عماد الدين أديب يسلّم منبره لزعيم المعارضة الإسرائيلية
Arab
1 week ago
share

في خطوة أثارت موجة غضب واسعة في الأوساط الإعلامية والنقابية والشعبية، أجرى الإعلامي المصري عماد الدين أديب حواراً مطولاً لصالح قناة سكاي نيوز عربية، مع زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، بُثّ يوم الخميس الماضي. اللقاء أعاد إلى الواجهة الجدل حول دور الإعلام في التعاطي مع قضايا التطبيع مع الاحتلال، وحدود المهنية في ظل العدوان المتواصل على غزة.

وسارعت نقابة الصحافيين المصريين إلى إعلان موقف حازم من المقابلة، إذ وصفها نقيب الصحافيين، خالد البلشي، بأنها "جريمة مهنية وإنسانية"، مؤكداً في بيان رسمي أن النقابة ترفض "أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، سواء كان مهنياً أم شخصياً". وأضاف البلشي: "من هذا المنطلق، أعلن رفضي للجريمة المهنية والإنسانية التي ارتكبها عماد الدين أديب بحواره مع الصهيوني يائير لابيد، والذي وفّر خلاله منصة لتبرير جرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال". وأوضح أن أديب "شطب من جداول النقابة بعد قرار هيئة التأديب الابتدائية في سبتمبر/أيلول 2020، على خلفية فصله التعسفي لعشرات الصحافيين من صحيفة العالم اليوم، وإغلاق ملفاتهم التأمينية بأثر رجعي لخمس سنوات، منذ عام 2014"، مشدداً على أنه "لم يعد عضواً في النقابة". وتابع البلشي: "لو كان لا يزال عضواً بالنقابة، لما توانت عن اتخاذ إجراء فوري بحقه"، داعياً الزملاء الصحافيين إلى الالتزام بقرار الجمعية العمومية برفض التطبيع، ومؤكداً أن "أي عضو يخالف القرار سيُحال إلى التحقيق فوراً".

وأثار الحوار الذي حمل عنوان "مقابلة خاصة مع يائير لابيد" موجة من الانتقادات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ووصفه كثيرون بأنه "طعنة في قلب الإجماع الشعبي" و"منبر تطبيعي يبرر الاحتلال"، خصوصاً أن لابيد استغل المقابلة لترويج روايته حول العدوان على غزة، مهاجماً حركة حماس وواصفاً إياها بـ"الإرهابية"، وداعياً إلى نزع سلاحها بوصفه شرطاً لإنهاء القتال.

في هذا السياق، قال عضو مجلس نقابة الصحافيين ورئيس لجنة الحريات، محمود كامل، لـ"العربي الجديد"، إن "ما جرى لا مبرر له لا مهنياً ولا موضوعياً، بل هو جريمة إعلامية بحق شعب أعزل يُباد على مدار الساعة منذ قرابة عامين". وأضاف: "الادعاء بالموضوعية هنا ليس سوى محاولة لغسل اليدين من دماء أطفال غزة". وأكد كامل أن الكيان الصهيوني، رغم وجود اتفاقات سياسية مع بعض الحكومات العربية، لا يزال عدواً صريحاً للشعوب، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني. وقال: "الصحافة، بصفتها ضميراً حياً لهذه الشعوب، يجب أن تبقى بعيدة عن جريمة التطبيع، وهذا ما كان ينبغي ترسيخه حتى قبل طوفان الأقصى، لأن العدو لم يتغير، ولا تزال فلسطين تحت الاحتلال". وختم بتعليق لاذع على من يبررون مثل هذه اللقاءات تحت شعار المهنية، قائلاً: "كما يقول المثل المصري: حِجة البليد مسح التختة، وأقول في هذا السياق: حِجة الإعلام العربي البليد المطبع، مسح دماء أطفال غزة بخرقة الموضوعية المزعومة".

الصحافي والمذيع أحمد الدريني كتب على صفحته في "فيسبوك" تعليقاً اعتبر فيه أن عماد الدين أديب "لا يبدو كمحاور، بقدر ما هو منبر دعائي لمصدره"، مشيراً إلى أن أسلوبه يتسم بـ"الاستسلام الكامل لسردية الضيف"، من دون مساءلة أو تحدّ. وأضاف أن أديب "يفشل في توجيه أسئلة مترابطة أو طرح القضايا الجوهرية"، محوّلاً المقابلة إلى "دردشة دعائية". وختم بالقول إن اللقاء يصلح "كمادة تدريسية لطلاب الإعلام كي لا يكرروا أخطاءه"، مضيفاً أن "خروقات أديب المهنية أفدح من انحطاطات السياسة".

لم يقتصر الجدل على عماد الدين أديب، بل طاول أيضاً المنصة الإعلامية التي بثّت اللقاء. إذ وُجهت انتقادات إلى "سكاي نيوز عربية"، التي تبث من أبوظبي، باتهامها بأنها "تفتح شاشاتها لأصوات الاحتلال"، بينما تضيّق على الأصوات المقاومة أو المنتقدة للتطبيع. ورأى صحافيون ومراقبون أن المقابلة تأتي في سياق حملة أوسع لإعادة تأهيل الخطاب الإسرائيلي في الإعلام العربي، في ظل اتفاقات التطبيع التي أبرمتها بعض الدول العربية مع إسرائيل، ضمن ما يُعرف بـ"اتفاقيات أبراهام".

عماد الدين أديب، المعروف بتناوله ملفات سياسية شائكة، ليس غريباً على الأضواء أو الجدل. ورغم عدم توفر معلومات دقيقة عن لقاءات سابقة مع مسؤولين إسرائيليين، إلا أن بعض المراقبين يشيرون إلى تبنيه خطاباً براغماتياً يروّج الحوار مع "الجميع"، وهو ما اعتبره البعض ذرائع مهنية تبرر تجاوز الخطوط الحمراء. في 2018، أبدى أديب تقارباً واضحاً مع أطروحات بعض مراكز الأبحاث الغربية المؤيدة لإسرائيل، وكتب في مقالة له أن "السلام الشامل لا يتم إلا عبر تفاهمات استراتيجية، مهما كانت مريرة"، ما فُسر آنذاك مهادنةً للخطاب التطبيعي.

في هذا السياق، حذّر صحافيون من أن تمرير مثل هذه اللقاءات من دون مساءلة أو رد حاسم قد يشجع على تكرارها، ويرسّخ واقعاً إعلامياً جديداً تبتعد فيه المنظومة المهنية عن الموقف القومي لصالح لغة "الحياد" و"التوازن" التي تفتقر إلى العدالة في سياق الاحتلال. ورأى الرئيس السابق لصحيفة المصري اليوم، أنور الهواري، أن اللقاء "هدفه تسويق الرأي الإسرائيلي للعقل والوجدان العربي، مؤكداً أن تمرير الرأي الصهيوني هو الغاية النهائية، سواء كان المذيع يشتبك أو يتواطأ، فالأمر جزء من أجندة موحدة في القنوات الفجة والماكرة".

وأجمع إعلاميون على أن اللقاء حمل رسائل دعائية متقنة، جرى تمريرها من دون اعتراض يُذكر، في غياب شبه تام للمهنية الصحافية المفترضة في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. بدا لابيد مرتاحاً منذ اللحظات الأولى، يمسك بخيوط الحوار، ويستعرض سرديته كما لو يخاطب جمهوراً متفهماً ومتواطئاً. تحدث مطولاً من دون مقاطعة أو استيضاح عن "إنسانية" الجيش الإسرائيلي الذي "يقدّم المساعدات" لسكان غزة، متجاهلاً آلاف القتلى والجرحى، ومن دون أن يعترض المحاور المصري أو يذكّره بالوقائع اليومية للمجازر بحق المدنيين.

وتجاوز لابيد بسهولة خطوطاً حمراء في الخطاب الإعلامي العربي، حيث روّج معادلاتٍ جديدةً في التعامل مع القطاع، وكرر مقترحاته بتحميل مصر مسؤولية إدارة غزة مقابل إعفائها من ديونها، في طرح خطير بدا وكأنه يسعى لإقحام القاهرة في مشروع طويل الأمد يخدم الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية. ولم يوجه عماد الدين أديب سؤالاً واحداً عن سيادة مصر، أو موقفها من الاحتلال، أو مغزى دعوة دولة عربية لتحمّل تبعات جرائم الاحتلال نيابة عنه.

واستغل لابيد غياب أي مداخلة نقدية، ليهاجم حكومة بنيامين نتنياهو بشكل انتقائي، محاولاً تقديم نفسه أنه بديل "عاقل" ومقبول للداخل الإسرائيلي والدوائر الغربية، خصوصاً اللوبي اليهودي في واشنطن. وكان خلافه المزعوم مع نتنياهو محصوراً في الكفاءة والأداء الأمني، ما جعل اللقاء أقرب إلى رسالة انتخابية موجهة، لا حواراً إعلامياً متوازناً.

كما بدا الحوار، من حيث تكوينه وتوجيهه وأسلوبه، أقرب إلى جلسة دعائية مفتوحة، يخلو من التحدي المهني أو الأسئلة المحرجة. فلم يُواجه لابيد بسؤال حقيقي عن مصير الفلسطينيين تحت الاحتلال، أو الجرائم ضد الصحافيين، أو خطة إسرائيل لفرض وقائع ديمغرافية في الضفة والقدس. غابت فلسطين بوصفها قضية شعب، وحضرت بوصفها ملفاً أمنياً في سردية الضيف، من دون أي مجهود من محاوره عماد الدين أديب لكسر هذا الإطار.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows