
شهدت صناعة الكتاب في السودان انهياراً شبه تام منذ اندلاع الحرب في إبريل/ نيسان 2023، مع تدمير البنية التحتية الثقافية، خاصّة في العاصمة الخرطوم، التي كانت تحتضن غالبية دور النشر والمطابع والمكتبات، قبل أن تتعطّل 99% من أنشطتها، بعد عام واحد فقط من الحرب، وفقاً لاتحاد الناشرين السودانيين، ما أجبر أصحاب دور النشر على تعليق أعمالهم أو البحث عن بدائل خارج البلاد.
برزت القاهرة بوصفها الوجهة الأولى، نظراً لارتباطها التاريخي والثقافي العميق بالسودان، وسهولة الحركة إليها نسبياً، إذ أعادت بعض دور النشر تموضعها هناك، مثل دار المصوّرات ومنشورات عندليب. بعد انقطاع مؤقت، واصلت هاتان المؤسّستان أنشطتهما من القاهرة من خلال الندوات ومعارض الكتب الخاصة، وآخرها اختتام معرض مشترك نُظّم في منطقة فيصل منذ أيام، شاركت فيه إلى جانب دارَي النشر المذكورتَين دورٌ سودانية أُخرى: مركز الفأل الثقافي، ودار بدوي، والموسوعة الصغيرة، وكنداكة، ونرتقي، ودار الأجنحة، ومنشورات كلمات، ودار مدارات، بالإضافة إلى عدد من الكُتّاب والمبدعين السودانيين المقيمين في مصر.
محاولات تأكيد أن الثقافة قادرة على النجاة من بين ركام الحرب
قدّم المعرض إصدارات جديدة شملت الفكر والأدب والتاريخ، وكان من بين العناوين التي اقترحها "المتن الروائي المفتوح: فنّ القص السردي عند الطيب صالح" للباحث محمد خلف، و"تاريخ الطب والصحة في السودان منذ سلطنة الفونج وحتى استقلال السودان (1504-1956)" لطارق عبد الكريم الهد، والمجموعة القصصية "سلطامون" للكاتب منعم رحمه. مثّلت الفعالية نقطة التقاء بين الناشرين والجمهور السوداني في الشتات، وبين الثقافة السودانية ومحيطها المصري والعربي.
كذلك شكّلت معارض الكتاب العربية نوافذ للناشر السوداني في ضائقته، فالدورة الأخيرة من معرض الدوحة الدولي للكتاب التي أُقيمت مايو/ أيار الماضي، اشتركت فيها خمس دور نشر، من بينها دار عزة التي تعدّ من أبرز الدور السودانية وأقدمها، وقد طاولتها الحرب بضرر كبير، إذ تعرّض مقرّها في شارع الجامعة بالخرطوم إلى النهب والحرق على يد المليشيات، مع ذلك ما تزال الدار تنشر دورياً من خارج السودان.
ويلفت حال هذه المؤسسة الانتباه قليلاً، إذ كانت قد نشرت مؤخّراً عبر صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي صورةً يظهر فيها الفنان السوداني المعروف أبو عركي البخيت، ومن خلفه مبنى الدار المحطّم ومبنى آخر قد استحالَ رماداً، صورةٌ لاقت تفاعلاً وتحسّراً كبيراً على أحوال الثقافة وهشاشتها في زمن الحرب.
وفي السياق ذاته، وإن بنسبة أقلّ، لعبت جوبا عاصمة جنوب السودان ونيروبي عاصمة كينيا دوراً في استقبال فاعلين في الحقل الثقافي السوداني، لا سيّما في ظل الأزمات السياسية التي جعلت من هذه المدن وجهةً رغم محدودية بنيتها التحتية الثقافية. ففي جوبا على سبيل المثال، انطلقت دار الموسوعة الصغيرة، محاوِلةً تأكيد أن الثقافة قادرة على النجاة من بين ركام الحرب.

Related News
