
شكّل 12 حزباً مصرياً قائمة انتخابية موحدة، باسم "القائمة الوطنية من أجل مصر"، لخوض انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) على جميع المقاعد، والمقررة في الفترة من 1 أغسطس/ آب إلى 4 سبتمبر/ أيلول المقبلين، وكذلك انتخابات مجلس النواب، المقرر إجراؤها في شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني القادمين.
وتضم القائمة ثمانية أحزاب محسوبة على السلطة الحاكمة، ومدعومة من قبلها، وهي: مستقبل وطن، حماة الوطن، الجبهة الوطنية، الشعب الجمهوري، المؤتمر، الوفد، الحرية وإرادة جيل، بينما الأحزاب الأربعة الأخرى تروج أنها معارضة لسياسات الحكومة، وهي: المصري الديمقراطي، الإصلاح والتنمية، العدل والتجمع. بالإضافة إلى "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" التي شُكلت وتدار بمعرفة جهاز المخابرات العامة.
وعقد ممثلو أحزاب القائمة اجتماعاً، ليل أمس الخميس، في مقر الأمانة المركزية لحزب مستقبل وطن، في ضاحية التجمع الخامس شرقي القاهرة، وهو عبارة عن فيلتين مملوكتين للمخابرات في شارع التسعين الرئيسي، برئاسة نائب رئيس حزب مستقبل وطن، الضابط السابق في جهاز الأمن الوطني أحمد عبد الجواد. وقالت أحزاب "القائمة الوطنية" في بيانها الأول إن "تشكيل القائمة يعكس رغبة في التمسك بفكرة العمل المشترك، من أجل المصالح العليا لمصر وشعبها، خصوصاً في الوقت الحالي شديد الحساسية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهو ما لا يلغي ما بين أحزاب القائمة من تنوع في الرؤى، وتمايز في الأطروحات بشأن القضايا الداخلية".
ودعت القائمة "الشعب المصري العظيم صاحب السيادة إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية، سواء مجلس الشيوخ أو النواب، بصورة تعبر عن إرادته، وتحقق مصالحه، وذلك بالتصويت الحر، في ظل ضمانات دستورية وقانونية ومؤسسية مستقرة تضمن له نتائج نزيهة وشفافة"، بحسب زعم البيان. وأضافت القائمة أن "أحزابها توافقت على مجموعة من المعايير الموضوعية، لاختيار المرشحين عن الكيانات الحزبية والسياسية المشاركة فيها، والتي لها كل الحق في اختياراتها، بما يحقق التناسق والتجانس، ويقدم للناخب المصري من يرى فيهم الكفاءة والنزاهة، والقدرة على تحقيق آماله وتطلعاته المشروعة".
وقال مصدر قيادي في الحركة المدنية الديمقراطية، وهي تكتل يضم مجموعة من الأحزاب الليبرالية واليسارية المصرية، إنه "لا توجد انتخابات حقيقية في مصر منذ عام 2014، وأجهزة الدولة هي من تضع أسماء النواب في القائمة الموحدة المضمون فوزها في الانتخابات، بما في ذلك الأحزاب التي تروج إلى أنها معارضة للحكومة، مثل المصري الديمقراطي والتجمع والعدل، ويفوز ممثليها في كل انتخابات على قوائم النظام". وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد" أن "نواب البرلمان يعلمون جيداً أن أصوات الناخبين غير مؤثرة أو أنها التي تأتي بهم إلى مقاعد مجلسي النواب والشيوخ، والدليل هو انحيازهم إلى مشروع الحكومة عند التصويت النهائي على قانون الإيجارات القديمة، رغم ما أثاره من حالة غضب واسعة في الشارع، كونه يقضي بطرد المستأجرين القدامى بمرور سبع سنوات من صدور القانون".
ولم يرفض قانون الإيجارات سوى 23 نائباً من أصل 596 عضواً في مجلس النواب، أي بنسبة لا تتعدى 4%، فيما تمسكت أحزاب الأغلبية بتمرير جميع مقترحات الحكومة عند التصويت النهائي، ورفض أي اقتراحات مقدمة من المعارضين للقانون بحذف مادة تحرير العقود (إخلاء الوحدات)، أو تمديد عقود الإيجارات لغرض السكن من سبع إلى عشر سنوات. واستطرد القيادي في الحركة المدنية بأن "إصرار أجهزة الدولة على تطبيق نظام القوائم المغلقة المطلقة في الانتخابات البرلمانية يستهدف غلق المجال أمام أحزاب المعارضة الحقيقية، ومنع ممثليها من دخول البرلمان بغرفتيه، باعتبار أن فوز القائمة الموحدة لأحزاب الأغلبية مضموناً في الدوائر الأربع للجمهورية، مع إهدار أصوات الناخبين المصوتين لصالح أي قائمة منافسة".
وزاد بالقول: "نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي لا يقبل بمعارضة جادة تنتقد سياساته الاقتصادية والاجتماعية، ولا يرضى إلا بمعارضة صورية من صنيعة النظام نفسه، توجه الانتقادات على استحياء للحكومة تحت قبة البرلمان، من دون أن يقدم أحد ممثليها استجواباً لوزير، أو طلباً لسحب الثقة من الحكومة، وهو ما ظهر بوضوح في الفصل التشريعي المنقضي".
وأبقت التعديلات الأخيرة على قوانين انتخابات مجلسي النواب والشيوخ على النظام الانتخابي من دون تغيير، بواقع 50% من المقاعد للانتخاب بنظام القوائم المغلقة، و50% للانتخاب بالنظام الفردي. وحسب خبراء، يهدر نظام القائمة المغلقة أصوات 49% من الناخبين، حيث يتيح فوز القائمة الحاصلة على 50% + 1 من الأصوات كاملة؛ ولطالما أعلنت أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية رفضه، وطالبت باستبداله بنظام القائمة النسبية الأكثر عدلاً، والذي يسمح بتمثيل أكبر للأحزاب ومنحها المقاعد ارتباطاً بنسبة الأصوات الحاصلة عليها.
وفي عام 2015، حظي ائتلاف "دعم مصر" الذي شكّله لواء المخابرات الراحل، سامح سيف اليزل، على أغلبية مقاعد مجلس النواب، مع ترك هامش بسيط للمعارضة في ما عرف بـ"تكتل 25-30" الذي ضم أقل من 20 نائباً، وهو ما تكرر بصورة أشد فجاجةً في 2020 في قائمة "من أجل مصر" المدعومة من السلطة، التي حازت أغلبية كاسحة من مقاعد المجلس، وانحصرت المعارضة في أربعة أو خمسة نواب من المستقلين، أبرزهم ضياء الدين داوود وأحمد الشرقاوي وأحمد فرغل.
والقائمة الجديدة مشكلة كسابقتيها في انتخابات 2015 و2020 بمعرفة أجهزة الأمن المصرية وتحت إشرافها، ويجرى اختيار أعضائها ارتباطاً بمعيارين لا ثالث لهما؛ الأول قيمة المبلغ الذي يخصصه المرشح للإنفاق على الدعاية الانتخابية، والثاني هو تزكية "البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة" والأجهزة السيادية، وفق ما كشف عنه مصدر مطلع على مفاوضات تشكيل القائمة. وقال المصدر لـ"العربي الجديد" إن "ضابطي الأمن السابقين أحمد عبد الجواد، وعلاء عابد، نائبا رئيس حزب مستقبل وطن، هما المسؤولان عن اعتماد أسماء مرشحي الأحزاب في القائمة الموحدة، ويتوليان مهام التفاوض معها بشأن قيمة المبالغ المخصصة للدعاية"، مشيراً إلى اشتراطهما "ألا يقل المبلغ عن 20 مليون جنيه لكل مرشح عن أحزاب مستقبل وطن وحماة الوطن والجبهة الوطنية والشعب الجمهوري، وعشرة ملايين جنيه لكل مرشح عن أحزاب المؤتمر والوفد والحرية". (الدولار = 49.39 جنيهاً).
وأفاد المصدر بأن عبد الجواد وعابد اشترطا "ألا يقل مبلغ الدعاية عن خمسة ملايين جنيه لكل مرشح عن حزب الإصلاح والتنمية، وثلاثة ملايين جنيه عن حزب المصري الديمقراطي، مع استثناء مرشحي أحزاب إرادة جيل والعدل والتجمع و"تنسيقية شباب الأحزاب" من مبالغ الدعاية". وأضاف أن هذه المبالغ "قد تصل إلى الضعف لمرشحي الأحزاب المؤتلفة في القائمة على النظام الفردي، وليس الهدف منها الإنفاق فقط على بنود الدعاية الانتخابية للمرشحين، ولكن أيضاً تدبير المواد الغذائية للناخبين بكميات ضخمة في جميع المحافظات، وتوزيعها في محيط اللجان بالتزامن مع أيام الانتخاب، بغرض حشد الناخبين للتصويت لصالح القائمة ومرشحيها".
وكان رئيس نادي الزمالك والبرلماني السابق، مرتضى منصور، كشف في 2020 أن "القائمين على إدارة قائمة من أجل مصر المحسوبة على النظام طالبوه بسداد مبلغ 50 مليون جنيه (نحو مليون دولار)، مقابل وضع اسمه على القائمة، والفوز مجدداً بعضوية مجلس النواب". وقال منصور آنذاك، في لقاء جمعه بأهالي دائرته الانتخابية بمحافظة الدقهلية: "أنا مادفعتش 50 مليون جنيه من دم الشعب عشان يحطني (يضعني) في القائمة... اللي يدفع 50 مليون ده يبقى معاه كام؟، وبيجيب الفلوس دي منين، وهايلمهم (يجمعهم) إزاي؟!".
وفي شهر سبتمبر/ أيلول 2020، تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي شيكاً موقعاً باسم النائبة الراحلة ابتسام أبو رحاب لصالح الأمانة المركزية لحزب مستقبل وطن، بقيمة عشرة ملايين جنيه، من أجل إدراج اسمها في قائمة الحزب عن قطاع الصعيد. وتوفيت أبو رحاب في 2022، وورثت ابنتها رغدة عبد السلام نجاتي مقعدها في مجلس النواب، وفق ترتيب الأسماء الاحتياطية في القائمة.
واعتقلت أجهزة الأمن المحامي المعروف طارق جميل سعيد، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ثم أطلقت سراحه بعدها بتسعة بأيام، بسبب بثه مقطع فيديو على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، يتهم فيه أجهزة الدولة بـ"بيع مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب لمن يدفع أموالاً أكثر"، في إشارة إلى المبالغ الضخمة التي يدفعها المرشحون لإدراج أسمائهم على القائمة الموحدة. ويواجه النظام المصري انتقادات متكررة، بسبب إدارته للعملية السياسية والانتخابية بالطريقة ذاتها التي اعتمدها في الاستحقاقات السابقة، وتستهدف التحكم في خريطة التحالفات الانتخابية لضمان استمرار السيطرة على البرلمان.
يشار إلى أن حزب "الجبهة الوطنية"، أحد المكونات الرئيسية للقائمة الموحدة الجديدة، تأسس في نهاية 2024 بتمويل من رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني. واختير وزير الإسكان السابق عاصم الجزار رئيساً للحزب، ونجل العرجاني عصام ضمن هيئته التأسيسية، التي ضمت أشخاصاً سبق إدانتهم في قضايا مخلة بالشرف، على غرار النائب الحالي سليمان وهدان، ورجل الأعمال أيمن الجميل المدان في القضية المعروفة إعلامياً باسم "فساد وزارة الزراعة".
ومن الأسماء اللافتة في أمانة الشباب بالحزب طارق محمد أبو العينين، نجل وكيل مجلس النواب محمد أبو العينين، وأحد أبرز مموليه، ومحمد طارق طلعت مصطفى، نجل نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة طلعت مصطفى، وابن شقيق رئيس المجموعة هشام طلعت مصطفى، وعماد طلعت السويدي، نجل رئيس لجنة الطاقة والبيئة في البرلمان، ومحمود المرشدي، نجل أحد كبار رجال العقارات، ومحمد خميس من عائلة "النساجون الشرقيون"، وسمير فوزي السيد ابن البرلماني وعضو الحزب الوطني السابق فوزي السيد، صاحب شركة التوفيقية للإنشاءات.
