مصر: البرلمان يضع نظاماً تعليمياً برأسين ثانوية عامة و"بكالوريا"
Arab
6 days ago
share

وافق مجلس النواب المصري من حيث المبدأ، اليوم الاثنين، على تعديل قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981، ليضع نظاماً تعليمياً جديداً، لشهادة الثانوية العامة، مدته ثلاث سنوات، باسم "شهادة البكالوريا"، وذلك اعتباراً من العام الدراسي المقبل 2025-2026 للتلاميذ الملتحقين بالصف الأول الثانوي. وأدخلت لجنة التعليم في البرلمان تعديلات محدودة على مشروع القانون المقدم من الحكومة، بعد أخذ موافقتها، شملت بالنص صراحة على تطبيق نظام البكالوريا بدلاً من ذكره في المذكرة الإيضاحية للحكومة، بهدف تمكين التلاميذ من اختيار الالتحاق بأي من نظامي الثانوية العامة أو البكالوريا، والتأكيد بأن نظام البكالوريا اختياري، ومدته ثلاث سنوات.

تخفيض عدد المواد الدراسية إلى 6 مواد أساسية، بالإضافة إلى مادة التربية الدينية، في النظام الجديد

شددت اللجنة على عدم المساس بنظام الثانوية العامة الحالي، بحيث تكون جميع الأنظمة اختيارية أمام التلاميذ، إلى جانب تخفيض الرسوم الواردة في مشروع القانون، ووضع حد أقصى لها، وتخصيص نسبة مئوية لأعمال السنة لا تتجاوز 20% للتلاميذ في نهاية مرحلة التعليم الأساسي، بما يضمن القضاء على ظاهرة عدم حضورهم في المدارس. ووافقت اللجنة على حذف بعض النصوص الواردة من الحكومة على القانون القائم، والتي أثارت إشكاليات دستورية وقانونية. وفي المقابل، أبقت على بعض المواد التي ارتأت الحكومة حذفها لتلافي شبهة عدم الدستورية، بحجة تضمنت أحكاماً تفصيلية هامة استقرت عليها الأنظمة التعليمية.

وتوافقت اللجنة، بالاتفاق مع الحكومة، على تقليص صلاحيات السلطة التنفيذية في زيادة الرسوم المقررة للامتحان للمرات التالية، وقبول التلاميذ في الجامعات ارتباطاً بأعداد المتقدمين منهم بكل نظام من أنظمة التعليم الثانوي، بما يضمن المساواة وتكافؤ الفرص بينهم، لا سيما طلاب نظامي الثانوية العامة والبكالوريا الجديد.

وبرر وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، في كلمته أمام البرلمان، القانون بأنه استحدث نظام البكالوريا في المرحلة الثانوية يعد خطوة فارقة في التعليم المصري، تستهدف مواجهة ما يمثله نظام الثانوية العامة من عبء مادي ومعنوي على الأسرة المصرية. وأضاف عبد اللطيف أن النظام الجديد يمثل فرصة حقيقية للتلاميذ، لما يتضمنه من مرونة في اختيار الكليات، مشيراً إلى التزام الوزارة بمبدأ تكافؤ الفرص والشفافية عند مواد تطبيق القانون. وذكر أن مدارس الوزارة جاهزة لتطبيق نظام البكالوريا بديلاً للثانوية العامة، موضحاً أن الخلاف بين النظامين يبدأ من الصف الثاني الثانوي، باعتبار أن نظام الثانوية قائم على امتحان الفرصة الواحدة، وهو "نظام قاس" على التلاميذ والأسر، لأنه يحدد المستقبل المهني للطلاب بناءً على نتيجة اختبار واحد.

البياضي: مشروع القانون يتضمن عيوباً جوهرية لا يمكن تجاهلها، ويضرب مبدأ مجانية التعليم المنصوص عليه في المادة 19 من الدستور المصري

وأشار عبد اللطيف إلى دراسة الوزارة مختلف النماذج التعليمية الدولية، بالتعاون مع 120 خبيراً من كليات التربية، لبحث أفضل 20 نظاماً تعليمياً في الدول المتقدمة، ولم تجد أي نظام يعتمد على الفرصة الواحدة فقط، بل منح الطلاب فرصاً متعددة لتحسين نتائجهم، وتحديد مسارهم المستقبلي بحرية. منوهاً إلى تخفيض عدد المواد الدراسية إلى ست مواد أساسية، بالإضافة إلى مادة التربية الدينية، في النظام الجديد، وهو ما يمنح التلميذ فرصاً متعددة للتحسين، ويخفف من الضغط المرتبط بامتحانات الثانوية العامة.

