الثقب الأسود في استراتيجية نتنياهو
Arab
1 week ago
share

قد يصحّ جزئياً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يريد أن يتحاشى مصيراً شخصياً أو سياسياً مؤسفاً، لكن ما يصحّ جزئياً لا يوفّر بالضرورة إطاراً عامّاً لفهم استراتيجية نتنياهو في إدارة صراع يوشك في أيّ لحظة أن يتوسّع، بل أن يخرج عن السيطرة. والحسابات التكتيكية الضيّقة التي يتعامل بها مع معارضيه، ومع أطراف إقليمية ودولية، أوهمت بعضهم بأنه لا يتحرّك وفقاً لاستراتيجية، وهذا غير صحيح بالمرّة، كما أن ألاعيب السياسة التي يستخدمها في جولات التفاوض، وفي الانتقال من ترتيب أولويات إلى أولويات بديلة، تجعل مهمة الاستنتاج أكثر صعوبةً. وأول ملامح استراتيجية نتنياهو درجة من المرونة تجعل من المغري استسهال تصوّر أنه مشوّش أو محكوم بأولويات حلفائه (فقط) من رموز اليمين الديني الأكثر تطرّفاً، حرصاً على منع ائتلافه الحكومي من الانهيار. ومن السمات الأساسية لهذه الاستراتيجية أولوية الخطوط الحمراء على الأهداف، فهو معنيٌّ في المقام الأول بما يريد منعه، ومستعدّ لتغيير أهدافه وفقاً لخطوطه الحمراء. وهو يرى فلسطينياً لحظةً مواتيةً، داخلياً وإقليمياً ودولياً، للقضاء على حركة حماس، ومنع القطاع من العودة إلى ما كان قبل "طوفان الأقصى" (وإن كان ما يزال يمنّي نفسه بالتهجير الكامل).

ومن سمات هذه الاستراتيجية أيضاً الاستفادة من حصيلة عشرات السنين من العمل الدؤوب لـ"شيطنة" الإسلام والمسلمين في الغرب، ملوّحاً بشكل متكرّر بـ"البرابرة"، عدواً مشتركاً لـ"الأمم المتحضّرة" (أميركا وأوروبا وإسرائيل)، وبخطر "الإرهاب الإسلامي" عدواً مشتركاً لإسرائيل وحلفاء أميركا العرب. وفي خلفية الصورة هناك استخدام مكثّف للزخم التوراتي، الذي أصبح يمثّل محفّزاً قوياً للشعور الديني لمؤيّدي إسرائيل في الغرب. واستراتيجيته مهدّدة بثقب أسود يمكن أن يبتلع كلّ ما يعتبره انتصارات ساحقة (خصوصاً ما حقّقه في لبنان)، فاستخدام القوة من دون سقف سياسي لا يكفي لنجاحه زمناً طويلاً احتماؤه بالمظلّة الأميركية، وبدأت تشيع في أدبيات غربية أن نخبة إسرائيل لن تبقى قادرةً على الاستمرار في خوض الحروب إلى ما لا نهاية. وبالتالي، لا يستبعد أن تفقد لعبة التفاوض تحت القصف "منفعتها الحدّية"، وعندها ستكون العواقب أكبر من تخلّي الغرب عن إسرائيل. والثقب الأسود الذي لا يراه نتنياهو إمكانية تغير البيئة الاستراتيجية للمنطقة بسبب طول فترة التوتّر السياسي في المنطقة، أو حدوث نتائج (لم تكن في الحسبان) لمنطق الاستمرار في الضغط العسكري على الفلسطينيين وإيران لفرض استسلام غير مشروط (على سبيل المثال، كان زوال نظام بشّار الأسد جزئياً من النتائج غير المخطّط لها لحرب غزّة).

 الانتقال من هدف "تدمير المشروع النووي الإيراني"، إلى "إطاحة النظام الإيراني"، قد يمهّد لظهور نظام قومي متشدّد يكون احتواؤه أكثر صعوبةً

ونتنياهو يتجاهل أيضاً أن رفع سقف المستهدف في غزّة وإيران قد يجعل الغرب كلّه (على المدى البعيد) أمام أعباء مكلفة سياسياً واقتصادياً نجمت عن إصرار نتنياهو على جعل المعركة مواجهة بين تشكّلين حضاريين (الشرق والغرب). وفي حالة إيران، مثلاً، فإن الانتقال من هدف "تدمير المشروع النووي الإيراني"، إلى "إطاحة النظام الإيراني"، قد يمهّد لظهور نظام قومي متشدّد يكون احتواؤه أكثر صعوبةً، أو يُفضي إلى تقسيم إيران، وإذا حدث هذا فمن غير المستبعد مطلقاً أن تنتقل عدوى التقسيم وإعادة رسم الخرائط إلى دول جوار عديدة، فـ"حروب الخرائط" جمر تحت الرماد، وهناك مجموعات سكّانية إيرانية يمتدّ وجودها إلى باكستان وأفغانستان وأذربيجان. وفكرة اجتثاث كلّ ما يمكن أن يمثّل خطراً على إسرائيل انعكاس لحقيقة أن اللصّ محكوم بغريزتَي "الطمع" و"الخوف"، وكلّ سلوك يحرّكه اجتماع الغريزتَين يكون سلوكاً عنيفاً بشكل استثنائي، وبالإضافة إلى ذلك فإن نتنياهو (على الأرجح) لا يستطيع الإفلات من وهمَين متعارضَين، الأول: "نريد تغيير المنطقة جذرياً"، وهذا من علامات الطمع، والثاني: "وجودنا مهدّد".

ومنذ سنوات، تكرّس التركيبةُ السياسيةُ في إسرائيل دورَ بنيامين نتنياهو مصدراً وحيداً للرؤى الاستراتيجية، واليسار خارج السلطة، وفي حالة يرثى لها، وأقصى اليمين مشغول بالحصول على ميّزات لقاعدته الانتخابية، والتلويح الدائم بهدم الائتلاف الحكومي، ما لم يحترم نتنياهو "فيتو" أقصى اليمين. وبين الفريقَين، يتحرّك نتنياهو في فراغٍ منَحه فرصةَ أن يُخلِّد اسمه في التاريخ "صانعَ انتصار غير مسبوق". وبسبب عوامل التشتت كلّها (المشار إليها)، لا يرى نتنياهو الثقب الأسود، الذي قد يبتلع إسرائيل ابتلاعاً كاملاً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows