الحزب الثالث في أميركا: سوابق تؤكد صعوبة الفكرة
Arab
1 week ago
share

في مايو/ أيار الماضي، اندلع خلاف حاد بين أغنى رجل في العالم إيلون ماسك والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وطرح وقتها ماسك فكرة إنشاء الحزب الثالث في أميركا لمنافسة الجمهوريين والديمقراطيين. صمت ماسك لأسابيع قبل أن يعود الخلاف مع ترامب مرة أخرى في الأسبوع الأخير على خلفية انتقادات جديدة من ماسك لمشروع القانون "الجميل الضخم" للموازنة الذي تم تمريره. وهدد ماسك الجمهوريين بعد وصف حزبهم بأنه "خنزير سمين"، بأنه "إذا تم إقرار مشروع الإنفاق المجنون، فسيتم تشكيل حزب أميركا في اليوم التالي"، مضيفاً أن البلد بحاجة إلى "بديل للنظام الأحادي للحزبين الديمقراطي والجمهوري حتى يكون للشعب صوت بالفعل". ويسيطر على الحياة السياسية تاريخياً في الولايات المتحدة حزبان رئيسيان هما الجمهوري والديمقراطي، وحصلت آخر المحاولات الجديدة لطرح الحزب الثالث في أميركا في عام 2021، بعدما ترشح رجل الأعمال أندرو يانغ للانتخابات الرئاسية في الحزب الديمقراطي، وخسر في الانتخابات الأولية عام 2020.

إنشاء الحزب الثالث في أميركا

وكان يانغ آنذاك من الأسماء البارزة في الحزب الديمقراطي المعروفة بقدرتها على إحداث تأثير في المجتمع الأميركي، فقد اختاره الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في 2011 ليكون بطل التغيير، ولاحقاً في 2015 اختاره ليكون "السفير الرئاسي لريادة الأعمال العالمية". في عام 2021 بعد فوز جو بايدن بالرئاسة أطلق يانغ حملة لإطلاق حزب "فوروارد بارتي"، طارحاً أفكاره حول فساد النظام الأميركي وداعياً إلى إنشاء الحزب الثالث في أميركا يكون قادراً على تجميع الأميركيين، غير أنه رغم مرور سنوات على فكرته وعمله عليها، فإنه لا مكان لها في الواقع السياسي حتى الآن. وشهدت الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة في 2024 ترشح عدد من المرشحين عن الأحزاب السياسية الأميركية الموجودة فعلياً، من بينهم جيل ستاين عن حزب الخضر المولود منذ نحو ربع قرن تقريباً، منبثقاً عن الحزب الأخضر الأميركي الذي أنشئ في بداية التسعينيات من القرن الماضي. كذلك ترشح تشيس أوليفر عن الحزب الليبرتاري الذي تأسس عام 1971، وهو ثالث أكبر حزب حالياً في الولايات المتحدة وضم من قبل عضواً بمجلس النواب عام 2020، كما يشغل عدد من أعضائه مقاعد انتخابية بالولايات، ورغم ذلك لا وجود كبيراً له في الحياة السياسية، بينما ترشحت كلوديا دي لا كروز عن حزب الاشتراكية والتحرير، إضافة إلى مرشحين آخرين مستقلين، ولم ينجح أحد في التأثير على الانتخابات.


روبرت غالوتي: النظام الأميركي لا يتيح للأحزاب الصغيرة فرصاً كبيرة للنمو

عدم نجاح الحزب الثالث في أميركا يعود في جزء كبير منه إلى النظام السياسي نفسه، حيث يشيع في أوروبا "النظام النسبي" الانتخابي الذي تحصل فيه الأحزاب على مقاعد تشريعية بما يتناسب مع نسبة الأصوات التي يحصل عليها الحزب في الانتخابات. ويفيد هذا النظام الأحزاب السياسية الصغيرة التي قد تفوز بعدد من المقاعد التشريعية حتى لو فاز حزب رئيسي بباقي المقاعد، بينما تطبّق الولايات المتحدة نظام الحزبين والذي يحصل فيه الحزب الفائز على "كل شيء أو لا شيء" ويهيمن فيه الحزبان الرئيسيان على التصويت على جميع مستويات الحكومة، ونادراً ما تفوز فيه الأحزاب الثالثة ولا يفيدها، لكنها في بعض الأحيان تؤثر في السياسة الوطنية وتلفت النظر إلى قضايا أهملتها الأحزاب السياسية. وحتى المرشحون المستقلون أو مرشحو الأحزاب الثالثة الذين يتمتعون بالشهرة في الولايات المتحدة، في الغالب يضطرون إلى التحالف مع أحد الحزبين حتى لو كانوا لا يتفقون مع كامل رؤيتها، وأشهر هؤلاء السيناتور الأميركي بيرني ساندرز الاشتراكي اليساري الذي يمثل ولاية فيرمونت منذ 1996 بمجلس الشيوخ ويصوّت لمصلحة الديمقراطيين في جميع القضايا. كان قد بلغ عدد المنتمين لليسار الذين ترشحوا على قوائم الديمقراطيين وفازوا في انتخابات 2018 نحو المائة عضو بمجلس النواب قبل أن يخسر عدد كبير منهم لاحقاً في الانتخابات التالية.

دمج الأحزاب الثالثة

وبالإضافة إلى ذلك، ولجذب أصوات هذه الفئات، كثيراً ما يدمج الحزبان الرئيسيان برامج الأحزاب الثالثة أو فئة معينة في برامجها الانتخابية، وعلى مدار السنوات الماضية جذب الجمهوريون فئة الأكثر يميناً، فيما جذب الديمقراطيون اليساريين الذين وجدوا في الحزب الديمقراطي فرصة للوصول لمناصب تشريعية، رغم وجود الحزب الاشتراكي والتحرر بالولايات المتحدة، كأحد الأحزاب الثالثة غير أنه لا مكان له على طاولة مجلسي النواب والشيوخ. دستورياً، لا يذكر الدستور الأميركي كلمة "الأحزاب" على الإطلاق، ولا يحدد أي قواعد تتعلق بالأحزاب السياسية، إذ يفوز مرشحو الحزبين الرئيسيين بجميع المناصب المنتخبة تقريباً. ويعد النظام الأميركي نظاماً رئاسياً، بينما تسمح الأنظمة البرلمانية بإمكانية بروز الأحزاب الصغيرة وأن يكون لها وجود مع مرور الوقت، وتتم الانتخابات على مستوى البرلمان وهو الذي يشكّل الحكومة وفي حال عدم تحقيق الأغلبية المطلوبة تتحالف مع الأحزاب الصغيرة، بما يعطي لها فرصة المنافسة في المستقبل.

أبرز الحالات التي لم تنجح في إنشاء الحزب الثالث برزت عبر أحد المصنفين واحداً من بين أفضل أربعة رؤساء في تاريخ الولايات المتحدة ثيودور روزفلت، المنحوت تمثاله على صخور جبل راشمور بجانب المؤسسين جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وأبراهام لينكولن الذي قضى على العبودية، وتولى الرئاسة في الفترة بين عامي 1901 و1908 وحصل على جائزة نوبل للسلام. انسحب روزفلت من الحزب الجمهوري بعد خسارته الانتخابات التمهيدية للترشح، وأسس الحزب التقدمي غير أنه لم ينجح في إحداث تأثير، ولم ينجح وقتها في الفوز بأصوات اليسار الجمهوري الذي رأى فيه شخصية محافظة آنذاك أو المحافظين (كان وقتها الجمهوريون هم الذين يمثلون المبادئ التقدمية وينادون بالمساواة).


مايكل باتريك كولينان: مهما كانت جاذبية مرشحي الحزب الثالث فلن يفوزوا أبداً

وشرح البروفيسور مايكل باتريك كولينان، المؤرخ في السياسة الأميركية، رئيس قسم دراسات ثيودور روزفلت في جامعة دينكسون الحكومية في داكوتا الشمالية، في مقال له بصحيفة "ذا هيل" في 2023، تعليقاً آنذاك حول نيّة ترامب للترشح عن حزب ثالث بحال عدم ترشيحه من الحزب الجمهوري، مدى صعوبة تشكيل الحزب الثالث في أميركا حالياً. وقال: "الأحزاب الثالثة تتشكل من كتل منشقة عن الأحزاب السياسية الرئيسية، ومهما كانت جاذبية مرشحي الحزب الثالث فلن يفوزوا أبداً، وحملة روزفلت لإنشاء الحزب التقدمي عام 1912 التي تمثل أفضل أداء لمرشح ثالث، تقدم رؤية ثاقبة حول سبب استحالة التغلب على العقبات وينبغي أن تكون تحذيراً للمرشحين الذين يغازلون هذا الاحتمال". وأضاف أن قرار روزفلت أدى إلى فوز المرشح الديمقراطي بنسبة 42% فقط بينها حصل هو مع المرشح الجمهوري آنذاك على أكثر من 50%. ولفت كولينان إلى أن "مرشحي الحزب الثالث يستغلون المزاج السياسي السائد ويغيرون مسار الانتخابات لكنهم لا يفوزون... كانت حملته الانتخابية للحزب الثالث هي الأكثر نجاحاً في التاريخ الحديث، ولكن مع ذلك انتهت بهزيمة تاريخية".

فكرة ليست مستحيلة

من جانبه، قال البروفسور روبرت غالوتي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن فكرة تأسيس الحزب الثالث في أميركا كما اقترح إيلون ماسك ليست جديدة وفي الوقت ذاته ليس مستحيلة تماماً، ولكن التحديات التي تواجهها تجعل نجاحها أمراً بالغ الصعوبة، خصوصاً في ظل النظام الانتخابي الأميركي القائم على أن من يفوز يحصل على كل شيء. سرد غالوتي بعض أهم المحاولات الحديثة لتأسيس حزب جديد من بينها محاولة ترشح بات بيوكانن للرئاسة عام 2000 داعياً إلى تقييد الهجرة، وحملة روس بيرو ضد اتفاقية نافتا (اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية وتضم الولايات المتحدة والمكسيك وكندا) الذي ترشح للرئاسة في التسعينيات ضدها وحصل على 19% من الأصوات، من دون أن يكون لذلك أي تأثير في المجمع الانتخابي (المندوبين عن الولايات الذين يصوتون لاختيار الرئيس). وأوضح أن "هذه المحاولات لم تحقق اختراقاً حقيقياً للنظام السياسي". ولفت إلى أن النظام الأميركي بخلاف الأنظمة البرلمانية كما في بريطانيا، لا يتيح للأحزاب الصغيرة فرصاً كبيرة للنمو بسبب غياب "التمثيل النسبي"، مضيفاً أن "الاستراتيجية الوحيدة التي يمكن أن تنجح هي البدء من القاعدة. من الانتخابات في الولايات ومجلس النواب بحيث يتم الدفع بمرشحين يتماشون مع أجندة معينة".

ولم ير غالوتي أن أموال ماسك كافية لإحداث تغيير في خريطة الأحزاب السياسية الأميركية، وقال: "ماسك يبدو أقرب إلى رجل أعمال تقني وليس فاعلاً سياسياً متمرساً، وحتى لو موّل مرشحين يحملون أفكاره فإن غياب الرسالة الموحدة والقاعدة الشعبية المنظمة سيضعف فرصه". كما أشار إلى أن ماسك غير قادر على تكرار تجربة ترامب في تغيير وجه الحزب الجمهوري من الداخل: وقال "بالفعل إيلون ماسك يمتلك المال، لكن المال وحده لا يصنع حركة سياسية، وترامب رغم افتقاره للخبرة السياسية لكنّ لديه حساً سياسياً قوياً وفهماً لطبيعة الناخب الأميركي، بينما ماسك لا يبدو أن لديه رؤية واضحة أو رسالة سياسية متماسكة"، معتبراً أن ترامب نجح لأنه "قدم نفسه مرشداً متمرداً داخل الحزب الجمهوري وجمع حوله تياراً شعبوياً".


سحر خميس: معظم الناس في منطقة وسطية بين الجمهوريين والديمقراطيين

دور إيلون ماسك

واعتبر غالوتي أن "أقصى ما يمكن أن يفعله ماسك هو تمويل حملات انتخابية لمرشحين يعارضون الإنفاق الحكومي"، وأنه "قد يدعمهم لمنافسة نواب جمهوريين تقليديين في مناطق لا تشهد عادة منافسة قوية". لكنه أوضح أن "الدعوة لتقليص حجم الحكومة وفرض الانضباط المالي تبدو منطقية فكرياً لكنها لا تحظى بشعبية كبيرة انتخابياً، لأن الناخبين غالباً ما يرفضون خفض البرامج التي يستفيدون منها". واختتم قائلاً: "ماسك يستطيع أن يلعب دوراً مؤثراً ومهماً في تمويل مرشحين أو الدفع بجدل سياسي، لكن تأثير تشكيل الحزب الثالث في أميركا وقدرته على منافسة الحزبين التقليديين هما أمر غير واقعي، إلا إذا حدث انقسام كبير داخل أحد الحزبين، كما حدث مع الجمهوريين في عام 1912 عندما أسس روزفلت الحزب الثالث في أميركا بعد خلاف داخلي، ولكن حتى هذه التجربة لم تنجح بشكل كبير".

من جهتها، أشارت أستاذة الإعلام في جامعة ماريلاند سحر خميس، لـ"العربي الجديد"، إلى أن تجارب أحزاب الوسط أو الجديدة لم تنجح سابقاً لعدم توفر الدعم الشعبي والفكري والأيديولوجي والمالي، مضيفة أن "معظم الناس في منطقة وسطية بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولا يجدون أنفسهم ينتمون لمبادئ الحزب لأسباب عديدة، وهناك فئة في المنتصف لا تنتمي إلى الحزبين فقدت الثقة فيهما، ولكن ليس المال أو التمويل فقط هو الذي قد يؤدي إلى نجاح الفكرة وإنما إيجاد قاعدة أيديولوجية وشعبية". وكان ظهور الحزب الجمهوري في عام 1850 حالة نادرة لظهور حزب ثالث في أميركا نجح في تغيير الحياة السياسية الأميركية، خصوصاً مع أزمة العبودية التي هددت وحدة البلاد آنذاك، إذ إنه بحلول عام 1850 نجح الحزب الجمهوري في الظهور بديلاً ضرورياً وإقصاء حزب الويغ الذي انهار بعدم قدرته على توحيد أعضائه على موقف واحد من قضية العبودية.

وتأسس الحزب الجمهوري رسمياً في اجتماعات في ولايات ميشيغن وويسكونسن في عام 1858 من خلال نشطاء معارضين للعبودية من بينهم أعضاء سابقون من حزب الويغ، واستلهم اسم "الجمهوري" من قيمتي الحرية الفردية والديمقراطية، ولعب أبراهام لينكولن الذي فاز لاحقاً بالرئاسة دوراً كبيراً في صياغة رؤية الحزب.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows