سورية والهوية البصرية
Arab
1 week ago
share

الهوية أعمق بكثير من مجرد اسم. إنها نسيج معقد من السمات التي تُعرّف الفرد، الجماعة، أو الأمة، وقد تستند إلى اللغة، أو القومية، أو العرق، أو إلى مزيج من هذه العوامل. ومثل الأفراد، تُقدّم الشركات أو الدول نفسها من خلال هويتها البصرية عبر شعار يجسّد تاريخها أو يبرز رؤيتها ويعبر عن حالتها. وتتفرع هذه الهويات إلى لغوية وبصرية وغيرها، لتعكس جوانب متعددة من الكيان الذي تمثله.

الهوية سردية، تشبه القصة، بصرية كانت أم لغوية، لا يحدّها قالب جامد، بل هي في تشكّل مستمر. ورغم أن القصة التقليدية تتكون من بداية وأحداث ثم نهاية، إلا أن بنيتها البسيطة تتميز بمرونة مدهشة، تجعل الحياة بأكملها قابلة للسرد كمجموعة من القصص التي نعيشها أو نسمعها. في هذا السياق، جاء إطلاق الهوية البصرية لسورية ليروي قصة أعمق وأشمل.

لطالما أثار اسم سورية جدلاً لغويًا حول طريقة كتابته: هل يكتب الاسم بالألف المطلقة أم بالتاء المربوطة؟ يرى أهل اللغة أن الألف تُستخدم للأسماء الأعجمية، بينما تُخصص التاء المربوطة للتعريب. هذا يطرح تساؤلاً حول كيفية معاملة "قلب العروبة النابض" باعتباره اسمًا أعجميًّا، ما يعبر عن تناقض تتحدى فيه الكلمة نفسها قواعد النحو.

هذا الخلاف لا يقتصر على اسم سورية وحده، بل هو شائع في العديد من الأسماء العربية. وقد زاد هذا النقاش حدة مؤخرًا مع تداول أحاديث حول اعتماد التاء المربوطة في كتابة اسم "سورية" خلال حكم حافظ الأسد عبر مرسوم جمهوري آنذاك. وهو ما يثير سؤالاً جوهريًا: هل يصبح الاسم، بوصفه جزءًا من الهوية، عرضةً للتغيير الذي تمر به البلاد حاليًا؟

الهوية البصرية، وإن كانت تعكس الأبعاد الجغرافية لسورية الموحدة، سواء بعدد ريش جناحيه المطابق لعدد المحافظات السورية أو بعددها في الذيل بما يوافق عدد مناطق البلاد الخمسة، إلا أنها تختزل أزمنة متعددة أيضًا. إنها ضاربة في القدم، متجذرة في التاريخ برمزيتها العريقة المتمثلة في عقاب تدمر (النسر التدمري)، الذي يمثل إرثًا حضاريًا عميقًا من السمو والسيادة والقوة. وفي الوقت نفسه، هي وليدة انتصار تحقق بعد أربعة عشر عامًا من ثورة مستمرة في وجه الطغيان.

تغيير الهوية البصرية وعدٌ بالانتقال إلى عهد جديد يفترض أن تزول فيه رموز الفساد والذل التي أتعبت السوريين سنوات، ووعدٌ بمستقبل مشرق عنوانه الحرية والكرامة. إذًا هي ليست مجرد شعار مرسوم، بل بيان مرئي يراد به تجسيد الروح المتجددة في سورية وإعلان نهوضها مجددًا.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows