
من الواضح أن المنطقة العربية تعيش صخباً مفتعلاً برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وحليفه رئيس الحكومة الإسرائيلية المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتنياهو، حول التطبيع تحت لافتة "درع إبراهيم". رفع لافتات تضم صور بعض القادة العرب، القريبين والبعيدين عن حدود فلسطين، هو جزء من عدة النصب والاحتيال (أو السلبطة بالعامية) ولتوجيه رسالتين واضحتين. الرسالة الأولى: أن العرب لا يفهمون إلا لغة الخضوع لمزيد القوة، والرسالة الثانية برعاية واشنطن، أن لا مفر من الرضوخ للقوة ولفكرة أن "إسرائيل جزء من المنطقة".
ويمكن ببساطة ترجمة توالي التصريحات الأميركية ومن تل أبيب في السياق، باعتبارها محاولات لفرض إتاوات على دول المنطقة وشعوبها. وبمعنى آخر منح مكافآت على مذابح الإبادة الجماعية في قطاع غزة وعربدة الإرهاب الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس. والاحتيال بتضخيم الشعارات والرغبات بعيداً عن الواقعية السياسية والسلام المزعوم، يراد به تحويل المشهد العربي إلى ما يبشر به تصريح "مسؤول" في إدارة ترامب لصحيفة ذا هيل الأميركية الأسبوع الماضي، بأن "حدود إسرائيل الحالية مجرد أوهام"، منتقداً "الخطوط التي رُسمت في أعوام 1948 و1967 و1974" باعتبارها "حقائق وقتية وكلها مجرد أوهام".
بالقوة وبالاستقواء بالغطرسة والسطحية في واشنطن يجري تسويق صناعة "الدرع" حارساً لحدود "أمة إسرائيل" غير المحددة، كما في تجربة جيش لحد العميل لها (جنوب لبنان حتى عام 2000). وبالتالي، اللعبة واضحة، تعويد العقل العربي على زحزحة الحدود الوطنية والتسامح مع تحول المشرق العربي إلى "السيادة الصهيونية"، أو كما يرددون عن "صناعة الشرق الأوسط الجديد". وسط ارتكاب المذابح ووعود بالاعتراف بسيطرة الاحتلال على أجزاء من الضفة الغربية، التي يسميها سفير ترامب، مايك هاكابي بـ"يهودا والسامرة"، واقتحام المسجد الأقصى برعاية رسمية، وخلق تحالفات في غزة مع قطاع طرق وتجار مخدرات، يؤمل من خلالها وغيرها وبضجيج مفتعل جر ترامب دول المنطقة إلى تطبيع وفق النسق الصهيوني.
حالة الهرج والمرج بانتحال "السلام" لا تخفي آمال التهجير، إن من القطاع نحو سيناء المصرية أو من الضفة نحو الأردن، بجعل الطبخة تستوي على نار إجبار العرب على التنازل لنتنياهو وتياره الصهيوني الديني المتطرف، الحالمين برسم خرائط تصل إلى نهر الأولي في لبنان وضم أجزاء من سورية وتسيد على العرب للقفز تماماً عن الحقوق الفلسطينية، تسميناً للجغرافيا وحل معضلة الديمغرافيا في فلسطين التاريخية. الغريب وسط هذه الوقاحة والغطرسة أن الحالة العربية المستهدفة تبدو صامتة سياسياً ـ دبلوماسياً وإعلامياً، وكأن السكون سيقيها ما يُخطط.

Related News
