القاهرة لا تشارك بحفل سد النهضة... وتستأنف تحركاتها الدبلوماسية
Arab
1 week ago
share

مع إعلان إثيوبيا رسمياً اكتمال بناء سد النهضة وتحديد شهر سبتمبر/ أيلول المقبل موعداً لتدشينه، وتوجيه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد دعوة لمصر والسودان لحضور حفل افتتاح السد، عادت الأزمة بين القاهرة وأديس أبابا إلى الواجهة، وسط تمسّك مصري بالمطالبة باتفاق قانوني شامل وملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد. وأكدت مصادر مصرية لـ"العربي الجديد" أن القاهرة لن تقف مكتوفة الأيدي، وتعتزم تكثيف تحركاتها الدبلوماسية في سياق سد النهضة على المستويين الإقليمي والدولي، للضغط على الحكومة الإثيوبية ودفعها نحو التوقيع على اتفاق يحمي الحقوق المائية التاريخية لمصر والسودان. وبحسب مصدر حكومي مصري تحدّث لـ"العربي الجديد"، فإن "إثيوبيا تسعى لتكريس هيمنتها الانفرادية على النيل الأزرق عبر استكمال سد النهضة وتشغيله بشكل أحادي، ثم دعوة الأطراف المتضررة للاحتفال، وكأنها خطوة تصالحية، بينما تتجاهل المسار التفاوضي الذي فشلت في الالتزام به مراراً". وأشار المصدر إلى أن الجانب المصري يعتبر الخطوة الإثيوبية بمثابة "مناورة إعلامية تهدف إلى تخفيف الضغط الدولي"، مشدداً على أن مصر "لن تشارك في مشهد احتفالي يُغلف خرقاً واضحاً لقواعد القانون الدولي ومبدأ عدم الإضرار".

حراك مصري بشأن سد النهضة

وفقاً للمصادر، فإن القاهرة بدأت فعلياً في "تنشيط قنواتها الدبلوماسية داخل الاتحاد الأفريقي، وكذلك مع العواصم المؤثرة في الملف، وعلى رأسها واشنطن وباريس وبكين"، بهدف حشد موقف دولي داعم للمطلب المصري بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم وشامل، يحدد بوضوح قواعد تشغيل سد النهضة وآلية إدارة فترات الجفاف، وآلية فض النزاعات، ويمنع إقامة مشروعات أخرى مستقبلية على النيل الأزرق دون موافقة دولتي المصب. وأكدت المصادر أن القاهرة ستحرص خلال الفترة المقبلة على "ربط الملف بالأمن الإقليمي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي"، وإبراز المخاطر البيئية والاقتصادية والسياسية لأي انفجار محتمل في الأزمة، خصوصاً مع استمرار غياب الضمانات الفنية بشأن سلامة السد، وعدم تقديم إثيوبيا للدراسات الإنشائية المتفق عليها.


مصدر حكومي مصري: إثيوبيا تسعى لتكريس هيمنتها الانفرادية على النيل الأزرق

من جهته، اعتبر وزير الموارد المائية والري الأسبق، محمد نصر علام، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن إثيوبيا خالفت بشكل صارخ الالتزامات التي وقّعت عليها في اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015، والذي ينص صراحة على ضرورة إجراء دراسات فنية وبيئية واقتصادية لتقييم آثار سد النهضة على دولتي المصب، مصر والسودان، قبل التوافق على قواعد الملء والتشغيل. وانتقد علام دعوة إثيوبيا الأخيرة لمصر والسودان لحضور ما وصفته بـ"حفل اكتمال بناء السد"، قائلاً: "كيف تدعو إثيوبيا جيرانها للمشاركة في الاحتفال بمشروع تم إنجازه من دون تشاور فعلي ومن دون احترام لمبدأ عدم الإضرار؟". وأشار علام إلى أن أديس أبابا احتجزت كميات ضخمة من المياه تصل لعشرات المليارات من الأمتار المكعبة، تمثل جزءاً من الحصص التاريخية لمصر والسودان، فضلاً عن الفواقد الناتجة عن التبخّر والرشح، والتي تتحملها دولتا المصب وحدهما.

من جانبها، رأت الخبيرة في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بشأن افتتاح سد النهضة خلال سبتمبر 2025، موجّهة بالأساس للداخل الإثيوبي، في ظل التحديات السياسية والفنية التي تواجهها بلاده. وأوضحت أن "إثيوبيا تعاني من أزمات طائفية معقدة، إلى جانب مشكلات فنية في السد نفسه، إذ لم يُشغّل حتى الآن سوى توربينين فقط من أصل 13، وهو ما يُضعف الفائدة الفعلية من تمرير المياه عبر السد في الوقت الحالي". وأشارت مرعي إلى أن هذا التصعيد يأتي كذلك في سياق إقليمي أوسع، مرتبط بتداعيات الحرب الإسرائيلية – الإيرانية، وما تسببت فيه من انزلاق عالمي نحو سياسة مفادها أن "القوة تصنع الحق"، وهو ما يُغري بعض القادة الأفارقة. وأضافت: "أبي أحمد يعتبر تأمين منفذ بحري مسألة وجودية لإثيوبيا، وليس مجرد قضية سياسية، وهو ما أعلنه صراحة حين قال إن غياب الوصول إلى البحر الأحمر يثقل كاهل الاقتصاد الإثيوبي ويستلزم حلاً عاجلاً".

وحول تصريحات أبي أحمد عن "انفتاح بلاده على الحوار واستعدادها الكامل للدخول في مفاوضات مع مصر والسودان"، اعتبرت مرعي أن إثيوبيا تسعى فقط لتقديم صورة دبلوماسية إيجابية أمام الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي، بينما تستخدم المفاوضات كغطاء سياسي لترسيخ واقع جديد يمنحها حقاً مطلقاً في إقامة مشروعات مستقبلية على مجرى النيل الأزرق من دون أي التزامات أو ضوابط. وتابعت: "إثيوبيا تطالب مصر والسودان بالإقرار عملياً بسيطرتها المنفردة على النهر، وقد عبّرت عن هذا التوجه بشكل صريح في خطاب وزير المياه الإثيوبي (السابق سيليشي بيكيلي) في الثامن من يناير/ كانون الثاني 2021، حين أكد أنه لا يوجد أي إلزام قانوني على بلاده للتوصل إلى اتفاق مع دولتي المصب سواء بخصوص سد النهضة أو غيره من المشروعات المائية المستقبلية".

في السياق، أكد محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي، الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، أن "القانون الدولي ينص بوضوح، من خلال الاتفاقية الإطارية بشأن الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية لعام 1997، على آليات متعددة لتسوية النزاعات المائية، من بينها التفاوض المباشر، الوساطة، التوفيق، التحكيم، وأخيراً اللجوء إلى محكمة العدل الدولية".


محمد محمود مهران: الاتفاقية الإطارية لعام 1997 توفر أساساً قانونياً قوياً لحماية حقوق دول المصب

وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن معظم هذه الآليات تتطلب موافقة الأطراف كافة، وهو ما ترفضه إثيوبيا باستمرار منذ بداية الأزمة. وأضاف مهران أن موقف أديس أبابا الرافض لأي مسار قانوني ليس عشوائياً، بل يدخل ضمن استراتيجية مدروسة هدفها تفادي أي رقابة دولية على سياستها الأحادية، لافتاً إلى أن إثيوبيا تدرك جيداً هشاشة موقفها القانوني، وأن أي تحكيم دولي نزيه سيفضح تجاوزاتها وينصف حقوق مصر والسودان. وحول فرص اللجوء إلى التحكيم الدولي، شدّد مهران على أن هذه الوسيلة تُعد إحدى أكثر أدوات تسوية النزاعات فعالية، نظراً لمرونتها وسرعتها، فضلاً عن إمكانية اختيار محكّمين متخصصين في قضايا القانون الدولي المائي. لكنه لفت إلى أن التحكيم، كغيره من الآليات القضائية، يتطلب موافقة مسبقة من جميع الأطراف، وهو ما رفضته إثيوبيا بشكل قاطع.

دور الاتفاقية الإطارية

وفي ما يخص اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، أوضح مهران أن المحكمة تمتلك اختصاصاً أصيلاً في نظر النزاعات المتعلقة بتفسير وتطبيق المعاهدات الدولية، وتتمتع قراراتها بالإلزام القانوني الكامل. ومع ذلك، فإن إحالة النزاع إلى المحكمة يتطلب موافقة متبادلة، أو وجود معاهدة تنص على اختصاص إلزامي، وهو ما لا ينطبق على الوضع الحالي بسبب رفض إثيوبيا لأي بند قانوني مُلزم. واعتبر أن الاتفاقية الإطارية لعام 1997 توفر أساساً قانونياً قوياً لحماية حقوق دول المصب، إذ تنص بوضوح على مبدأي "الاستخدام المنصف والمعقول" و"عدم إلحاق الضرر"، وهما مبدآن راسخان في القانون الدولي العرفي، ولا يحتاجان لموافقة إثيوبية كي يسري تطبيقهما. ورغم هذه التحديات، أكد مهران أن أمام مصر بدائل قانونية أخرى، من بينها تفعيل أدوات الأمم المتحدة، واللجوء إلى الجمعية العامة للحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية، أو استخدام قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالأمن المائي كأرضية سياسية لتحريك الملف دولياً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows