
يتصاعد التوتر العمالي في القطاع الخاص التونسي، وسط تلويح النقابات بالدخول في موجة إضرابات عامة، احتجاجاً على تعثر المفاوضات بشأن تحسين الأوضاع المهنية والمادية لأكثر من 1.8 مليون تونسي يعملون في المؤسسات الخاصة.
وبينما يترقب موظفو القطاع الخاص مآل المفاوضات الاجتماعية بشأن زيادة رواتبهم، تؤكد أطراف نقابية أن مسار التفاوض لا يزال متعثراً، نتيجة تأخر السلطة في دعوة الأطراف المعنية بالحوار إلى طاولة المفاوضات.
ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلن قسم القطاع الخاص في الاتحاد العام التونسي للشغل عن الانتهاء من تنقيح الاتفاقيات المشتركة والاستعداد لمفاوضات قطاعية تشمل نحو 55 قطاعاً، وفقاً لأولويات ترتيبية ومالية بات يفرضها الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
ووفق بيانات رسمية نشرها معهد الإحصاء الحكومي عام 2021 يبلغ عدد المشتغلين في القطاع الخاص ما يزيد عن 1.87 شخص مقارنة بأكثر من 650 ألفاً يشتغلون في القطاع الحكومي. ويعول العاملون في القطاع الخاص على زيادة رواتبهم لتحسين قدراتهم الإنفاقية التي انهارت تحت تأثيرات التضخم والغلاء.
ويرى عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل، الطاهر المزي، أن كل تأخير في تحسين الوضع المالي والمهني للعاملين في القطاع الخاص يقابله تراجع في مردودية المؤسسات والاقتصاد المحلي في حال دخول العمال في موجة احتجاجات.
وقال المزي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن مجمع القطاع الخاص أبلغ السلطات وممثلي منظمة اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بالدخول في مفاوضات بشأن تحسين رواتب الموظفين وتعديل الاتفاقيات المشتركة، غير أن مسار التفاوض لا يزال متعثراً بسبب تأخر وزارة الشؤون الاجتماعية في دعوة الأطراف المتحاورة بشكل رسمي.
وبحسب المسؤول النقابي، ترعى وزارة الشؤون الاجتماعية مسار التفاوض بين اتحاد الشغل وممثلي القطاع الخاص، ما يجعل مبادرتها لدعوة الأطراف المتحاورة إلى طاولة المفاوضات أمراً مهماً. وأشار إلى أنه كان يفترض أن توقع اتفاقيات تعديل الرواتب منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على أن تصرف الزيادات بدخول عام 2025، غير أن تأخر المفاوضات أجّل تحسين وضع موظفي القطاع الخاص، ما قد يؤدي إلى دعوة النقابات إلى تحركات احتجاجية وشن إضرابات في المدة القادمة.
وأضاف: "لا تتعلق المفاوضات بالمسائل المادية فحسب، بل سيتم تعديل جوانب ترتيبية في الاتفاقيات المشتركة، بما يفضي إلى تحسين الوضع المهني للعمال وأقلمته مع متغيرات سوق العمل ومتطلبات الواقع الاقتصادي لتونس".
ويعود تاريخ آخر مفاوضات ترتيبية إلى عام 2008 وشملت 55 اتفاقية مشتركة، بينما جرت آخر مفاوضات بشأن زيادة الرواتب منذ ثلاث سنوات. والسبت الماضي أقر الاتحاد الجهوي (المحلي) في صفاقس مبدأ إضراب جهوي في القطاع الخاص نظراً لما وصفه بعدم جدية المسؤولين في فتح باب المفاوضات الاجتماعية.
وقررت النقابات إطلاق شرارة الاحتجاجات من محافظة صفاقس، نظراً للوزن الاقتصادي للجهة، وقدرتها على التأثير على القرار المركزي لمنظمة رجال الأعمال ووزارة الشؤون الاجتماعية. وبحسب المسؤول النقابي الطاهر المزي، لا تمثل الإضرابات هدفاً بقدر ما هي وسيلة ضغط للتسريع في تحريك مسار التفاوض المتعثر. وأكد أن "تحسين ظروف عمل وتأجير العاملين في القطاع أصبح ضرورة عاجلة في ظل الضغوط المالية التي تعانيها الأسر التونسية".
والقطاع الخاص التونسي أهم مشغل في البلاد وأكبر محدث للوظائف. وكشف المعهد الوطني التونسي للإحصاء في أحدث بيانات له أن عدد الوظائف في القطاع الخاص ارتفع خلال الفترة 2005-2021 بمعدل سنوي يقارب 1.8%.
وأفاد بأن هذا العدد بلغ 1.87 مليون وظيفة عام 2021، مقارنة بنحو 830 ألف وظيفة عام 2005.
وذكر المعهد أنه "رغم هذه الزيادة، شهد عدد الوظائف في القطاع الخاص انخفاضاً نسبياً عام 2020، تجاوز 68 ألف وظيفة مقارنة بعام 2019". ويعود هذا الانخفاض، وفق المعهد، إلى آثار جائحة فيروس كورونا عام 2020، التي أجبرت السلطات التونسية على فرض حجر صحي عام في جميع أنحاء البلاد، وأدت إلى تعليق أنشطة العديد من شركات القطاع الخاص.
وتُوفّر الشركات المصدّرة بالكامل 37% من فرص العمل في القطاع الخاص، وفقاً لأرقام عام 2021 الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء. ويتركز أكثر من 400 ألف شركة، أي ما يعادل 48% من إجمالي الشركات، في شمال شرق تونس، بينما لا يتجاوز عدد الشركات في الجنوب الغربي 30 ألف شركة، وفي الشمال الغربي 58 ألف شركة.

Related News

