
سجّل المرصد الاجتماعي التونسي تصاعداً في حالات الانتحار والعنف في خلال النصف الأول من العام الجاري، وقد مثّل الشبّان والكهول 70% من الحالات المرصودة. وأوضح المرصد، في تقرير صادر اليوم الاثنين أنّه رصد 65 حالة انتحار ومحاولة انتحار في تونس في الأشهر الستّة الأولى من عام 2025.
ومثّلت الفئة المنتجة والنشطة من المجتمع في تونس النسبة الكبرى من الأشخاص الذين أقدموا على إيذاء أنفسهم أو حاولوا ذلك، في حين بلغ عدد الأطفال من بين هؤلاء 17 طفلاً وعدد كبار السنّ ثلاثة فقط. أضاف المرصد الاجتماعي التونسي أنّ مكان السكن شكّل الإطار الأساسي لتنفيذ عمليات الانتحار أو لإيذاء النفس، في حين عمد أشخاص آخرون إلى التوجّه نحو الفضاء العام للقيام بذلك، على سبيل المثال أمام المقار الأمنية أو في المحاكم أو في المؤسسات التعليمية أو القرى.
وفي ما يتعلّق بالتقسيم بحسب الجنس، فقد وقعت 16 حالة انتحار ومحاولة انتحار بين النساء، بحسب ما بيّن فريق عمل المرصد، و49 حالة ومحاولة بين الرجال. يُذكر أنّ المرصد الاجتماعي التونسي هيكل أطلقه المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في عام 2013، بهدف رصد الحركات الاجتماعية ومتابعتها ومساعدتها على بلورة بدائلها، بحسب التعريف الوارد على موقعه الرسمي.
في هذا الإطار، يقول المتحدّث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر لـ"العربي الجديد" إنّ "الإقدام على الانتحار أو محاولة الانتحار، عبر مختلف الوسائل، تعبير عن انعدام الأفق لدى المنفّذ"، مشيراً إلى أنّ "تزايد المستويات بين الشبّان يُعَدّ جرس إنذار". يضيف بن عمر أنّ "الأزمة الاقتصادية وكذلك الاجتماعية تعمّقان الإحساس بالعجز الذي يُترجَم على شكل هشاشة نفسية قد تنتهي بالإقدام على الانتحار بصمت في فضاء السكن أو بطريقة مشهدية في الفضاء العام". ويُتابع أن "في كلتا الحالتَين، يبقى الإقدام على الانتحار أو المحاولة مؤشّرَين إلى وضع خاص أو عام يشوبه التوتّر ويستدعي التوقّف عند أسبابه ومعالجته".
وتكشف خريطة حالات الانتحار المرصودة من قبل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ المحافظات الأقلّ تنمية التي ترتفع فيها نسب الفقر والبطالة تصدّرت الجهات التي سُجّلت فيها حالات ومحاولات الانتحار.
وقد شهدت ولاية القيروان في وسط شرق تونس العدد الأكبر من حالات ومحاولات الانتحار مع 14 حالة ومحاولة، تلتها ولاية نابل (شمال شرق) مع تسع حالات ومحاولات، وولاية تونس (شمال شرق) مع ثمانٍ، ثمّ ولاية بنزرت (شمال) مع سبعٍ، وولاية سيدي بوزيد (وسط) مع خمسٍ. كذلك سجّلت كلّ من ولاية القصرين (وسط غرب) وولاية قبلي (جنوب غرب) وقفصة (وسط) ثلاث حالات ومحاولات انتحار، فيما شهدت كلّ من ولاية الكاف (شمال غرب) وولاية صفاقس (وسط) اثنتَين.
في موازاة ذلك، سجّل تقرير المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، المستند إلى ما خلصت إليه فرق المرصد الاجتماعي التونسي، أنّ منحى تصاعدياً رُصد في مختلف أنواع العنف منذ بداية عام 2025 وحتى نهاية يونيو/ حزيران منه. وقال المنتدى إنّ الهشاشة الاقتصادية وكذلك الاجتماعية الناجمتَين عن البطالة والفقر وغلاء المعيشة تسبّبتا في تصاعد وتيرة الغضب المجتمعي، كذلك أدّى ضعف الدولة في فرض القانون إلى تزايد مظاهر وحالات الإفلات من العقاب.
وتُظهر الأرقام التي نشرها المرصد أنّ جرائم القتل مثّلت 26.8% من حالات العنف المرصودة، وأنّ أكثر من 91% من مرتكبي العنف هم من الرجال، فيما كان الشارع المسرح الرئيسي لمجمل حالات العنف مع نسبة 61.8%.
ويرى المتحدّث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أنّ "حالات العنف تعكس هيمنة للعنف الذي يتحمّل مسؤوليه الذكور بصورة أساسية، والذي يأتي في حالات كثيرة بشكل عنف ممسرح هدفه التخويف والانتقام ويطاول النساء والأطفال خصوصاً، ويتوزّع ما بين عنف جسدي ولفظي ونفسي". ويمثّل العنف الإجرامي 95.8% من الحالات المرصودة، ويتوزّع ما بين محاولات قتل واعتراض وعمليات سرقة وتحويل وجهة واغتصاب. ويشرح بن عمر أنّ "حالات العنف لا تتوقّف عند الاعتداء المادي ولا الجسدي، بل تتوسّع كذلك لتشمل العنف السيبراني الذي ما فتئ يتمدّد".
ويؤكد تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ العنف في تونس ليس ظاهرة معزولة، إنّما هو نتاج أزمة مركّبة تجمع ما بين الاقتصادي والاجتماعي والتربوي يقابلها ضعف في السياسات العامة الوقائية أو الردعية.

Related News


