
تتواصل حرائق مدمرة في غابات ريف محافظة اللاذقية السورية وأحراجه، بينما تشتعل حرائق أصغر في إدلب وحماة، وتستمر فرق الإطفاء والدفاع المدني في محاصرة الحرائق مع دعم من الأردن وتركيا.
تواجه محافظة اللاذقية على الساحل الغربي السوري منذ بداية شهر يوليو/تموز، واحدة من أسوأ الكوارث البيئية منذ عقود، حيث تشتعل سلسلة حرائق كبيرة في مناطق حرجية وزراعية، وامتدت الحرائق بفعل الرياح والجفاف إلى مناطق أخرى، وأدت إلى تدمير مساحات شاسعة من الغابات، وعدد من القرى، ونزوح الآلاف.
بدأت الحرائق في مناطق جبل التركمان ووادي القسطل وبلدة معاف في أقصى شمال اللاذقية بالقرب من الحدود السورية مع تركيا، وسرعان ما انتشرت إلى محيط القرى الجبلية والساحلية، في وقت تعاني فيه المنطقة من جفاف شديد بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة.
وفي أحدث أرقام الخسائر المتعلقة بالحرائق، قال وزير الطوارئ والكوارث السوري، رائد الصالح، إن الوضع في اللاذقية مأساوي، وإن مئات آلاف الأشجار الحرجية على نحو 10 آلاف هكتار في 28 موقعاً باتت رماداً. مؤكداً أنه "لم تسجل أي خسائر بشرية بين المدنيين أو المتطوعين، لكن سجلت إصابات بحالات اختناق وإجهاد، وحالات نزوح لعائلات من القرى المتضررة. نأسف ونحزن على كل شجرة احترقت، والتي كانت مصدر هواء نقي لنا".
بدوره، أكد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سورية، آدم عبد المولى، أن الحرائق أجبرت مئات العائلات على الفرار من منازلها، ودمرت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والبنية التحتية، وأضاف أن فرق الأمم المتحدة تجري تقييمات عاجلة لتحديد حجم الكارثة، وتحديد الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً.
ويتعامل الدفاع المدني وفرق الإطفاء مع حرائق يتجاوز قطرها 20 كيلومتراً، في مناطق وعرة وصعبة التضاريس، وتزيد سرعة الرياح من صعوبة التعامل معها بسبب انتقالها من منطقة إلى أخرى، من أبرزها جبال رأس البسيط، ومحيط منطقة كسب الحدودية.
يقول المتطوع في الدفاع المدني، غسان شيخاني، لـ"العربي الجديد": "هذه الحرائق الأوسع والأكثر تأثيراً التي تشهدها المنطقة. مساحات شاسعة من جبل التركمان الأغنى تنوعاً بالأشجار الحرجية تحولت إلى رماد، كما طاولت الحرائق عدة قرى، أبرزها قسطل معاف، والميدان، ومزرعة القلعة، وزنزف، وجالقمالي، وقنطرة، وأتت الحرائق على محميات طبيعية، مثل محمية الفرنلق التي تضم أشجار الشوح والأرز، والتي كانت مقصداً سياحياً هاماً، وموطنا للكثير من الحيوانات البرية".
وأدت الحرائق المشتعلة في ريف اللاذقية الشمالي إلى قطع المياه عن قرابة 25 قرية. وقال مدير المكتب الإعلامي لمؤسسة مياه الشرب في اللاذقية، مصطفى ديرك، إن "الحرائق تسببت بخروج أربع محطات ضخ رئيسية من الخدمة، وهي تغذي 25 قرية تعتمد على هذه المحطات في تأمين مياه الشرب".
وأعلنت وزارة الطوارئ السورية تشكيل غرفة عمليات لمواجهة الحرائق، وأعلنت الوزارة مشاركة 80 فريقاً إطفاء وإنقاذ، و160 آلية إطفاء و12 آلية هندسية ثقيلة، مع دعم واسع من الأهالي المتطوعين. وأعلنت الأردن، الأحد الماضي، إرسال 20 آلية إطفاء و71 عنصراً ومشاركة طائرات من سلاح الجو الأردني في جهود إطفاء الحرائق. كما استجابت تركيا لطلبات المساعدة، وأرسلت يوم السبت الماضي، 20 آلية و12 فريق إطفاء، إضافة إلى مروحيات للمساندة الجوية.
ويؤكد المتطوع غسان شيخاني أن "هناك صعوبات كبيرة تواجه الفرق العاملة، أبرزها وعورة التضاريس، وقرب النيران من مخلفات حربية وألغام قديمة، كما أن الرياح المتقلبة وسرعتها تعيد إشعال النقاط المطفأة، ومعظم الآليات المستخدمة، لاسيما في بداية جهود إطفاء الحريق كانت قديمة، وغير مجهزة للتعامل مع حرائق بهذا الحجم والانتشار".
من مدينة اللاذقية، يقول ياسر أبو كف، لـ"العربي الجديد"، إنه خسر منزله وأرضه الزراعية في قرية قسطل معاف، والتي تقدر قيمتها بأكثر من 60 ألف دولار. ويسأل: "من سيعوضني عن هذه الخسائر؟ كان المنزل والأرض هما المتنفس الذي ألجأ إليه للهروب من زحام المدينة، والآن ضاع كل شيء".
قبل أيام فقط، عاد النازح أحمد قره علي (47 سنة) مع عائلته من اليمضية قرب الحدود السورية التركية إلى قريته القنطرة في جبل التركمان، بعد أن أعاد تأهيل منزله المدمر من جراء قصف قوات النظام السوري السابق. لكن الحرائق أدت إلى تضرر منزله، ما اضطره إلى العيش في خيمة نزوح مجدداً.
ويقول المتطوع في الدفاع المدني، عمارة بحري: "نحزن كثيراً على الخسائر الضخمة في الغطاء النباتي بريف اللاذقية نتيجة حرائق الغابات المستمرة، وكل دقيقة مهمة خلال عمل رجال الإطفاء الذين يواصلون مكافحة ألسنة اللهب متحدين معوقات من بينها إمكانية انفجار مخلفات الحرب، والتضاريس الجبلية القاسية، والوديان العميقة، والرياح القوية، والحرارة المرتفعة".
وبالتزامن مع حرائق الساحل السوري، سيطرت فرق الإطفاء في الدفاع المدني على حرائق حرجية اندلعت في منطقة عين بندق بناحية بكسريا بريف إدلب الغربي، بعد نحو 15 ساعة من العمل المتواصل، وبمشاركة 7 فرق إطفاء، وتتواصل عمليات التبريد والرصد لمنع تجدد اشتعال النيران.
وأعرب الدفاع المدني السوري عن مخاوفه بشأن وجود ذخائر غير منفجرة في مناطق حرائق الغابات من مخلفات الحرب الأهلية في البلاد، والتي استمرت قرابة 14 عاماً، وكشف في بيان عن تهديد مخلفات الحرب سلامة رجال الإطفاء، وضرب مثالاً بتضرر عمليات إخماد حريق حرجي ضخم اندلع في محيط قرية فورو في الجبال المطلة على سهل الغاب بريف حماة، أمس الأول الأحد، قبل التمكن من السيطرة عليه وتبريد المكان.
ومع انتشار الحرائق في مناطق مختلفة، وانتقالها إلى محافظات أخرى، ظهرت اتهامات من أطراف مختلفة حول كون الحرائق مفتعلة، إذ يتهم قسم من السوريين من يسمونهم "فلول النظام السابق" بإشعال الحرائق لزعزعة الوضع الأمني والمعيشي.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي بياناً يتبنى فيه تنظيم يطلق على نفسه اسم "أنصار السنة"، ويزعم أنه وراء إشعال هذه الحرائق للانتقام ممن وصفهم بالسوريين "العلويين". وسبق لهذا الفصيل نفسه تبنى تفجير كنيسة مار إلياس في العاصمة دمشق، لكن وزارة الداخلية أكدت حينها، أن التفجير من صنع تنظيم "داعش"، وأعلنت القبض على متورطين.
ويشكك كثير من السوريين في بيان التنظيم المزعوم، لاسيما أن الحرائق ليست في مناطق العلويين، وإنما طاولت الجبال والقرى التي كانت ملاذاً للمعارضة السورية خلال السنوات الأخيرة.
من ريف اللاذقية، يقول المهندس الزراعي خالد حداد، لـ"العربي الجديد"، إن "آثار الحرائق ستكون كارثية على الجانب البيئي والزراعي والاقتصادي، وحتى السياحي. غابات اللاذقية تشكل ما يزيد عن 30% من مساحة الغابات في سورية، وهي تحوي محميات طبيعية متنوعة، وفيها أشجار عمرها مئات السنين من السنديان والسرو والصنوبر والشوح والأرز وغيرها، وقد خسرنا في هذه الحرائق ثروة لا تقدر بمال، ونحتاج إلى عشرات السنين لتعود هذه الغابات في حال لم يتواصل الجفاف".
ويوضح حداد أن "تكرار الحرائق يعود إلى أسباب عديدة، أبرزها انحباس المطر، وارتفاع درجات الحرارة، وإهمال هذه الغابات، وعدم شق طرق للتعامل مع الحرائق، فضلاً عن الانتشار الكبير لمخلفات الحرب، من ألغام وقذائف، ما يحول تلك الغابات إلى قنابل موقوتة. لا يمكن أيضاً استبعاد أن تكون هذه الحرائق مفتعلة، لاسيما أن سورية تضم الكثير من الجهات والأطراف المتناحرة".
ومع استمرار الكارثة، دعا "البرنامج السوري للتغير المناخي" إلى إعلان حالة طوارئ بيئية بسبب الحرائق الضخمة في ريف اللاذقية، مشيراً إلى اندلاع أكثر من 3000 حريق خلال الأشهر القليلة الماضية. وحذر في بيان، من أن "الكارثة التي تواجهها سورية ليست عابرة، بل إنذار حقيقي لما سيأتي في ظل تغير مناخي عالمي لا يرحم، وعلى المؤسسات والأفراد تحمل المسؤولية البيئية والمجتمعية، والتكاتف في وجه هذا التهديد الذي لا يفرق بين منطقة وأخرى".

Related News


