تونسيون يكافحون الفقر بأعمال هشة وموسمية
Arab
1 week ago
share

باتت المهن الهشة والموسمية ملاذ الكثيرين في تونس، وسط تضاؤل فرص العمل المنتظمة في القطاع الرسمي، وتفاقم الضغوط المعيشية في ظل تدني القدرات الشرائية والغلاء.

قرب سوق حي ابن خلدون الشعبي في العاصمة تونس، يحاول سالم مباركي (52 عاماً) كسب رزقه اليومي من حراسة مأوى عشوائي للسيارات يرتاده زبائن السوق على مدار أيام الأسبوع. يسهر سالم طوال فترة عمل السوق على مساعدة الزبائن على ركن عرباتهم وحراستها أو تنظيفها في بعض الأحيان مقابل مبالغ رمزية، لكنها مصدر رزقه الوحيد منذ نحو ثلاث سنوات. يقول الرجل الخمسيني لـ"العربي الجديد": "حراسة المأوى عمل هامشي ولا يوفر لي أي ضمانة اجتماعية، لكن لا خيار لي فأنا أجني يومياً ما بين 30 و40 ديناراً (10.4 و13.8 دولاراً) وهو مبلغ يحمي عائلتي من الفقر والخصاصة في غياب بدائل في سوق العمل المنظم".

وتعد حراسة المآوي العشوائية واحداً من عشرات الأعمال التي يلجأ إليها تونسيون لتحصيل قوتهم اليومي، في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، ما يجعل الأعمال الهامشية والاقتصاد الموازي ملاذاً لآلاف الأسر التي تحاول الإفلات من الفقر.

ومنذ أكثر من عقدين، يتحول الاقتصاد الموازي في تونس إلى ظاهرة مركبة تحمل في طياتها تناقضات كبيرة، فهو يشكل عبئاً على الدولة والمالية العمومية من جهة، بينما يمثل شريان حياة للآلاف من المواطنين الذين يعيشون على هامش المنظومة الاقتصادية الرسمية من جهة أخرى.

تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الموازي في تونس يمثل ما بين 30% و50% من الناتج المحلي الإجمالي، ويتنوع هذا القطاع بين أنشطة تجارية غير مصرح بها، وورشات غير مسجلة، وأسواق شعبية، وحتى أنشطة رقمية غير خاضعة للرقابة.

ورغم الجهود الحكومية المتكررة لمحاربة هذه الظاهرة، إلا أن الاقتصاد الموازي استمر في النمو، مدفوعاً بتدهور الوضع الاجتماعي وارتفاع نسب البطالة، خصوصاً في الجهات الداخلية.

ويؤكد حارس المأوى في السوق الشعبية بالعاصمة، أن الأعمال الهامشية بمختلف أصنافها تسمح لآلاف التونسيين بتحسين وضعهم الاجتماعي والاستغناء عن الوقوف في طوابير المساعدات الاجتماعية التي تصرفها الدولة لفائدة الأسر المعوزة وفاقدي الدخل.

ويضيف: "تصرف الدولة للأسر المعوزة منحاً شهرية لا تتجاوز 280 ديناراً على أقصى حد، بينما يوفر لي العمل في حراسة المأوى دخلاً يتعدى 800 دينار شهرياً، وهو ما يجعلني خارج دائرة الفقر المدقع وفق المعايير الحكومية".

بحسب خبراء الاقتصاد والاجتماع، فإن الاقتصاد الموازي في تونس يلعب دوراً مهماً في مكافحة الفقر، إذ تحول إلى وسيلة عيش للعديد من المواطنين، خصوصاً في الأحياء الشعبية والمناطق الريفية، حيث يشكل الاقتصاد غير المنظم مصدراً رئيسياً للدخل، في غياب بدائل تشغيلية في السوق الرسمية.

وأظهرت دراسة أنجزها مشروع "نحكيو اقتصاد" الممول من الاتحاد الأوروبي حول ظاهرة القطاع الموازي في تونس أن 1.6 مليون تونسي بما يعادل نصف الشغالين يعملون في القطاع الموازي. وبحسب الدراسة، يشمل القطاع الموازي كلّ الوضعيات غير القانونية التي تنظّم الأنشطة الاقتصادية والتشغيل على مستوى التزام الواجب الجبائي والحماية الاجتماعية والامتثال لقانون الشغل، غير أن أغلب الأنشطة تتركّز حول الفلاحة والبناء والتجارة، حيث يُستقطَب ثلثا العاملين في الأنشطة الموازية بهذه القطاعات.

وتجري أغلب أعمال القطاع الموازي في الأوساط الريفية، وخصوصاً في مناطق غرب البلاد، باعتبار أهمية النشاط الفلاحي فيها. وبيّنت الدراسة أن 87% من صغار المشغلين والعمال المستقلين الناشطين في القطاع الموازي لا تتجاوز مداخيلهم 600 دينار شهرياً (173 دولاراً)، وأغلبهم بائعون في الأحياء وحرفيون وفلاحون من ذوي الموارد الضعيفة.

وتصل نسبة الفقر في تونس وفق أحدث بيانات صدرت عن معهد الإحصاء الحكومي عام 2024 إلى 16.6% مع إمكانية ارتفاعها إلى 20% عندما يكون المستوى التعليمي متدنياً لرب الأسرة، فيما تتراجع النسبة إلى 5% للأسر التي رئيسها ذو مستوى تعليمي عال.

يقول المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، إن ضيق خيارات العمل يدفع نحو خلق مجالات حرة للمواطنين لكسب القوت، من أبرزها العمل في القطاع غير المنظم. ويؤكد بن عمر لـ"العربي الجديد" أن نسبة الانتماء إلى الاقتصاد الموازي ترتفع في المناطق التي ترتفع فيها نسب الفقر، ما يوثق الصلة بين البعدين الاجتماعي والاقتصادي لهذه الأعمال الهشة.

ويضيف: "رغم أهمية النشاط الموازي في تخفيف وطأة الفقر ومكافحته أحياناً، إلا أنه يبقى قطاعاً هشاً لا يحمي العاملين فيه ولا يوفر لهم الضمانات الكافية لاسترسال المكسب"، معتبراً أن العاملين في الاقتصاد الموازي محفوفون بخطر الفقر مهما كان الكسب الذي يحققونه. ويقول: "رغم أنه يوفّر فرصاً سريعة لكسب الرزق، إلا أن العاملين فيه محرومون التغطية الاجتماعية، والحماية القانونية، وظروف العمل اللائقة، ما يجعلهم أكثر عرضة للهشاشة الاجتماعية".

وتدرك السلطات التونسية خطورة استمرار الاقتصاد الموازي خارج الرقابة، لكنها تصطدم بصعوبات واقعية، أبرزها غياب الثقة بين المواطن والإدارة، وهشاشة المناخ الاقتصادي العام. وفي تصريح لوزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر، أمام البرلمان أخيراً، أكد أن الدولة تعمل على "خطة وطنية للإدماج الاقتصادي والاجتماعي"، تشمل مراجعة النظام الجبائي وتوسيع الحماية الاجتماعية لتشمل شرائح جديدة من العاملين في الاقتصاد الموازي.

وسجلت نسبة البطالة في تونس تراجعاً طفيفاً خلال الربع الأول من العام الجاري، لتبلغ 15.7% مقارنة بـ 16.2% في الفترة نفسها من 2024، بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء، وتراجعت نسبة البطالة لدى النساء من 22.1% إلى 20.3%، بينما ارتفعت قليلاً لدى الرجال من 13.3% إلى 13.6%.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows