
في البداية، لم يكن لدى المراهقين مومو أياسي وكين تاكاكورا، بطلي أنمي "دان دا دان"، كثيراً من القواسم المشتركة. ورغم أن الأخير ليس خجولاً تماماً، فإنه مهووس بالعلوم، وكثيراً ما تعرّض للتنمر بسبب ذلك. لكن الأهمّ من هذا كله أن لديهما وجهات نظر مختلفة تماماً في ما يتعلّق بوجود أشكال الحياة الأخرى. مومو مقتنعة تماماً بوجود الأشباح، مستلهمةً جزئياً من جدّتها سايكو، التي تعمل وسيطة روحية. أمّا أوكارون، كما تُناديه مومو، فمتيقّن من وجود الكائنات الفضائية. يؤدّي هذا في البداية إلى عدد من الاختلافات في الرأي، وهما بالكاد يتفقان. لكن بعد ذلك، ينجذب الاثنان إلى العديد من المغامرات الخارقة للطبيعة التي تجعلهما يُعيدان التفكير في كل شيء وتُقرّبهما بعضهما من بعض.
هناك عدد من القصص عن شباب يُضطرون إلى التعامل مع السحر أو مخلوقات غريبة من نوع ما. وقد صدرت بالفعل العديد من الأفلام والمسلسلات عن مدارس خاصة، أو أشخاص يكتشفون قوى غير متوقّعة في داخلهم. بالطبع، هذا يُصعّب تمييز هذه الأعمال عن غيرها؛ فالتشابه كبير، والقدوة واضحة. لكن هذا لا يعني أنه مستحيل، كما يثبت مثال "دان دا دان" (Dandadan). حظيت مانغا يوكينوبو تاتسو، المستند إليها المسلسل وتضمّنت حتى الآن 17 مجلداً، بشعبية كبيرة بالفعل. والآن مع نقل المانغا إلى الشاشة الصغيرة، وصدور الموسم الثاني من المسلسل على منصتي "كرانشي رول" و"نتفليكس" في الوقت نفسه، أصبحت قصّة الشابّين اللذين يطاردان مخلوقات خارقة للطبيعة ملء السمع والبصر.
الجمع بين الأشباح والكائنات الفضائية أمرٌ غير معتاد إلى حدّ ما. رأينا كليهما مرّات عديدة بالطبع، لكن الجمع بين هذه الكائنات أمرٌ نادر. في البداية، تأتي روح الدعابة في "دان دا دان" من الشخصيتين الرئيسيتين اللتين تحاولان الإثبات لبعضهما بعضاً أن أحدهما موجود دون الآخر؛ فقط ليثبت خطأهما. الحدود بين العالمين سائلة. في إحدى الحلقات اللاحقة، مثلاً، هناك نقاش حول ما إذا كان المخلوق الأسطوري الياباني كابا - الذي يعرفه عشّاق الأنمي من فيلم "أيام الصيف مع كو" (2007، كيتشي هارا)، على سبيل المثال - قد لا يكون كائناً فضائياً أصلاً. لكن لا تتوقّع نقاشاً حقيقياً حول الموضوع. تاتسو مهتم أكثر بخلق أكثر المواقف عبثية.
في الأنمي، يُظهر الإخراج قوّته ولا يُفوّت أي إطار حرفياً، مُكرّراً تقريباً كادرات المانغا بدقّة أمينة للأصل. ومع ذلك، يجعلها تبدو كأنها لم تُشاهَد من قبل. ينطبق الأمر نفسه على تصميم الشخصيات والبيئات. وفوق كل ذلك، تلك الرؤية "البانك" اللافتة للأحداث، إذ يواجه كين ومومو أكثر الأساطير الحضرية عبثيةً بـ"قوى خارقة لاإرادية"، بينما يتناوبان على قول عبارات بطولية ونكات غرف تبديل الملابس في المدرسة الإعدادية، تنزلق بسلاسة على سجّادة من تقنيات مختلطة تُستخرج منها الإطارات الرئيسية، ويُعاد إنتاجها، ثم تحريرها، ورقمنتها بواسطة الفريق الإبداعي.
يعالج الإخراج العواطف بالعناية نفسها، وهذه نقطة قوة أخرى في المانغا، مُعطياً الوقت والمساحة المناسبين لكلٍّ من الكوميديا الرومانسية المراهقة بين "الأميرة القوية" و"الخاسر" الذي يحتلّ مكانه بقوة (ولحسن الحظ) في مشهدٍ كان يهيمن عليه سابقاً "رجال مستقيمون" لا يدركون اهتمام النساء، و"عشّاق مرتبكون" و"مهووسون لاإراديون"، إضافة إلى اللحظات المؤثرة حقاً. جانب من الثقل العاطفي يُنقل عبر مشاهد قصيرة من لقطاتٍ حيّة للمدينة، حُوِّلت بالمونتاج ذكرياتٍ مفعمة بالألم.
لعلّ "دان دا دان" مشاهدة واجبة لمحبّي الأنمي المجنون، خاصةً أن المسلسل يحمل أفكاراً أصيلة. من ناحية أخرى، هناك لحظات لطيفة غير متوقّعة، عندما يلتقي الطاقم المتنوع بعضه ببعض وتتطوّر روابط عائلية وصداقة. العمل مثير بصرياً. استديو "ساينس سارو"، الذي يُشارك دائماً في مشاريع شيّقة، قدّم هنا مسلسلاً مُقنعاً تقنياً يجرّب باستمرار. في حين يصعب التمييز بين العديد من مسلسلات الأنمي، يتميّز "دان دا دان" بمظهرٍ فريد، إلى جانب محتواه الغريب، يضمن للمشاهد ألا ينسى ما تابعه سريعاً.

Related News


