هل الحرب بديل نتنياهو عن التطبيع مع سورية؟
Arab
1 week ago
share

إذا لم تنضج الظروف المطلوبة لتوقيع اتفاق تطبيع علاقات بين سورية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يجري النقاش فيه على نطاقٍ واسعٍ هذه الأيام، فحَرِيٌّ التساؤل حول العلاقة التي ستحكم بين سورية وهذا الكيان. وهل يمكن أن يترك رئيس مجلس الحرب الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سورية تتعافى؟ أم أنه سيُدْخلها مع كيانه في شكل من أشكال الحروب التي أَلِفَها خدمةً لأجنداتٍ شخصية؟ فبعدما اعتاد أن يُنهي حرباً ليشرع في الأخرى، انتقل نتنياهو إلى مرحلة إشعال مجموعة حروبٍ معاً، مع ثبوت امتلاك كيانه القدرة على الصمود في حرب استنزافٍ والتحكّم في مدتها، على عكس ما اعتاد بعض الإعلام العربي على البتّ بعجز دولة الاحتلال عن خوض حربٍ طويلة، وعلى أكثر من جبهة. من هنا، وانطلاقاً من حاجته إلى خوض حربٍ جديدةٍ لتأجيل محاكمته، وإذا ما تمخَّضَت الوعود الأميركية عن اتفاقٍ حول غزّة ينهي الحرب الإسرائيلية على شعبها بعد الهدنة القريبة، تبقى سورية المرشّحة على جدول حروبه. وهي حروبٌ من المحتمل ألا يوقفها، حتى يجد سبيلاً لإبطال محاكمته، أو انتظار المجهول.

وبينما كانت دولة الاحتلال تتابع حربها على الشعب الفلسطيني في غزّة، كانت تشاغل حزب الله ويشاغلها، وحين سنحت الفرصة، شنَّت طوال شهري أكتوبر ونوفمبر/ تشرين الأول وتشرين الثاني الماضيين (2024)، عليه الحرب التي يبدو أنها قصمت ظهره بعدما اغتالت قادته. وفي السياق، كانت تنفِّذ ضرباتٍ جوية مؤلمة على الحوثيين في اليمن، علاوةً على تنفيذها ضربات استخبارية في إيران. وبالتزامن، كانت في تلك الفترة تقصف مناطق واسعة من سورية، إلى أن سقط نظام بشار الأسد فدمّرت كل ما تبقى من قواعد وأسلحة، ومخابئ صواريخ استراتيجية على كامل خريطة البلاد. ثم جاء عدوانها على إيران مستهدفاً قادتها وعلماءها وبرنامجيها، النووي والصاروخي، ضمن خطة الاستهداف الإسرائيلية الموضوعة من عقدين، لمنعها من امتلاك سلاح نووي.

سورية مرشّحة على جدول حروب نتنياهو، وهي حروبٌ من المحتمل ألا يوقفها، حتى يجد سبيلاً لإبطال محاكمته، أو انتظار المجهول

مع تسرّب الأنباء عن قرب توقيع هدنة في قطاع غزّة شهرين برعاية قطرية ومصرية وأميركية، يكثر هذه الأيام الكلام عن إنهاء الحرب على غزّة، منه ما نُقل عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين، ويفيد بأن العملية البرّية في غزّة قاربت على الانتهاء. أما أهم ما خرج من كلامٍ في هذا السياق فهو ما صرَّح به ترامب في الأيام الماضية عن اعتقاده التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب على غزّة الأسبوع المقبل. ثم أضاف ترامب تغريدةً مختصرةً على منصته "تروث سوشال"، في 28 الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، قال فيها: "أبرموا الصفقة في غزة، أعيدوا الرهائن". وكان قبل ذلك قد طالب النيابة العامة الإسرائيلية بإغلاق ملف نتنياهو القضائي، ربما لمعرفته أن هذا الملف هو ما يجعل الرجل يطيل حربه على الفلسطينيين. لذلك قد يفاجئ ترامب الجميع ويعلن بعد لقائه نتنياهو في واشطن غداً الاثنين، وقفاً لإطلاق النار في غزّة، يُنهي تسعة عشر شهراً من حرب الإبادة الجماعية التي شنتها دولة الاحتلال على القطاع فدمرته وشردت أهله، وقتلت أكثر من 56,500 شخص، وجرحت أضعاف هذا العدد، علاوة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم التطهير العرقي التي اقترفتها بحق المدنيين الفلسطينيين.

