مئات المباني آيلة للسقوط في مدن تونس
Arab
1 week ago
share

يواجه سكان آلاف المباني في العاصمة التونسية خطر انهيارها، خاصة أن أغلبها لم يرمم منذ سنوات، ولم تفلح جهود إخلائها أو تأمين بديل عنها.

على مقربة من شاطئ المرسى في العاصمة التونسية، يتشبّث أحد المباني القديمة بما تبقى من بنيانٍ قد ينهار في أي لحظة. يتألف المبنى من طابقين وتطلّ شرفاته الصغيرة على الأزقة الضيقة، ولا تزال جدرانه التي تصدّعت بفعل الزمن، تحتفظ بأثر طلاءٍ باهتٍ، واقتصرت عمليات الترميم على دعم المبنى ببعض الأعمدة الحديدية حتى لا ينهار على المارّة.

المبنى الصامد عند أطراف الشاطئ، ليس الوحيد الذي قد ينهار في أي لحظة، إنما مئات المباني المشابهة، خصوصاً تلك الواقعة في المدن الكبرى في العاصمة، على غرار مدينة حلق الوادي ومدينة المرسى، إضافة إلى مبانٍ في المدينة العتيقة باتت تشكل خطراً على ساكنيها والمارّة على حد سواء، حيث إن أغلبها لم يُرمّم منذ عشرات السنوات.

وبحسب وزارة التجهيز والإسكان التونسية، فإنّ المباني التي تمّ تشييدها قبل عام 1956 تمثّل نحو 6% من مجموع الرصيد السكني في تونس، ويتمركز أغلبها في تونس الكبرى، أي العاصمة وبعض المدن المجاورة. وقد ظلّت تلك المباني محلّ جدل كبير، وفشلت البلديات المتعاقبة في إيجاد حل جذري، خصوصاً أنّها أصبحت تشكل خطراً على المارّة بعد انهيار أجزاء كبيرة منها. جديرٌ بالذكر أنّ المئات من تلك المباني لا تزال مأهولة بعددٍ كبير من المواطنين، أغلبهم يعيشون فيها مقابل بدل إيجار بأسعار رمزية لا تتجاوز عشرة دولارات أميركية في الشهر.

يعيش حفيظ (55 سنة) في أحد مباني منطقة باب الخضراء في العاصمة منذ أكثر من 15 عاماً، بعدما وضع يده على إحدى الشقق التي تعود ملكيتها إلى أجانب، وهو يقطنها بشكل مجاني من دون أن يطالبه أحد بالإيجار. ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن المبنى قديم ومهدد بالسقوط، لكن لا بديل لديه، فهو غير قادر على تأمين مسكن، أو توفير إيجار بيت صغير.

وفي فبراير/شباط الماضي، قرر والي تونس عماد بوخريص، إخلاء كل المباني الآيلة للسقوط، حفاظاً على الأرواح، والعمل على إيجاد مراكز إيواء، ودعا جميع الأطراف المعنية إلى اتّباع طريقة الترميم الثقيل حفاظاً على الطابع الأثري والتاريخي للمنشآت والمباني المُراد ترميمها، داعياً العُمد إلى تقديم تقارير حول التدخلات العاجلة بالمساكن والعقارات والمباني والمؤسسات التربوية والدينية والثقافية والرياضية المتداعية للسقوط. كما تمّ الاتفاق على إحداث وكالة صيانة المدينة من أجل التنسيق الفني والمالي والإنجاز بتمويل من الدولة. ودعا الوالي إلى إحداث لجنة قيادة محلية تنسيقية بين جميع المتدخلين (التراث والتجهيز والبلديات والحماية المدنية وغيرها) تحت إشراف المعتمدين، تُعنى برفع القرارات إلى اللجنة الجهوية.

لكن بعد نحو شهرين فقط، انهار جزء من مبنى قديم في المدينة العتيقة بالعاصمة، من دون أن يُخلّف خسائر بشرية. لتؤكد بلدية تونس وجود نحو 1100 مبنى مهدّد بالسقوط، نصفها في المدينة العتيقة.

وفي يونيو/حزيران 2024، صادق البرلمان التونسي على قانون المباني المتداعية للسقوط، وأشار إلى تفاقم حالات المباني المهدّدة بالانهيار في تونس الكبرى، وفي مدينتَي بنزرت وصفاقس. وتضمّ ولاية المهدية نحو 530 عقاراً آيلاً للسقوط، وفي ولاية بنزرت نحو 300 عقار متداعٍ، وفي ولاية نابل نحو 280 عقاراً متداعياً، وفي ولاية جندوبة نحو 280 عقاراً آيلاً للسقوط، وفي ولاية القيروان نحو 90 عقاراً متداعياً.

ويتيح القانون معالجة أوضاع المباني المتداعية للسقوط، من خلال حثّ المالكين على صيانة عقاراتهم وتمكينهم عبر أفضل الآليات وأسرعها للحفاظ على سلامة المارّة والقاطنين. كما سيضبط القانون إجراءات ومراحل تشخيص المباني المتداعية للسقوط وطرق معالجتها.

وأكد القانون الطابع الإداري لإجراءات التدخل لاستصدار وتنفيذ القرارات المتخذة في إطار التعهد بمعالجة المباني المتداعية للسقوط، سواء بالإخلاء أو الهدم أو الترميم الثقيل. كما ضبط مختلف إجراءات التدخل بكل دقة وحدّد مدة كل إجراء في حالة تداعي المبنى للسقوط، مع إخضاع القرارات المتخذة لرقابة القاضي الإداري. علماً أن قرارات الإخلاء والهدم أو الترميم الثقيل المتخذة في إطار مشروع القانون المعروض، تقوم على اختبار فني مأذون به قضائياً ومُعدّ من جانب مهندس مرسم (مُدرج) بقائمة الخبراء العدليين.

وأشار القانون إلى إمكانية اللجوء إلى الانتزاع من أجل المصلحة العمومية في إطار تدخّل السلطة العامة لتفادي انهيار المباني المتداعية للسقوط، علماً أن انتزاع العقارات المتداعية للسقوط إجراء استثنائي تفرضه حالات التدخل الوجوبي للبلدية بعد استنفاد كل الإجراءات والآجال وتقاعس المالك أو عدم تعهده بتنفيذ القرارات الصادرة بشأن مبناه الآيل للسقوط.

وأكدت وزارة التجهيز والإسكان أن هذا القانون سيُمكّن حال إصداره، المالكين والبلديات والدولة من التدخل لدرء الخطر المحدق بسكان هذه المباني وجيرانهم والمارّة. لكن البلديات تواجه نقصاً في الموارد البشرية والمالية، إضافة إلى تعقيدات إدارية عديدة لتطبيق القانون. ورغم تعليمات والي تونس ودعواته، لم يتم إخلاء أي من تلك المباني أو توفير مراكز إيواء أو الانطلاق بأي إجراءات.

وعلى الرغم من إحصائيات بعض البلديات أو وزارة التجهيز والإسكان، لا توجد إحصائيات دقيقة بعدد المباني القديمة وعدد سكانها، أو حتى تفاصيل عن مالكيها، وعمّا إن كان أغلبها يعود لملكيّة التونسيّين أو يملكها أجانب، لا سيّما وسط تأكيد أغلب المسؤولين بأن معظم هذه المباني يملكها أجانب من فرنسيّين وإيطاليّين على وجه الخصوص.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows