
تنطلق أعمال القمّة السابعة عشرة لمجموعة دول بريكس بمدينة ريو دي جانيرو في البرازيل غداً الأحد، بمشاركة قادة وزعماء قوى اقتصادية صاعدة؛ لبحث آفاق التعاون الدولي، وصياغة رؤية طموحة تعكس تطلعات عالم متعدّد الأقطاب. وتشارك في القمّة عشرون دولة، تشمل دولاً ذات عضوية كاملة ودولاً شريكة ضمن مجموعة بريكس.
وتمتد فعاليات القمّة على مدار يومين، وتتضمن جدول أعمال مكثفاً يشمل جلسات عامة ولقاءات ثنائية ومتعدّدة الأطراف، فيما تركز المناقشات على "تعزيز التعاون بين دول الجنوب"، في سياق السعي لترسيخ دور بريكس في المشهد الدولي. وتحت هذا العنوان العام تتوزع عدة محاور رئيسية تشمل الحوكمة الاقتصادية العالمية، والتكنولوجيا والابتكار، والتنمية المستدامة وقضايا المناخ، والسلام والأمن الدوليين بالإضافة إلى جلسات رسمية متنوعة.
وتشهد القمّة غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ للمرة الأولى في تاريخ اجتماعات قمم المجموعة، إذ أبلغت بكين الحكومة البرازيلية أن الغياب ناتج عن تضارب في المواعيد، وسيمثل الصين في القمّة رئيس الوزراء لي تشيانغ. وتمثل الصين أكبر اقتصاد داخل مجموعة بريكس، إذ تُسهم بنحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة، وتعتبر الشريك التجاري الأكبر لمعظم الأعضاء وتلعب دوراً محورياً في نجاح أي مبادرة تتبناها المجموعة.
كما يغيب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنّه سيشارك عبر تقنية الاتصال الافتراضي، فيما يحضر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف نيابة عنه. وكانت الحكومة البرازيلية قد تولت رئاسة المجموعة للمرة الرابعة في يناير/كانون الثاني الماضي، ونفت وجود نية لإنشاء عملة مشتركة لدول بريكس، لكن الدول الأعضاء لم تنفِ نيّتها الاعتماد على العملات المحلية في التبادلات التجارية البينية بين الأعضاء.
تحديات وطموحات بريكس
وتحمل القمّة أهمية كبيرة في ظل سعي دول الجنوب العالمي لإعادة تشكيل النظام العالمي وتقليل الاعتماد على الهياكل الاقتصادية والسياسية الغربية التقليدية، كما تسعى لتعزيز التجارة بالعملات المحلية والتعاون الاقتصادي بين الأعضاء، في إطار استراتيجية أوسع لبناء نظام اقتصادي متعدد الأقطاب، كما تأتي القمة السابعة عشرة لمجموعة بريكس، في توقيت حرج؛ إذ تواجه المجموعة تحديات داخلية وخارجية تختبر تماسكها وقدرتها على تحقيق أهدافها الطموحة، فمن جهة، تسعى دول الأعضاء لتعزيز التعاون في مجالات حيوية مثل التكنولوجيا والمناخ والصحة، ومن جهة أخرى تواجه صعوبات في التنسيق بين مصالحها المتنوعة وأحياناً المتضاربة.
ويبقى الجانب الاقتصادي القلب النابض لتعاون دول المجموعة من خلال السعي لتعزيز التجارة والاستثمار البيني وتقليل الاعتماد على النظام المالي الدولي التقليدي، وتشكل التجارة بالعملات المحلية أولوية خاصة، إذ تهدف المجموعة لمضاعفة حجم التسويات عبر الحدود بالعملات الوطنية. وقال محللون في بكين إنّ دول بريكس مستعدة للعمل المشترك من أجل نموذج أكثر توازناً للحكم العالمي يدعم النظام متعدّد الأطراف الذي تقوده الأمم المتحدة، وشددوا على جهوزية دول المجموعة لمواجهة التحديات المتزايدة بدءاً من الحمائية وصولاً إلى تقلبات التجارة العالمية.
وتضم مجموعة بريكس حالياً أبرز الاقتصادات النامية في العالم، وتضمّ 11 دولة عضواً هي: البرازيل، وروسيا، والهند، وإندونيسيا، والصين، وجنوب أفريقيا، والسعودية، ومصر، وإثيوبيا، والإمارات، وإيران، وعشر دول شريكة هي: بيلاروسيا، وبوليفيا، وكازاخستان، وكوبا، وماليزيا، ونيجيريا، وتايلاند، وأوزبكستان، وأوغندا، وفيتنام، وقد جرت دعوة الدول الشريكة للمشاركة في فعاليات الكتلة، لكنّها لا تتمتع بنفس سلطة اتخاذ القرار التي يتمتع بها الأعضاء الكاملون.
وتساهم مجموعة بريكس بما يقارب 40% من التجارة العالمية، وتجارة داخلية تجاوزت التريليون دولار، و27% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و72% من احتياطيات المعادن النادرة في العالم. وبحسب أحدث الإحصائيات، تضم المجموعة أكثر من 3.7 مليارات نسمة، أي ما يعادل 45% من سكان العالم، ويترجم هذا الحجم الديموغرافي الضخم، إلى قوة استهلاكية وإنتاجية هائلة، خاصة مع النمو المستمر للطبقة المتوسطة في هذه البلدان.
ومن المتوقع أن تتفوق بريكس على مجموعة السبع اقتصادياً بحلول عام 2030، إذ تشير التوقعات إلى أن نصيبها من الناتج العالمي سيرتفع إلى 29% مقابل تراجع نصيب مجموعة السبع في مجال التجارة الدولية.
قوة اقتصادية صاعدة
من جانبه، قال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، إنّ "إجمالي الأصول المالية لدول مجموعة بريكس تجاوز 60 تريليون دولار، ما يعادل أكثر من نصف الأصول المالية العالمية"، وأشار الوزير الروسي إلى أن المجموعة "باتت تشكل قوة اقتصادية متصاعدة على المستوى الدولي"، وأكد سيلوانوف خلال اجتماع مجلس المحافظين لـ"البنك الجديد للتنمية"، التابع لمجموعة "بريكس"، في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل، أن البنك يمثل "الأداة المالية الرئيسية" للاستثمار في مشاريع تنموية داخل دول بريكس، وكذلك في بلدان الجنوب العالمي، وفق وكالة "تاس" الروسية.
وأضاف سيلوانوف: "نشهد اليوم مرور عقد على انطلاق عمل البنك، الذي يموّل المشاريع الجديدة ليس في دول بريكس فحسب، بل في الدول النامية الأخرى أيضاً"، وأردف: "يقدر عدد سكان الجنوب العالمي بنحو 70% من سكان العالم، فيما تصل حصتهم من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى حوالى 60%". وأسَّست مجموعة بريكس عام 2014، بنكَ التنمية الجديد، ويقع مقرّه في شنغهاي، ويهدف إلى تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء والاقتصادات الناشئة الأخرى، وقد بدأ البنك عملياته برأسمال مصرح به قدره 100 مليار دولار، ووافق حتى الآن على مشاريع بقيمة تزيد عن 30 مليار دولار.
وخلال العام الماضي، كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن حصة "بريكس" من الاقتصاد العالمي بلغت 37.4% في عام 2023، مقارنة بـ29.3% لمجموعة السبع. وأشار بوتين، إلى أن أكثر من 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العقود الأخيرة جاء من دول بريكس. وتوقع أن يبلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي للمجموعة 4%، لافتاً إلى أن هذا النسبة "تتجاوز بكثير معدل مجموعة السبع البالغ 1.7%".
(قنا، الأناضول، العربي الجديد)

Related News


