تجدد هجرة مغاربة سباحةً إلى سبتة رغم خطر الموت
Arab
1 week ago
share

عادت محاولات الهجرة السرية سباحةً إلى شمال المغرب، وعاشت مدينة سبتة التي تفرض إسبانيا سيادتها عليها في نهاية الأسبوع الماضي، توتّراً من جرّاء تصاعد محاولات الهجرة، خصوصاً من قبل قاصرين مغاربة استغلّوا سوء الأحوال الجوية وكثافة الضباب اللذَين يعرقلان المراقبة الأمنية عبر الحدود البحرية.
وتمكّن نحو خمسين قاصراً مغربياً، يومَي السبت والأحد الماضيَين، من الوصول إلى سبتة على الرغم من المخاطر التي تتهدّدهم في المياه، وفقاً لبيانات رسمية، علماً أنّ مصادر ميدانية رجّحت أن يكون العدد أكبر، مشيرةً إلى أنّ القاصرين استغلّوا ضعف الرؤية ليعبروا بطريقة لا يمكن رصدها، على الرغم من أنّ الجهات المغربية المعنية تدخّلت من خلال إرسال دوريات في قوارب.
ويعمد فتيان وشبّان مغاربة، وكذلك مهاجرون أجانب إلى السباحة نحو مدينة سبتة انطلاقاً من شواطئ مدينتَي الفنيدق وبليونش في شمال المغرب، لا سيّما أنّ السباحة وسيلة غير مكلفة مادياً للهجرة بخلاف الهجرة عبر القوارب التي تُعَدّ كلفتها باهظة. والمسافة البحرية بين أقرب نقطتَين من شواطئ سبتة إلى الشواطئ المغربية تُقدَّر بما بين خمسة إلى سبعة كيلومترات، الأمر الذي يجعل عبورها سباحة ممكناً، خصوصاً من سواحل شاطئ تاراخال، جنوبي سبتة، أو سواحل شاطئ سواحل بليونش شرقيها.
وشهدت محاولات الهجرة إلى سبتة عن طريق السباحة تزايداً ملحوظاً خلال العام الماضي، أبرزها ما سُجّل في أغسطس/ آب 2024 من محاولات جماعية وفردية، الأمر الذي دفع السلطات المغربية إلى تشديد الإجراءات الأمنية. وفي 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، عاشت مدينة الفنيدق المغربية ليلة ساخنة بعد تدفّق المئات إلى حدود سبتة في ما سُمّي بليلة "الهروب الكبير" بعد حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي دعت إلى هجرة جماعية عبر الحدود إلى سبتة. لكنّ محاولات مئات من الشبّان الوصول سباحةً أو من خلال اجتياز السياج الفاصل بين المدينتَين باءت بالفشل، بعدما اصطدمت بانتشار عناصر أمنية في المنطقة.
وتفيد البيانات الرسمية بأنّ السلطات المغربية تمكّنت خلال العام الماضي، من إحباط محاولات عبور 78 ألفاً و685 مهاجراً غير نظامي إلى الاتحاد الأوروبي، بزيادة قدرها 4.6% مقارنة بعام 2023. وأوضحت وزارة الداخلية المغربية أنّ هذه الأرقام تعكس "الضغوط المتزايدة المرتبطة بالهجرة في ظلّ بيئة إقليمية غير مستقرّة". ومن بين عمليات الاعتراض التي نفّذتها السلطات المغربية في العام الماضي، سُجّل عدد كبير عند الحدود بين الأراضي المغربية ومدينتَي سبتة ومليلية المحتلّتَين، وأشارت وزارة الداخلية إلى تسجيل "14 محاولة عبور جماعي نحو الجَيبَين خلال عام 2024، في مقابل ستّ محاولات في عام 2023".

ويقول الخبير المغربي في شؤون الهجرة شكيب الخياري لـ"العربي الجديد"، إنّ "عدد الوافدين غير النظاميين إلى سبتة عبر المسالك البحرية تراجع بصورة لافتة في النصف الأول من عام 2025، إذ سُجّل فقط وصول ثلاثة مهاجرين في مقابل 13 مهاجراً في الفترة نفسها من العام الماضي، الأمر الذي يمثّل انخفاضاً بنسبة 76.9%"، لكنّه يوضح أنّ "هذا التراجع لا يعكس بالضرورة تحسّناً في الوضع، بقدر ما يدلّ على إعادة توجيه مسارات الهجرة نحو معابر أكثر هشاشة". ويلفت الخياري إلى "تسجيل زيادة مقلقة في عدد المهاجرين الوافدين إلى مدينة مليلية المحتلة، إذ ارتفع عددهم بنسبة 350% من خلال المعابر البرية، فيما سجّلت الهجرة عبر البحر إلى المدينة ارتفاعاً بنسبة 133%".
ويرى الخياري أنّ "هذه الزيادات لا تنفصل عن التحوّلات التي تعرفها شبكات التهريب والاتّجار بالبشر التي تعيد رسم خرائط العبور وفقاً لمستوى المراقبة الأمنية والضغط السياسي، من دون الأخذ يعين الاعتبار الكلفة البشرية التي يدفعها المهاجرون في كلّ مرّة يُزاح فيها الخط الأحمر نحو مسلك أكثر خطورة". يضيف أنّه "على الرغم من تراجع الأعداد في بعض النقاط، ما زالت المقاربة الأمنية الصرف عاجزة عن تقديم حلول مستدامة لهذه الظاهرة المعقّدة. فتشديد المراقبة وبناء الأسوار وتشريع الردع إجراءات لم تنجح في الحدّ من تدفّقات الهجرة، بل أدّت في بعض الحالات إلى مضاعفة المخاطر التي تحيط بالمهاجرين، وإلى لجوئهم لمسالك أكثر خطورة".
ويتابع أنّ "ما نعيشه اليوم هو نتيجة مباشرة لسياسات انكماشية تغلق الأبواب في وجه الحالمين، من دون أن تفتح النوافذ على الأمل. وفي حال لم ننتقل إلى مقاربة شاملة تعالج الأسباب الجذرية للهجرة، من قبيل الفقر والبطالة والنزاعات وتغيّر المناخ، وتوفير قنوات قانونية وآمنة للهجرة، فإنّ الأزمة مرشّحة للتفاقم، ولا سيّما في ظلّ انسداد الآفاق السياسية في دول عديدة من تلك التي ينطلق المهاجرون منها".
في سياق متصل، يعبّر رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان (غير حكومية) إدريس السدراوي عن قلقه البالغ إزاء تكرار مشاهد الهجرة الخطرة عبر البحر، وعودة مجموعات من الشبّان المغاربة إلى محاولة الوصول لمدينة سبتة سباحةً في ظروف محفوفة بالمخاطر، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "هذه المشاهد المؤلمة تعيد إلى الأذهان أحداث مايو/ أيار 2021، حين شهدت المنطقة واحدة من أكبر محاولات الهجرة الجماعية، تخلّلتها خروقات جسيمة لحقوق الإنسان، من خلال عمليات الإنزال الجماعي والطرد الفوري، في تجاهل تام للضمانات القانونية التي تفرضها المواثيق الدولية، في مقدّمتها اتفاقية حقوق الطفل (الدولية) والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، إذ أُعيد مئات المهاجرين، ولا ىسيّما من القاصرين، من دون ضمان شروط السلامة والمرافقة القانونية" لهم.

ويوضح الناشط الحقوقي أنّ "تكرار هذه المشاهد يعكس فشلاً واضحاً في معالجة جذور الهجرة غير النظامية وضمان بدائل تنموية واقتصادية حقيقية للشباب المغربي، بالإضافة إلى غياب سياسة فعّالة تعيد الثقة في المؤسسات وتحمي كرامة المواطن". وإذ يؤكد السداروي رفض هيئته الحقوقية المطلق لأيّ "تعامل أمني صرف مع قضية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وحقوقية"، يشدّد على "ضرورة فتح تحقيق شامل حول ظروف هذه المحاولات الأخيرة وأسبابها، وتحديد المسؤوليات"، ويدعو "السلطات الإسبانية إلى احترام التزاماتها الدولية ووقف أيّ عمليات ترحيل جماعي أو غير قانوني".
ويطالب السدراوي السلطات المغربية بإطلاق "استراتيجية وطنية واضحة موجّهة للشباب، تُعالج أزمة التشغيل، وتضع من ضمن أولوياتها التكوين المهني الجاد والملائم لسوق العمل وتشجيع المبادرات الذاتية وتمويل المشاريع وفتح قنوات المشاركة السياسية والمدنية، إلى جانب تفعيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بحسب ما ينصّ الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية".
ومن أجل معالجة الهجرة غير النظامية، يوصي السدراوي بإنشاء مرصد وطني للهجرة والشباب يضمّ ممثّلين عن الدولة والمجتمع المدني، واعتماد برامج جهوية تعتمد العدالة المجالية في التشغيل والتنمية، وإصلاح منظومة التوجيه الدراسي والمهني بما يتلاءم مع انتظارات الشباب، وتعزيز دور المؤسسات الثقافية والرياضية من قبيل وسائل للوقاية من الهشاشة والفراغ". ويكمل: "ندقّ ناقوس الخطر أمام استمرار هذه المحاولات الخطرة، وندعو إلى مقاربة شمولية قوامها الكرامة والحقّ في الحياة والأمل في المستقبل، بدلاً من ترك شبّاننا يبحثون عن الأمل في عمق البحر".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows