"غوغل" والذكاء الاصطناعي والحرب على الانتباه
Arab
6 days ago
share

حافظ محرك البحث غوغل لسنوات على هيمنته على سوق محركات البحث، واكتسح المنافسين، إلى حد تحول اسم "غوغل" إلى فعل يشير إلى عملية البحث عبر الإنترنت. لكن، هذا العام، شهد "غوغل" انخفاضاً ضئيلاً في حصته بالسوق، قد يبدو غير جدير بالذكر، لكنه يعني نحو 50 مليون مستخدم.

هذا الانخفاض يمكن أن يُعزى إلى الذكاء الاصطناعي، بصورة أدق تطبيقات كـ"تشات جي بي تي" التي أصبح كثيرون يعتمدون عليها لإنجاز عمليات البحث، عبر طرح سؤال، والحصول على الإجابة مباشرة، من دون الحاجة إلى البحث في صفحات "غوغل" وانتقاء النتيجة الأنسب، أي تحولت عملية البحث من انتقاء النتيجة الأفضل، إلى "حوار" مع الذكاء الاصطناعي الذي يقدم الإجابة جاهزة.

في محاولة من "غوغل" لتجاوز "المنافسة"، طرحت ما سمته "ملخصات البحث"، أي عند البحث عن شيء ما، لا يظهر فقط الرابط، بل أيضاً ملخص عن محتواه، الأمر الذي أثار غضب كثير من العاملين في منصات الأخبار والنشر بأنواعها. السبب بسيط: لم يعد المُستخدم مضطراً إلى النقر على الرابط ودخول الموقع لقراءة محتواه، بل يكتفي بقراءة الملخص، ما يعني خسارة لكثير من المنصات التي تحسب أرباحها بتراكم النقرات على الرابط ودخول الموقع.

هذا الضرر الذي وقع على كثيرين، توّج بشكوى رفعها الاتحاد الأوروبي ضد "غوغل" من خلال "اتحاد الناشرين المستقلين"، تطالب بإجراء يحميهم من الخسائر المتوقعة نتيجة الميزة الجديدة التي طرحها محرك البحث، ويتهمه الاتحاد بـ"إساءة استخدام مكانته في السوق"، خصوصاً أن الملخصات يولدها غوغل نفسه، ليس الناشر أو المنصة، ما يهدد "المحتوى الأصيل لهذه المنصات".

في هذا السياق، رد متحدث باسم "غوغل"، قائلاً: "تجربة الذكاء الاصطناعي الجديدة في أثناء البحث تتيح للناس أن يطرحوا أسئلة أكثر، ما يعني المزيد من الفرص للمحتوى والشركات كي تظهر في نتائج البحث".

الشكوى، إذن، تستهدف استراتيجيتين تبنتهما "غوغل": الأولى استخدام المحتوى الأصيل للمواقع من دون تقديم مقابل مادي، وحرمان المنصات والناشرين الحصول على "النقرات" التي تعادل الربح، وربما هذه بالضبط مشكلة الذكاء الاصطناعي التي طرحها الفنانون والمصممون سابقاً؛ ما ينتجونه يُستخدم ويُتبادل من دون إذنهم وبلا مقابل مادي، والأهم يحرمهم هم أنفسهم القدرة على عرض أعمالهم، التي تضيع بين نُسخ الذكاء الاصطناعي المتعددة، وهنا يمكن قراءة الشكوى بوصفها محاولة لإعادة الجهد البشري إلى الواجهة، والوقوف بوجه المحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعيّ، ويُغرق "الإنترنت" يوماً بعد يوم.

تُحيلنا تفاصيل الشكوى والمنافسة بين "غوغل" و"تشات جي بي تي" إلى معالم جديدة من الحرب على "الانتباه"، ومحاولة كسبها عبر تركيز "انتباه" المستخدم وجذبه نحو نماذج جديدة من البحث، ونماذج مختصرة وخالية من العنصر البشري؛ فعوضاً عن "النقر" على كل موقع وقراءة محتواه وتقييمه، المعركة الآن تبدأ عند "التصفح" نفسه، وساحتها تتمثّل بملخصات يولّدها الذكاء الاصطناعي. وهذا ربما ما يُسهم في تسطيح عملية القراءة أكثر، وجعلها أقل جدية، في ميل نحو جذب الانتباه على حساب الفهم والقراءة العميقة.

هذه المعركة على الانتباه خلقت نوعاً جديداً من مستخدمي الإنترنت، أولئك الذين "يحاورون" الذكاء الاصطناعي للحصول على الأجوبة التي يريدونها، عوضاً عن القرّاء والقرّاء المحترفين الذين يسبر الواحد منهم المادة المنشورة والسياسات حول نشرها  في أثناء القراءة وتقييم المحتوى.

هكذا، نحن أمام صراع بين نموذجين من "الملخصات" التي يولدها الذكاء الاصطناعي، الأولى من "غوغل"، والثانية من "تشات جي بي تي"، وكلاهما ليس أصيلاً، بمعنى لا يقوم أحدهما على الجهد البشري، بل على قدرة الآلة على "الاختزال" و"التلخيص"، أما القارئ/المستخدم، فيبتعد أكثر عن الأصل، نحو ملخصات عن ملخصات عن ملخصات، تضيع فيها "المعلومة" ومصدرها بين نتائج البحث.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows