
تحت وطأة الشمس الحارقة تعمل آلاف النساء في الحقول بمختلف مناطق باكستان من أجل تأمين لقمة العيش. لكن إلى جانب حرمانهنّ من أبسط مقومات الحياة، واستغلالهنّ من قبل القطاع الزراعي وأصحاب الأراضي، يعشن تحت ضغط نفسي كبير، إذ يراودهنّ القلق الشديد إزاء وضع أطفالهنّ المحرومين من الرعاية الصحية ومن شتّى احتياجات الحياة.
وقد اقتصر نشاط عدد من المؤسسات الإنسانية على إثارة قضية العاملات وأطفالهنّ من خلال تقارير إعلامية ونشر معلومات ومعطيات بشأن معاناتهنّ وأولادهنّ. أما الحكومة المحلية في إقليم السند جنوبي البلاد، فتقوم بأعمال روتينية من توزيع بعض حصص الأدوية والطعام وبعض وسائل الحماية والوقاية من حر الصيف وبرد الشتاء.
ويشير ذوالفقار أنور، وهو ناشط اجتماعي من منطقة تهر باركر النائية في الإقليم، إلى أن المرأة في مناطق الريف بإقليم السند، لا سيما في مناطق تهر باركر وبادين والمناطق الزراعية الأخرى، تعيش حالة صعبة ومعاناة بكل معنى الكلمة. ويقول لـ"العربي الجديد" إن يوم المرأة في تلك المناطق وغيرها من مناطق الجنوب الباكستاني، خصوصاً في المناطق الريفية، يبدأ قبل بزوغ الشمس، إذ إنها تستيقظ قبل صلاة الفجر، تطهو الطعام لأولادها، ثم تُنهي مهامها قبل الساعة السابعة أو الثامنة صباحاً، ثم تخرج إلى الحقول لتعمل تحت أشعة الشمس الحارقة لساعاتٍ لا تقلّ عن ثماني ساعات بل أكثر، من دون الحصول على الطعام أو حتى على نقطة مياه باردة تمنحها القوة والقدرة على القيام بالعمل الشاق طيلة النهار، وفي كل أيام الأسبوع". ويوضح أن "آلاف العاملات في الحقول لا يتمتّعن بأي إجازة في الصيف ولا في فصل الشتاء، ولا حتى في نهاية الأسبوع أو مع بداية العام. والعجيب أنهنّ يُحرمن حتى من وجبة غداء عادية، ولا يحصلن إلا على فتات طعامٍ زهيد جدّاً".
ويأسف ذوالفقار لكون تلك العاملات، ورغم تعبهنّ الشديد، لا يحصلن على منزلتهنّ في المجتمع، ولا يلقين أي احترام أو اعتبار، فلا تتمّ استشارتهنّ في شؤون الزواج أو تغيير السكن أو حتى في عملهنّ، إنما يقرّر الرجل بمفرده مكان العمل ووقته، وعلى المرأة فقط أن تجاريه وتعمل حيثما يريد. ويتابع: "إنه أمر مؤسف جدّاً، لذا نلحظ أن أعداد الوفيات عند الولادة أكثر بكثير بين النساء في تلك المناطق مقارنة بالنساء في المدن، كذلك الإصابة بسرطان الرحم والصدر ومرض السل وأمراض السرطان المنتشرة في أوساطهنّ، في ظل غياب أي نوع من الرعاية الصحية والمستشفيات والأدوية. كما ينعدم اهتمام الحكومة والمجتمع المدني بهذه الشريحة، ويقتصر فقط على بعض الإجراءات الروتينية وعلى خطوات تُنفّذ من أجل الظهور الإعلامي بغض النظر عن مدى تحسينها واقع المرأة في تلك المناطق الفقيرة".
وفي خطوةٍ إيجابية، قرّرت الحكومة المحلية في إقليم السند إنشاء مراكز حضانة لأطفال العاملات في الحقول وفي الأعمال الشاقة بالمناطق الريفية جنوبي باكستان، بحيث يتمّ إيواء الأطفال والاهتمام بتعليمهم وتربيتهم، ورعاية صحتهم النفسية والجسدية. وقد أعلنت وزارة الشؤون النسائية في حكومة السند المحلية، في أكثر من بيان منذ بداية العام الجاري، أن الهدف من تأسيس تلك المراكز ليس فقط الاهتمام بالأطفال، بل أيضاً منح النساء نوعاً من الراحة النفسية، إذ تؤكد التقارير أن الهاجس الأكبر لديهنّ هو مستقبل وحاضر أولادهنّ. وأعلنت الوزارة أنها تعمل في الوقت الحالي على تأسيس ما بين 115 إلى 150 مركزاً في مختلف المناطق، على أن تكون هذه المراكز مرحلة تجريبية داخل المقرّات الحكومية، وتحديداً في المكاتب التابعة لوزارة الشؤون النسائية. كما ستتمّ الاستعانة بالمعاهد والجامعات المناسبة لإنشاء مثل هذه المراكز. وبعد الفترة التجريبية التي قد تستغرق سنة كاملة، قد تقرّر الحكومة افتتاح مراكز إضافية في كل المناطق الريفية في الإقليم.
وعلى الرغم من ترحيب معظم الجهات بهذه الخطوة، غير أن بعض المهتمين يتحدثون عن تحديات كبيرة مرتقبة، تماماً كما يحدث مع المشاريع الأخرى، لا سيما في مرحلة التطبيق. ويعتقدون أن الفساد المستشري لناحية صرف الميزانيات لمثل هذه المشاريع هو التحدي الأكبر، تليه إشكالية تغيّر الحكومات حيث إن أي حكومة جديدة عادة لا تواصل عادةً تنفيذ سياسات الحكومة السابقة، ما يشكل بدوره عائقاً كبيراً.
وفي سياقٍ متصل، ترى الناشطة في مجال حقوق النساء فريحه جيلاني إنها خطوة جيدة، وهناك الكثير من القرارات المفيدة التي تمّ إعلانها فيما مضى، لكن مع الأسف لم يتم تطبيقها أو فشلت على مرّ الزمن وتم نسيانها ووقف العمل بها. وتقول لـ"العربي الجديد": "يحدث هذا غالباً بحق كل القرارات التي لا يكون خلفها مَن يدافع عنها، خصوصاً الجهات السياسية، ونعرف أن المناطق الريفية في الإقليم منسية تماماً، كما أن شريحة النساء في تلك المناطق لا تهتمّ بها الحكومات ولا الجهات التي تدّعي أنها تُعنى بحقوق المرأة، في حين أنها تتاجر بقضيتها". وتوضح الناشطة أن "خطة الحكومة يبدو اتُّخذت على عجل من دون دراسة دقيقة، وهذا ما تكشفه قضية المراكز المذكورة التي ستواجه الكثير من التحديات في المستقبل".

Related News