انتقادات لمشروع الثانوية العامة

وسجل بعض النواب رفضهم مشروع القانون، ومن بينهم فريدي البياضي، نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي، الذي حذر من العواقب الخطيرة لتمرير تعديلات قانون التعليم من دون مناقشات مستفيضة، كونها تؤثر سلباً على مبدأ العدالة الاجتماعية، وجودة التعليم في مصر. مضيفاً أن قانون التعليم حساس ومصيري، ومن غير المقبول إرساله من الحكومة والموافقة عليه نهائياً في أقل من أسبوع، مستطرداً، أن ما يحدث في أروقة مجلس النواب "عبث تشريعي"، يهدد استقرار منظومة التعليم، وكان من الأولى أن يناقش القانون ضمن حوار مجتمعي شامل يضم المعلمين، وأولياء الأمور، وخبراء التعليم.

وتابع أن مشروع القانون يتضمن عيوباً جوهرية لا يمكن تجاهلها، ويضرب مبدأ مجانية التعليم المنصوص عليه في المادة 19 من الدستور المصري في مقتل، إذ يفرض رسوماً في حالة إعادة الامتحانات تصل إلى 2000 جنيه، وهو ما يهدد بزيادة معدلات التسرب من التعليم، وخلق تمييز طبقي بين المواطنين. منتقداً رفع نسبة النجاح في مادة التربية الدينية إلى 70%، من دون مراعاة نقص المعلمين المتخصصين، وضعف المناهج، والتفاوت بين الأديان والطوائف، مضيفاً أن التلاميذ سيتوجهون إلى الدروس الخصوصية، أو يلجأون إلى الغش، حتى يمكنهم الحصول على درجة عالية تضمن نجاحهم.

وأشار إلى منح صلاحيات واسعة لوزير التعليم في تحديد الرسوم، وشروط القبول، والمعايير الأكاديمية، من دون رقابة برلمانية أو ضمانات تشريعية، إضافة إلى فتح الباب أمام البرامج المهنية المدفوعة داخل المدارس من دون ضوابط كافية لضمان الجودة، أو اعتماد رسمي، الأمر الذي يحول التعليم في مصر إلى سلعة. معلقاً على رغبة الوزارة في تهميش بعض المواد الأساسية مثل اللغة الأجنبية الثانية، والجيولوجيا، والفلسفة، والتاريخ، وهي مواد هامة لأي منظومة تعليم حديثة، ولا يمكن الاستغناء عنها بهذه السهولة، لأنها تسهم في بناء الهوية الثقافية والفكرية والإنسانية في أي مجتمع.

تحويل التعليم إلى سلعة

من جهته، قال النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، إن التعليم تحول إلى سلعة، وأصبحت الدولة المصرية طاردة للعلم والعلماء، وجاذبة لكل "راقصة" ترغب في الشهرة. وأمام اعتراض عدد من النواب على ما ذكره إمام، قرر رئيس المجلس، حنفي جبالي، حذف الجملة الأخيرة من مضبطة الجلسة. واستطرد إمام بقوله إن المشكلة الكبرى تتمثل في تحول التعليم في مصر من حق دستوري إلى سلعة لمن يدفع أكثر، فالمواطن بات يدفع قيمة كل الخدمات من دون دعم من الحكومة، مثل استهلاك الكهرباء والغاز الطبيعي ومياه الشرب، علاوة على ما حدث في السكن بتمرير البرلمان قانون الإيجارات السكنية القديم، الذي نص على إخلائها من السكان بمرور سبع سنوات.

وأكمل "إمام" أن الجميع كان يتعلم في مدارس حكومية واحدة، واليوم تمتلك الوزارة سبعة أنواع من مدارس، كل نوع منها بمصاريف دراسية مختلفة عن الآخر، فضلاً عن أن الوزير نفسه قادم من القطاع الخاص، ويسعى إلى القضاء على مجانية التعليم بالمخالفة لأحكام الدستور.

وأثار اختيار وزير التعليم الحالي، في يوليو/تموز من العام الماضي، حالة من الغضب بين قطاعات واسعة من المصريين، لأنه قادم من قلب القطاع الخاص في مجال التعليم، بما يكشف عن توجهات الحكومة نحو خصخصة هذا القطاع المهم، وإلغاء ما يعرف بـ"مجانية التعليم" المنصوص عليها في الدستور بصورة تدريجية.

ما هي شهادة البكالوريا؟

وبدلاً من نظام الشعبتين الأدبية والعلمية (علوم/رياضة) المعمول به حالياً في الثانوية المصرية، تتضمن شهادة البكالوريا أربعة تخصصات، هي: الطب وعلوم الحياة، والهندسة وعلوم الحاسب، والآداب والفنون، والأعمال. ولكل تخصص منها مسار يشمل الكليات التي يتأهل التلاميذ للالتحاق بها في المرحلة الجامعية. وتتكون شهادة البكالوريا من مرحلتين: الأولى تمهيدية ممثلة بالصف الأول الثانوي، وتشمل عدداً من المواد الأساسية المضافة إلى المجموع الكلي، وهي التربية الدينية، واللغة العربية، والتاريخ المصري، والرياضيات، والعلوم المتكاملة، والفلسفة والمنطق، واللغة الأجنبية الأولى، بالإضافة إلى مادتين خارج المجموع، هما اللغة الأجنبية الثانية، والبرمجة وعلوم الحاسب. أما المرحلة الثانية (الرئيسية) فتشمل الصفين الثاني والثالث الثانوي، وتتضمن في الصف الثاني المواد الأساسية في جميع التخصصات، وهي اللغة العربية، والتاريخ المصري، واللغة الأجنبية الأولى، فضلاً عن المواد التخصصية التي يختار منها التلميذ مادة واحدة، وهي الطب وعلوم الحياة (الرياضيات – الفيزياء)، والهندسة وعلوم الحساب (الرياضيات مستوى رفيع – الفيزياء مستوى رفيع)، والأعمال (الاقتصاد مستوى رفيع – الرياضيات)، والآداب والفنون (جغرافيا مستوى رفيع – إحصاء).

منحت تعديلات القانون وزير التعليم الحق في إعادة الدراسة لمن رسب فيها، ويشمل ذلك الصفوف والمواد المسموح بالإعادة فيها، وعدد مرات الإعادة

ويرى خبراء أن إتاحة امتحانات الثانوية العامة للتلاميذ بفرصتين في كل عام دراسي، خلال شهري مايو/أيار ويوليو/تموز لمواد الصف الثاني الثانوي، ويونيو/حزيران وأغسطس/آب لمواد الصف الثالث، يتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم، إذ يمتلك التلميذ القادر مادياً الفرصة لتحسين درجته بدخول الامتحان أكثر من مرة، مقابل فرصة وحيدة مجانية لأبناء الطبقة الدنيا في المجتمع.

ومنحت تعديلات القانون وزير التعليم الحق في إعادة الدراسة لمن رسب فيها، ويشمل ذلك الصفوف والمواد المسموح بالإعادة فيها، وعدد مرات الإعادة، بما لا يقل عن مرة في السنة، ومرتين في المرحلة الدراسية، وتحديد مواعيد الامتحانات ورسوم التقدم لها، بحيث لا تقل عن 200 جنيه، ولا تزيد على 2000 جنيه، بينما كانت الرسوم في القانون القائم لا تقل عن عشرة جنيهات، ولا تزيد على 20 جنيهاً.

وأعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية معارضتها مشروع تعديل قانون التعليم، الذي أحيل إلى البرلمان قبل أيام فقط من انتهاء دور الانعقاد الحالي، من دون حوار مجتمعي جاد أو دراسة لتداعياته على ملايين الأسر المصرية. واعتبرت المبادرة أن التعديلات تكرس اللامساواة والتمييز الطبقي، وتزيد الأعباء على كاهل الأسر، وهي عوامل تهدر أهداف ورسالة التعليم التي ضمنها الدستور المصري، وأكدت الحكومة نفسها عليها في "الاستراتيجية الوطنية للتعليم والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان".

وأعطت المادة التاسعة من القانون الحق لوزير التربية والتعليم في إنشاء مدارس تجريبية، أو برامج متخصصة داخل المدارس الرسمية، والترخيص بها في المدارس الخاصة، ما يفتح الباب أمام إنشاء برامج وأنظمة تعليمية أخرى، ويعزز عدم المساواة في تقديم الخدمة التعليمية للتلاميذ.

وبينت المبادرة أن فرض مصاريف إضافية للتسجيل وأخرى لإعادة الامتحانات، في ظل نسب الفقر العالية بين المصريين، يجعل البرامج الجديدة منحصرة في فئات معينة قادرة على تحمل تكاليفها، بما يزيد فجوة عدم المساواة بين التلاميذ القادرين على تحمل التكاليف وغير القادرين مادياً. ووفقاً لبحث الدخل والإنفاق الصادر عن جهاز التعبئة والإحصاء الحكومي، فإن نصيب العُشر الأعلى من التلاميذ في الأسر الأعلى دخلاً من الإنفاق على التعليم بلغ أكثر من 22 ضعف نصيب العُشر الأقل من حيث الدخل والإنفاق.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows