
بينما تتجه الأنظار نحو تداعيات قانون الضرائب والإنفاق الذي وقعه الرئيس دونالد ترامب في ذكرى الاستقلال، على القطاعات الأكثر تضرراً مثل الرعاية الصحية، تبرز جوانب أخرى تمس مباشرة تفاصيل الإنفاق والمعيشة للمواطن الأميركي لم تنل نصيبها الكافي من التحليل، منها اقتناء سيارة، أو امتلاك منزل. فالقانون الجديد يكشف عن منظومة حوافز ضريبية معقدة ومصممة بعناية لتعيد ترتيب سوقي السيارات والعقارات، بحيث تخرج منها الفئات الأقل دخلاً بخيارات محدودة، بينما تستفيد منها طبقات ومجموعات بعينها، تحديداً من يملكون القدرة على التمويل، والادخار، والتوسع الاستثماري.
وتظهر بيانات معهد الضرائب والسياسة الاقتصادية (مركز بحثي مستقل مقره واشنطن تم تأسيسه 1981) أن أغنى 5% سيحصلون وحدهم على 44% من إجمالي التخفيضات الضريبية المقررة في مشروع موازنة ترامب الجديد، بينما ستحصل الشريحة الأفقر 20% على 1% فقط منها، وهو ما يعني انعدام العدالة الاجتماعية في توزيع المنافع، فكلما ارتفع السلم الطبقي زاد نصيب الفرد من ثمار القانون، وكلما انخفض الدخل قل نصيبه، بل ربما أصبح سالباً.
وقف حوافز السيارات الكهربائية
ينهي القانون، اعتباراً من 30 سبتمبر/أيلول المقبل، العمل بالحوافز الفيدرالية الممنوحة لمشتري السيارات الكهربائية، والتي كانت توفر ما يصل إلى 7500 دولار للسيارات الجديدة و4000 دولار للمستعملة. كما تقرر إنهاء إعفاءات تركيب محطات الشحن المنزلية بحلول يونيو/حزيران 2026، بدلاً من تمديدها حتى عام 2032 كما كان مخططاً.
وسيكون أثر هذا التعديل مباشراً على شركات مثل تسلا المملوكة للملياردير إيلون ماسك، أحد أبرز المعارضين للقانون الجديد، والتي استفادت لسنوات من هذه الحوافز في تحفيز الطلب على مركباتها، بخاصة مع ارتفاع أسعارها. ويأتي هذا القرار في وقت توترت فيه العلاقة علناً بين ترامب وماسك، ما أثار تساؤلات حول الخلفيات السياسية لهذا البند.
في المقابل، منح القانون امتيازاً ضريبياً جديداً لمن يشتري سيارات مصنعة محلياً بين العامين 2025 و2028، إذ يسمح لهم بخصم ما يصل إلى 10 آلاف دولار من فوائد قروض السيارات من الدخل الخاضع للضريبة، مع تطبيق سقف تدريجي ينخفض كلما تجاوز دخل المشتري حاجز 100 ألف دولار. لكن، حتى هذا الامتياز لا يخدم المشترين من ذوي الدخل المنخفض، الذين غالباً لا يحصلون على قروض كبيرة، أو لا تتجاوز قيمة فوائدهم مبلغ الخصم. كما أنّ خصم الفوائد لا يكون بالأثر المالي المباشر نفسه، كالائتمان الضريبي النقدي الملغى.
خصومات سخية للعقارات... لكنها ليست للجميع
وفي جانب آخر من القانون، حظيت الاستثمارات العقارية بمجموعة من الامتيازات الضريبية الجديدة والموسعة، تعزز موقع المستثمرين ومالكي العقارات على حساب الفئات التي تسعى للدخول إلى سوق التملك أو تؤجر مساكنها.
ومن أبرز التعديلات ثلاثة:
- الأول: رفع الحد الأقصى لخصم ضرائب الولايات والمحليات (SALT) من 10 آلاف إلى 40 ألف دولار، ما يتيح لمالكي العقارات في ولايات مثل نيويورك، ونيوجيرسي، وماساتشوستس، استعادة آلاف الدولارات من الضرائب.
- الثاني: تثبيت خصم "دخل الأعمال المؤهل"، الذي يمنح أصحاب المشاريع الصغيرة والمستثمرين العقاريين حق خصم ما يصل إلى 20% من أرباحهم التجارية من الدخل الخاضع للضريبة. هذا الامتياز، الذي كان من المقرر أن ينتهي عام 2025، أصبح الآن دائماً، مع توسيع القاعدة لتشمل فئات جديدة كأرباح صناديق الاستثمار العقاري، ودخل الفوائد من شركات تطوير الأعمال. ويتوقع أن ترتفع نسبة الخصم تدريجياً إلى 23% بحلول عام 2026، مما يعزز من جاذبية الاستثمار العقاري والمشاريع الحرة.
- الثالث: إعادة تفعيل ما يعرف بخصم 100% من تكلفة الاستهلاك الإضافي، وهو بند ضريبي يتيح لأصحاب العقارات التجارية والسكنية خصم التكلفة الكاملة للتحسينات المؤهلة، والتجديدات، وبعض المكونات الداخلية للمباني دفعة واحدة في سنة الإنفاق، بدلاً من توزيعها على سنوات طويلة كما جرت العادة.
ويعد هذا التعديل أداة تحفيزية قوية للمطورين العقاريين والمستثمرين، إذ يسمح لهم بتقليص التزاماتهم الضريبية بشكل كبير فور قيامهم بأعمال تجديد أو إعادة تأهيل. وبينما ينظر إليه باعتباره آلية لدعم النمو الاقتصادي، عبر تنشيط قطاع البناء والصيانة، يرى منتقدون أن هذا الامتياز لا يخدم سوى من يملكون القدرة على الاستثمار العقاري أصلاً، ولا يوفر أي دعم مواز للمستأجرين أو أصحاب الدخل الثابت، مما يزيد من التفاوت في فرص الاستفادة من القانون بين الطبقات الاجتماعية.
بمعنى أن هذه التعديلات بمثابة حوافز، تعيد تشكيل السوق العقارية الأميركية، لتكون أكثر جاذبية للمحترفين والمستثمرين الكبار، لكنها لا تحمل الأثر نفسه على المستأجرين، أو المشترين للمرة الأولى، أو العاملين بعقود مؤقتة.
في هذا الإطار، يقول كبير مديري قطاع العقارات في شركة CBIZ، آبي شليسلفيلد، إن القانون يمثل "مكسباً كبيراً للقطاع"، موضحاً أنّ بند الاستهلاك الإضافي وحده "كفيل بتغيير قواعد اللعبة لدى المطورين وأصحاب العقارات التجارية".
عدالة على الورق فقط
ورغم أنّ بعض البنود، كرفع سقف الخصم الضريبي للضرائب الحكومية والمحلية SALT، قد تبدو عادلة على الورق، لكنّ خبراء الاقتصاد يؤكدون أنها تفيد الشرائح الأغنى في المناطق ذات الضرائب المرتفعة. ويشير جيك كريمل، الخبير الاقتصادي في مجلة نيوزويك، إلى أن هذا النوع من الإعفاءات "يعزز الطلب في أسواق تعاني أصلاً من انخفاض القدرة على تحمل التكاليف، ويزيد من أسعار المنازل في ولايات محددة دون تحسين المعروض". بمعنى آخر، فإنّ المشتري العادي في مدينة مثل نيويورك، أو سان فرانسيسكو، أو شيكاغو، قد لا يستفيد من الخصومات كما يفترض، بل يواجه أسعاراً أعلى بسبب تسهيلات ضريبية تغذي الطلب لدى الأثرياء والمستثمرين. أما المستأجرون، والمواطنون الذين يحاولون دخول السوق العقارية لأول مرة، فسيجدون أنفسهم أمام بيئة أغلى، وأقل دعماً، وأكثر منافسة.
وفيما يقول ترامب إنّ القانون "سيعيد الازدهار إلى كل الأميركيين" يرى بوبان كوغان، الخبير الاقتصادي السابق في لجنة الميزانية بمجلس الشيوخ، أنّ ما يحدث هو العكس: "حرفياً، هذا القانون يزيد الفقراء فقراً، والأغنياء ثراء". فالقانون الجديد باختصار شديد لا يمنعك من شراء سيارة أو عقار، لكنه يحدد حجم الدعم المتاح لك، بحسب موقعك في السلم الاقتصادي. فإذا كنت من دافعي الضرائب الأغنياء، أو مستثمراً عقارياً، أو تملك أصولاً قابلة للتوسع، فهذا القانون صنع لك خصيصاً. أما إذا كنت مستأجراً، أو تعمل بدوام جزئي، أو تحاول بصعوبة امتلاك أول سيارة أو منزل... فما ينتظرك ليس إعفاء، بل مزيداً من الأعباء.

Related News

