كلّما أراد الرجل تعظيم امرأة بدت له استثنائية أو مدح خصالها استعمل هذه العبارات: "امرأة بألف رجل"، "نساء، والواحدة بألف رجل''، "امرأة في جوفها قلب رجل"، ''امرأة أرجل من مائة رجل''، "أنا ربيت بنت بألف راجل"،...
ويكفي أن نقلّب صفحات كتب التراث أو بعض المقالات التي تُشيد ببطولة فئة من النساء كأمّ سلمة ونسيبة بنت كعب الخزرجية، وصفية عمّة النبيّ، وغزالة الحرورية، أو زينب بنت عليّ أو مريم الحرّة أو النساء الفلسطينيات وغيرهنّ حتّى ننتبه إلى أنّ المعيار الذي تُقيّم المرأة من خلاله هو الرجل: فهو القويّ، والشجاع والجريء، والمقدام و... ومتى فارقت المرأة الصفات التي يُعتقد أنّها ''طبيعية" و"فطرية'' كالضعف والجبن والرقّة وغيرها، تمّ الاعتراف بفضائلها قياسًا على الرجل من جهة، وطمس كلّ جهد بذلته من أجل اكتساب صفات تخوّلها إثبات الذات، من جهة أخرى.
تغيّرت أحوال النساء والرجال على جميع الصعد، ولكن ظلّت طرائق التفكير هي ذاتها. فقصص نجاح النساء في عدّة مجالات تُثير التعجّب وتُتداول وتُحقّق المرئية المطلوبة لأنّها تخالف المتوقّع اجتماعيًّا من حيث الأداء والفعل والإبداع... فأنّى لكائن ضعيف وفي منزلة دونيّة أن يتجاوز الصعاب والقيود الاجتماعية ويتحدّى المعايير الاجتماعية والتقاليد والعادات...؟ أمّا قصص نجاح الشبّان أو بطولات الرجال فإنّها لا تحظى، غالبًا، بالاهتمام نفسه. فما الغريب في تفوّق الرجال ونبوغهم ما دام الرجل هو المثل الأعلى للمثابرة والتحدّي والنجاح والتفوّق والبطولة وهو رمز القوّة وعنوان الإبداع... ولا يمكن بأي حال، أن يُقال للرجل الذي أثبت تفوّقه: "أنت رجل بمائة/ألف امرأة" فتلك إهانة كبرى.
تغيّرت أحوال النساء والرجال على جميع الصعد، ولكن ظلّت طرائق التفكير هي ذاتها
وليس من الصعب التكهّن بأنّ وراء خطاب التعجّب/الإعجاب، الدهشة/الاعتراف، شعور ينتاب الرجال وأغلب النساء بعسر الخروج من بنية ذهنيّة تأسّست على مركزيّة الرجل ودونيّة المرأة التي يُطلب منها أن تبقى في الهامش حفاظًا على التراتبية الهرميّة والنظام الاجتماعيّ. إنّه تذكير رمزيّ يرى أن لا مفرّ من التماهي مع الأنموذج، أي الرجل باعتباره الأصل. وما دامت المرأة تمثّل الفرع/الضلع الأعوج، يبقى التمييز/التبعية/الهيمنة/الاستغلال ممارسات مفروضة عليها حتى وإن حقّقت ذاتها وكتبت وأبدعت.
تُدخِلن فئة من النساء ذات التوجّه النسويّ هذه الأفكار فيحفّزن غيرهنّ إلى التنافس مع الرجال والتفوّق عليهم في كل المجالات فيختزلن التحرّر وتجسيد المساواة في محاكاة الرجال، مُثبتات لاشعوريًّا، تكيّفًا مع الأفكار السائدة وعجزًا عن التزحزح عن المعيار/الرجل، وعن الخروج من عباءة الذكوريّة.
بنية ذهنيّة تأسّست على مركزيّة الرجل ودونيّة المرأة
أن تقاس كفاءة المرأة وتميّزها بمجموعة من الفضائل وفاعليتها بعدد من الرجال (100-1000)، معناه الإقرار بوجود تراتبية هرمية داخل "مجتمع الرجال" تجعل "الرجل الكامل" أو صاحب الذكورة المهيمنة في الصدارة، بينما تُصنّف أنماط أخرى من الذكورة (المسحوقة/ المتواطئة...) في درجات أقلّ. وهذا يطرح إشكالًا بشأن المعيار: فهل المرأة أفضل من مائة أو ألف رجل عجزوا عن الارتقاء إلى أعلى الترتيب وتمثيل الذكورة المُهيمنة؟ وهل المطلوب من المرأة أن تتماهى مع الرجل المُمثّل للذكورة المُهيمنة، وأن تصبح، وهي المُتصدية للهيمنة الذكورية، "مفتونة" بالمُهيمن ومقتدية به؟
إنّ المرأة التي توصف بالجرأة والشجاعة وقوّة الشكيمة وغيرها من الصفات والقادرة على التميّز في كل المجالات هي امرأة، وليست في حاجة إلى أن تتماهى مع الرجل، لأنّ ما يكسبها قيمة هو قدرتها على ممارسة حقّها في الاختيار والدفاع عن طموحاتها وأحلامها وتحقيق ذاتها، والمحافظة على هُويّتها وفق تصوّراتها، وهذا يعني أنّ الرجل ليس معيارًا، وأنّه من الإجحاف أن تُقارن المرأة المتميّزة به أو أن تتحوّل إلى سُبّة تستعمل لتجريد الرجل من هويته متى جبن وضعف... فيشبّه بالنساء.
لسنا في حاجة إلى إجراء المقارنات على أساس التفاضل، فالمعيار الحقيقي هو الإنسانية التي تتجاوز الحدود: الجنس، الطبقة، السنّ، الإثنية... والمهمّ أن يسعى الواحد منّا إلى أن يكون إنسانًا في زمن التوحّش.
Related News