ولكن، إذا خضع نتنياهو لإرادة ترامب وأوقف حربه على غزّة، فهل ستخضع السلطات القضائية الإسرائيلية أيضاً وتطوي ملفات نتنياهو القضائية، ومن ثم ينتفي عنده أحد دوافع إشعال هذه الحروب؟ من غير الجائز أن تفعل هذه السلطات ذلك، وإلا فستكون بمثابة الفضيحة داخل الكيان. وإضافة إلى إظهارها عدم استقلال القضاء الإسرائيلي، ستكون سابقة قد تزعزع مؤسسات الكيان بوصفها خرقاً غير معهود في تاريخ الدول التي تتباهى بمؤسساتها، فما بالك بالإسرائيليين الذين دائماً ما يعتبرون الأميركيين بُلَهَاء تنطلي عليهم الحِيَل. وعلى الرغم من أنهم لا يستطيعون الاستمرار من دون الأميركيين، لا يسمحون لواشنطن أن تقرر مصير كيانهم أو حتى بعض سياساته.

تستند الأخبار المحمومة هذه الأيام عن قرب تطبيع العلاقات بين سورية ودولة الاحتلال، على كلامٍ متناقَل، وليس على وقائع من قبيل الاجتماعات التي تبحث في السياق لم يكن الغرض منها سوى تخفيف التوترات على الحدود بين الطرفين، كما قيل. لكن كلام الموفد الأميركي إلى سورية، توم برَّاك، لوكالة الأناضول في 29 يونيو/ حزيران الماضي، عن ضرورة إبرام اتفاقات سلام بين دولة الاحتلال وسورية ولبنان، يأتي بعد كلام وزير خارجية العدو، جدعون ساعر، قبل أيام، ليوحي وكأن السوريين هم من يسعون إلى التطبيع مع الإسرائيليين وليس العكس. وقال ساعر: "إسرائيل تعتزم البقاء في الأراضي السورية والاحتفاظ بمرتفعات الجولان شرطاً أساسيّاً ضمن خطة التطبيع مع سورية"، فهل يريد الإسرائيليون اتفاقية إذعانٍ يملي فيها الكيان شروطه على سورية، ومن ثم يرفضها السوريون؟

اعتمدت دولة الاحتلال، بعد هروب بشار الأسد، استراتيجية قضم الأراضي في الجنوب السوري لضرورات الأمن القومي الإسرائيلي، بحسب تعبيرهم

اعتمدت دولة الاحتلال، بعد هروب بشار الأسد، استراتيجية قضم الأراضي في الجنوب السوري لضرورات الأمن القومي الإسرائيلي، بحسب تعبيرهم، الأمر الذي يتطلب وفق الممارسة الإسرائيلية الاحتفاظ بأراضٍ في الجنوب السوري لإقامة شريطٍ حدوديٍّ عريض من أجل حماية الإسرائيليين من تسلل عناصر أجنبية، وذلك بعدما تمركزوا على مرتفعات استراتيجية في الأراضي السوري تكشف حتى مسافاتٍ بعيدةٍ ما يصنفونه تحركات مريبة على الجانب السوري. من هذا المنطلق، ليس من المتوقع أن تفرِّط دولة الاحتلال في هذه الأراضي وتعيدها لسورية، فما بالك بإعادة الجولان للسيادة السورية الذي يقال إن القيادة السورية الحالية تشترط إعادته قبل المضي في عملية التطبيع.

في ضوء هذه المعطيات، إذا كان التطبيع بين سورية والكيان الإسرائيلي غير ممكن في هذه الأوقات، أو حتى في الأشهر المقبلة، فما البديل الذي سيحكم العلاقة بينهما في ظل احتلال الإسرائيليين الأراضي في الجنوب السوري؟ وهل ستبقى السلطة السورية صامتة عن هذه التجاوزات؟ وإذا بقيت كذلك حالياً، فهل ستصُمّ آذانها عن مطالب السوريين في اتخاذ موقف صارم من الاعتداءات الإسرائيلية التي تنتهك السيادة السورية، ومطالبتها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها ووقف الاعتداءات؟ قد يتفاءل بعضٌ بالقول إن القيادة الإسرائيلية ستستجيب، وإذا لم تستجب، وهو المتوقع، فربما يعمد نتنياهو إلى إشعال جبهة سورية بطريقة تبقي الحرب فيها حرب استنزاف لسورية، فيَشغل الدوائرَ الإسرائيلية ويُبقي جلده سالماً وبعيداً عن سياط المحاكم.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows