أزمة الكتاب المدرسي تجدّد مخاوف تعطل تعليم ليبيا
Arab
6 days ago
share

عاد ملف الكتاب المدرسي في ليبيا إلى صدارة مشهد الصعوبات التي يواجهها التعليم في البلاد، بين إجراءات قضائية صارمة وإعلانات حكومية طموحة ومخاوف مجتمعية من تعطيل العملية التعليمية خلال العام الدراسي المقبل. وفي منتصف الأسبوع الماضي، أعلنت النيابة العامة في ليبيا حبس مدير مركز المناهج التعليمية والمراقب المالي ومسؤول المخازن بالمركز التابع لوزارة التربية والتعليم بحكومة الوحدة الوطنية، على خلفية شبهات فساد إداري ومالي تتعلق بطباعة الكتب المدرسية، إذ كشفت تحقيقات النيابة أن المتهمين أبرموا عقوداً بلغت قيمتها تسعة ملايين دينار ليبي (نحو 1.6 مليون دولار) لطباعة كتب تعليمية من دون أي مبرر أو احتياج لها.

وأكدت النيابة الليبية أن الإجراءات المتبعة في التعاقد كانت غير قانونية وتخالف الضوابط المعتمدة بشكل صارخ، مشيرة إلى أن تحقيقاتها لا تزال جارية لكشف المزيد من التفاصيل وتحديد جميع الأطراف المتورّطة في القضية، في إشارة إلى حجم الملف، وإمكانية أن يطاول مسؤولين آخرين.

وسبق أن قضت محكمة استئناف العاصمة طرابلس، في منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، بسجن وزير التربية والتعليم، موسى المقريف، لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، وحرمانه من حقوقه المدنية طوال مدة تنفيذ العقوبة، بعد ثبوت ممارسته الوساطة بشكل غير قانوني خلال إجراءات التعاقد على طباعة الكتب المدرسية وتوريدها، ما يشير إلى توغل آليات المحسوبية والفساد.

وبعد صدور الحكم بيومين، ظهر المقريف في مقطع فيديو، داخل منزل أسرته في مدينة أجدابيا (شرق)، بعدما فرّ من طرابلس، ساعياً للاحتماء بحكومة مجلس النواب المسيطرة على شرق البلاد، وسط انتقادات وجّهها ليبيون إلى حكومة بنغازي، واتهامها بتعزيز مبدأ الإفلات من العقاب.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، خصّصت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا اجتماعاً، في 22 يونيو/ حزيران، جمع رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة مع مسؤولي وزارة التعليم والمركز الوطني لإعداد المناهج المدرسية. وانتقد الدبيبة خلاله الارتفاع الصارخ لتكاليف طباعة الكتاب المدرسي، ووصفه بأنه "سرقة صريحة"، ودعا إلى العمل الجاد لـ"توطين طباعة الكتاب المدرسي"، قائلاً: "نحن في عام 2025، ولا نستطيع طباعة كتاب بأيادٍ ليبية". وكشف الدبيبة عن تشكيل ثلاث لجان جديدة مهمتها الأساسية ضمان توفير الكتاب المدرسي "في الوقت المناسب وبجودة عالية" للعام الدراسي المقبل، مقترحاً التعاقد المباشر مع رجال أعمال ليبيين محليين متخصصين لمدة سنتين أو ثلاث سنوات لإدارة عملية الطباعة، بهدف تجنّب أي تعطيل قد يلحق بالطلاب.

وتعود جذور أزمة الكتاب المدرسي إلى عام 2021، وهي الفترة التي شهدت بداية تورط مسؤولي وزارة التعليم، وعلى رأسهم المقريف، في شبهات فساد متعلقة بعقد توريد الكتب، إذ قررت النيابة العامة وقتها إيقافه عن العمل "مؤقتاً"، وحبسه على ذمة التحقيق، قبل أن يُطلق سراحه بعد أسابيع قليلة، ويستأنف مهامه الوزارية بسبب عدم كفاية الأدلة الجنائية لإدانته.

وكانت التداعيات المباشرة لأزمة الكتاب المدرسي كبيرة على العملية التعليمية، إذ أكمل طلاب المراحل الأساسية العام الدراسي 2021-2022 من دون أن يتسلموا كتبهم المدرسية بسبب التأخر في طباعتها، وهو ما برره المقريف بتأخير عملية توحيد مضمون المناهج الدراسية بين مدن ليبيا.

ولمواجهة غياب الكتاب المدرسي، نشر المركز الوطني لإعداد المناهج حينها روابط لتحميل نسخ إلكترونية مجانية من الكتب، فيما لجأ الطلاب وأولياء أمورهم إلى حلول بديلة مكلفة بتصوير الكتاب المدرسي من كتب السنوات الدراسية السابقة لاستكمال المنهج.

وتثير عودة الحديث عن أزمة الكتاب وشبهات الفساد والأحكام القضائية قلقاً لدى أولياء أمور الطلاب والمعلمين، وسط مخاوف على مصير العام الدراسي المقبل. إذ يرى عمران لطيّف، وهو ولي أمر طالبَين في طرابلس، أن إثارة القضية في هذا التوقيت قد تدفع باتجاه مزيد من التفاصيل، ما يؤثر على طباعة الكتاب للعام المقبل بسبب إجراءات جديدة قد تؤجل عملية الطباعة، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "في النهاية، أولادنا مَن يدفعون الثمن، إما بغياب الكتاب بسبب تأخر الطباعة أو طباعته برداءة".

وتعبّر صالحة الجربي، وهي معلمة بالمرحلة الإعدادية، عن مخاوفها من تعقد التحقيقات أو تشعبها إذا اتسعت لتدخل ضمن تنافس الحكومتين. وإذ تشيد بالأحكام القضائية وتراها "خطوة مهمة نحو المحاسبة"، تبدي لـ"العربي الجديد" قلقها حيال الفراغ الذي قد يتركه اعتقال مسؤولين جُدد في المركز الوطني للمناهج خلال هذه الفترة الحساسة قبيل بدء العام الدراسي، خصوصاً أن الكثير من الموظفين من ذوي الكفاءة والقدرة سيعتذرون عن تولي أي مهام تجنباً لتوريطهم في أزمة هذا الملف.

وتتساءل الجربي عمّ إن كانت للسلطات خطة طوارئ تمكّن اللجان الحكومية الجديدة من تعويض أي فراغ، وتستطيع الإشراف لضمان عدم تأخر الطباعة، لافتة إلى أن العام الدراسي سيبدأ مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل. وفيما تحذر من نفاد الوقت، تذكّر بالقضية التي تابعها الرأي العام في عام 2023 عندما تنبّه أولياء الأمور والمعلمون إلى وجود أخطاء فادحة في طباعة الكتب المدرسية، شملت مواد حساسة مثل التربية الإسلامية والتاريخ والرياضيات واللغة الإنكليزية، ما أثار جدلاً واسعاً حينها، اضطرت معه وزارة التعليم إلى الإقرار بوجود الأخطاء وتشكيل لجان لتصحيحها ومنع تكرارها. وترى أن القضية تحمل جانباً إيجابياً يتعلق بمتابعة أولياء الأمور للكتاب المنهجي بدقة، ووجهاً سلبياً يتعلق بوقوع تلك الأخطاء نتيجة الإسراع في الطباعة بسبب تأخرها عن موعدها المقرر.

ويضطلع المركز الوطني لإعداد المناهج المدرسية التابع لوزارة التعليم في حكومة طرابلس بمهمة طباعة الكتب المدرسية سنوياً وتوزيعها على مختلف مدارس ليبيا، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة في بنغازي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows