
يتابع أهالي قطاع غزة مجريات وتفاصيل المساعي الجارية لإتمام اتفاقية الهدنة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وسط آمال بانتهاء الحرب ووقف شلال الدم والدمار المتواصل منذ بداية العدوان في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ولم يعد الأهالي في غزة يعدّون الأيام والليالي الصعبة، بل يحصون الساعات الثقيلة التي تمضي دون أن يناموا، ومع كل نبأ عن قرب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، ينبض الشارع بقلوب مُعلقة بين الرجاء والخوف.
ويتناقل الناس الأحاديث في الشوارع والمفترقات العامة والأسواق وخيام ومراكز النزوح وبين الأزقة حول تفاصيل صفقة التبادل، والأنباء المتسارعة حولها، فيما تخفق القلوب خوفاً من أن تنهار الجهود، كما في المرات السابقة. وتتعلق آمال الفلسطينيين في قطاع غزة بالهدنة وانتهاء الحرب التي تسببت في تدمير معظم المباني السكنية والمرافق العامة والتجارية، إلى جانب تسببها في استشهاد وفقدان وجرح عشرات الآلاف من الأبرياء، فيما تعيش مختلف الشرائح المجتمعية ظروفاً معيشية قاسية تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة الأساسية.
ويتأمل أهالي القطاع أن يتم إنجاز الاتفاق لتحسين ظروفهم المعيشية، خاصة في ظل تغول شبح المجاعة، وخلو الأسواق من المواد الغذائية الأساسية، والمستشفيات من الأدوية، إلى جانب حالة الغلاء الجنوني في الأسعار، في ظل نقص السيولة وتضاعف نسب (تكييش) أموالهم، جراء إغلاق البنوك، إلى 43% من المبالغ المُراد صرفها.
الهدنة محور الاهتمام
في أحد المقاهي البسيطة وسط مدينة غزة والتي توفر شبكة إنترنت محدودة، جلس عدد من الشبان على كراسي بلاستيكية، يشربون الشاي ويتناقشون بنبرة لا تخلو من التوتر، حول الأخبار المتسارعة بخصوص الهدنة. ويقول علي صبيح (21 عاماً) طالب جامعي نزح من منطقة التوام شمال مدينة غزة إنه لن يتمكن من تصديق أي خبر يتعلق بالهدنة أو وقف إطلاق النار أو حتى انتهاء الحرب قبل رؤية بيان رسمي من الجهات المعنية يفيد بذلك. ويُرجع صبيح ذلك الحرص إلى الخذلان الذي مُني به مرات عديدة في الجولات السابقة، حيث كان يُتابع الأخبار باهتمام بالغ وآمال كبيرة، إلا أن فشل تلك الجولات أصابه بحالة من الإحباط العميق، لدرجة أنه لم يعد يصدق أي خبر ما لم تثبت صحته.
وعلى الرغم من التشاؤم المشول بالحذر، فإن صبيح أعرب لـ"العربي الجديد" عن أمله بنجاح جهود الوسطاء ومختلف الجهات لإنجاح مساعي وقف إطلاق النار، ويقول "لم يعد أمامنا أي خيار سوى وقف هذا الجنون، فالواقع صعب ولا يمكن احتماله".
أمل الهدنة هش… لكنه موجود
ويوافقه صديقه جمعة السرحي (24 عاماً)، النازح من حي الشجاعية إلى وسط المدينة، ويقول إن العدوان الإسرائيلي جاء على كل شيء، وتسبب بدمار البيوت والاقتصاد والآمال والأحلام، ويجب وقفه بأي حال من الأحوال حتى يتمكن الناس من التقاط أنفاسهم. ويبيّن السرحي لـ"العربي الجديد" أن واقع الفلسطينيين صعب ومأساوي، سواء في مخيمات ومراكز ومدارس النزوح، أو في البيوت المدمرة والمفتوحة من كل النواحي جراء شدة القصف، وهو ما يعني أن الفلسطينيين باتوا بأمس الحاجة لوقف هذا الدمار، والتفرغ للبناء ولملمة جراحهم. ويضيف "أتابع كل خبر باهتمام بالغ، لكنني لا أشعر بأي نوع من السعادة، فالفقد والخسارة والألم أبلغ من أي شعور، نحن تعبنا كثيراً من النزوح المتكرر وأصوات القصف والدمار، ومشاهد الخوف والصراخ والدم في كل مكان، ومن حقنا أن نستريح قليلاً".
يمتزج ترقّب الناس في غزة الهدنة بشعور الحنين إلى الحياة والأمان
ويشعر الفلسطيني أحمد أبو ناجي بأمل كبير في إتمام الصفقة خلال هذه الجولة، بناء على قناعته بأن جميع الأطراف معنية بالوصول إلى اتفاق، ويقول "أتمنى أن تنجح الجهود فعلاً، ولا يمكنني تخيل أن يحصل غير ذلك". ويرى أبو ناجي في حديث مع "العربي الجديد" أن الناس في غزة مرهقة وغير قادرة على مواصلة هذا الألم والحرمان والخطر والفقد المستمر، خاصة أنها تنتقل من مكان إلى آخر أملاً في النجاة، على الرغم من عدم مواءمة أي مكان لاحتياجاتهم الإنسانية الأساسية. وعلى الرغم من الاحتياج الفعلي لوقف إطلاق النار لتوفير الطعام والدواء والخدمات الأساسية، فإن أبو ناجي يعتقد بأن الأمان هو أهم أولوية من أولويات وقف الحرب والانفجارات والقصف، ويقول "أتمنى فعلاً إتمام الاتفاق والتوقف عن رؤية مشاهد الدم والأشلاء".
ويمتزج ترقّب الناس في غزة الهدنة بشعور الحنين إلى الحياة والأمان، حيث يراقبون الأخبار كما يراقب الغريق سفينةً بعيدة، يتمنون أن تحمل لهم النجاة، حتى لو كانت مؤقتة، فهم لا يبحثون سوى عن حياة آمنة ومستقرة.
