تصب في مصلحة المصارف، مستغرباً صدوره من دون المرور بالبرلمان. ويطرح تساؤلاً أخلاقياً وقانونياً: "هل نحن أمام عملية تبييض لمسؤوليات جماعية؟ من سيُحاسب على تهريب الدولارات؟ أين القضاء؟ وأين المحاسبة؟".

ويضيف أبو حمدان أن التوقيت أيضاً ليس بريئاً، إذ يصدر التعميم في لحظة تتكثف فيها الضغوط الدولية على لبنان لإقرار إصلاحات. في الظاهر، يبدو أن مصرف لبنان يتحرك، لكن في العمق، هو يكرّس النهج القديم نفسه: حماية الطبقة المصرفية والسياسية، وتحميل المواطن ثمن الانهيار. ويوضح أن "المودعين ينتظرون من الحاكم وضع تصور عملي لمعالجة الفجوة المالية، والتعاون مع المؤسسات الدولية، وليس إصدار تعاميم هدفها الوحيد حماية المصارف من الدعاوى، ومنعها من الامتثال للسلطات القضائية، داخل لبنان وخارجه".

وبحسب مصادر مطّلعة، فإن التعميم جاء نتيجة دعوى قضائية قدّمها مواطن سعودي ضد بنك عودة اللبناني لاسترداد وديعته، ويبدو أن القضية رُبحت في الخارج، ما دفع الحاكم لإصدار التعميم تحسباً لدعاوى مماثلة، خصوصاً أن المبلغ المعني كبير جداً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows