رحلة يوسا إلى بغداد.. لماذا لم تترجم يومياته إلى العربية؟
Arab
1 week ago
share

في صيف 2003، وفيما كانت القوات الأميركية تجوب شوارع المدن العراقية بحثاً عن صدام حسين، قبل أن يقع في الأسر في ديسمبر من العام ذاته، كان هناك، على الطرف الآخر من العالم، كاتب من البيرو يُدعى ماريو بارغاس يوسا، يحزم حقائبه ليسافر إلى بغداد. لم يكن يوسا بحاجة إلى مغامرة جديدة آنذاك، كذلك لم يكن صحافياً أو كاتباً ممن يحبون متابعة الحروب، لكنّه أراد أن يرى بعينيه إنْ كانت "الحرية" تستحق – حقاً – كل هذا الدمار.

كان الكاتب قد تجاوز السبعين من عمره، وأنجز رواياته الكبرى، واستقر بكونه أحد أعمدة الأدب العالمي. لكنه، مدفوعاً بشكوك أخلاقية، وانجذاب غامض إلى أرض العواصف، قرّر أن يشدّ الرحال إلى العراق، إلى ما تبقّى من بغداد بعد الغزو الأميركي، أو بالأحرى، إلى الخراب الذي أُنجز باسم "الحرية".

ونتيجة لهذه الرحلة السريعة، صدر كتاب يوسا المنسيّ عربياً "يوميات عراقية"، وهو عملٌ نادرٌ في مسيرته الروائية والأدبية، يمزج فيه بين عدّة فنون كتابية ربّما لم يطرقها الكاتب البيروفي خلال رحلته الطويلة مع الكتابة إلا نادراً، ومنها التقارير الصحافية الحربية، وكتابة اليوميات والاعترافات، وصولاً إلى إجراء مقابلات مع سياسيّين عراقيين، في محاولة منه لفهم الصراعات العرقية والمذهبية والسياسية في المشهد العراقي الداخلي. وقد رافقته في الرحلة ابنته مورجانا، التي قامت أيضًا بتصوير الرحلة للصحافة الإسبانية.

بدأت رحلة يوسا، التي استمرت اثني عشر يوماً فقط، إلى العراق في 25 يونيو/ حزيران، وانتهت في السادس من يوليو/ تموز 2003. ويشدد يوسا في مقدمته للكتاب على أنه كتب هذه اليوميّات "بسرعة شديدة"، لكنه أدخل عليها العديد من التعديلات والإضافات، ونشرها مسلسلة في صحيفة الباييس الإسبانية، بدءاً من آب/ أغسطس 2003.

ولأن كثيراً من الجرائد التي نشرت هذه اليوميات لاحقًا لم تكن أمينة على نصّ يوسا كما فعلت الباييس، إذ حُذفت العديد من الفقرات الهامة، فقد رأى صاحب "دفاتر دون ريغوبيرتو" جمع يوميّاته العراقية في كتاب، وأضاف إلى اليوميات، المكوّنة من ثمانية فصول، أربع دراسات عن الحرب الأميركية على العراق؛ كان قد نشر ثلاثاً منها قبل قيامه بالرحلة، وكتب الرابعة بعد الاعتداء على مقرّ الأمم المتحدة في بغداد في 2004.

ورغم أن هذه اليوميات التي جمعها يوسا لاحقاً تحت عنوان "يوميات عراقية" وصدرت بالإسبانية أواخر 2003، قد لاقت اهتمام العديد من وسائل الإعلام العالمية، ونُشرت مسلسلة في عشرات المجلات والصحف في أوروبا وأميركا اللاتينية بالتزامن مع نشرها في الباييس، فإنه لم يعرف عنها كثيراً في عالمنا العربي.

محاولة لفهم العراق على خلفية الاجتياح الأميركي 

في 2004، بدأتُ بترجمة أحد فصول الكتاب، ولكن لأن الترجمة كانت عن لغة وسيطة هي الهولندية، فلم أُكملها، توقّعاً مني أن هناك من سينقلها عن الإسبانية مباشرة، وهو ما لم يحدث حتى اليوم، للأسف، رغم مرور 22 عاماً على صدورها، وترجمتها إلى ما يزيد على عشر لغات.

كان من المدهش أن يتجاهل المترجم السوري الراحل صالح علماني (1949 – 2019) ترجمة "يوميات عراقية"، خصوصاً أنه ترجم ليوسّا باقة من أهم أعماله، ومنها: "حفلة التيس"، و"دفاتر دون ريغوبيرتو"، و"رسائل إلى روائي شاب"، و"في امتداح الخالة"، وغيرها من الأعمال الروائية. وحتى بعد أن نال يوسا جائزة نوبل للآداب عام 2010، ومع تنافس دور النشر العربية على ترجمة أعماله، لم نرَ "يوميات عراقية" في العربية حتى اليوم!

من مفارقات هذه اليوميات، أنها قد تكون من أوائل الأعمال الأدبية السياسية التي رأت أن الاحتلال الأميركي جاء ليملأ فراغاً أخلاقياً، أكثر من كونه جزءاً من خطة استعمارية كلاسيكية. كتب يوسا: "ما لا يفهمه العراقيون حتى الآن، أن أميركا نفسها لا تعرف ما تريده من هذه الحرب". لكنه، في مشهد آخر في بغداد، يقف أمام تمثال محطَّم لصدام حسين، لم يكن يتوقع أن يرى التمثال "مُحاطاً بأطفال يركضون بين بقاياه"، قبل أن يضيف: "كان الجدار مغطًى برسوم ملوّنة وأحرف لم أفهمها، بينما كان التمثال ينام مقلوباً، كملكٍ سقط عن عرشه".

يوسّا، الذي كان قد عارض الحرب الأميركية على العراق علناً في سلسلة مقالات نُشرت في الباييس الإسبانية آنذاك، عاد من العراق بوجهين: وجه يحتفظ بالريبة من نيّات واشنطن، وآخر يعترف ضمنياً بأن نهاية صدام حسين، رغم فظاعتها، لم تأتِ من فراغ. تجلّت هذه الحيرة في قوله: "إنني أرى في هذا الحطام وعداً غامضاً؛ لم يسبق أن انهارت دكتاتورية في هذه المنطقة بهذه السرعة، لكن لا أحد يعلم ما الذي سيبنيه الأميركيون هنا، أو ما الذي سيتركونه وراءهم".
تساؤلات يوسا تتوسّع في فقرة أخرى، فيقول: "كان لا بدّ من إزالة النظام، لكن بأيّ ثمن؟ وهل يحقّ لأيّ قوة أن تدمّر بلداً ثم تبدأ الحديث عن إعادة البناء وكأنّ شيئاً لم يكن؟". سؤال يوسا الذي قاله منذ 22 عاماً عن العراق، لا يزال صالحاً لأيامنا هذه!

* شاعر ومترجم مصري مقيم في بلجيكا

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows