
كشفت سلسلة تقارير اقتصادية أوروبية ووكالات أن مخاوف المستثمرين من سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمركية والتخفيضات الضريبية بأرباح الشركات، وتزايد التضخم، وتوسع عجز الموازنة، دفعتهم إلى الهروب والابتعاد باستثماراتهم عن الولايات المتحدة. وبالمقابل تدفقت مليارات الدولارات من رؤوس الأموال إلى أوروبا مع تراجع ثقة المستثمرين في أميركا.
وتظهر بيانات من صناديق "ليبر" التابعة لمجموعة بورصة لندن أنّ أكثر من 100 مليار دولار تدفقت إلى صناديق الأسهم الأوروبية حتى الآن هذا العام، وهو ما يزيد ثلاثة أمثال عن الفترة نفسها من العام الماضي، فيما تضاعفت الأموال الهاربة من الولايات المتحدة إلى أكثر من الضعف لتصل إلى ما يقرب من 87 مليار دولار.
وذكرت وكالة رويترز، في 30 يونيو/ حزيران الماضي، نقلاً عن مقابلات مع أكثر من 10 من المديرين التنفيذيين ومديري الصناديق، في تفسيرهم لهروب الأموال والاستثمارات من أميركا وتوجه المستثمرين بشكل متزايد إلى تحويل أموالهم إلى أوروبا، أنهم يرونها سوقاً أكثر استقراراً في ظل "حالة الغموض المطلقة" المحيطة بسياسات الرسوم الجمركية الأميركية، والتدخل السياسي المتزايد في عهد الرئيس ترامب. وأكدوا أن تدافع المستثمرين للابتعاد عن الولايات المتحدة، سببه خشيتهم من أن تضر سياسات ترامب الجمركية والتخفيضات الضريبية بأرباح الشركات، وتزيد من التضخم، وتوسع عجز الموازنة.
وتجذب أوروبا المستثمرين إليها بفضل سياسات التحفيز المالي، التي تشمل زيادة الإنفاق الحكومي على الدفاع والبنية التحتية، خصوصاً في ألمانيا، والتخفيضات الكبيرة لأسعار الفائدة من جانب البنك المركزي الأوروبي. وكانت ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، أكثر المستفيدين، إذ زادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة فيها إلى أكثر من الضعف لتصل إلى 46 مليار يورو خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى إبريل/ نيسان 2025، مسجلة أعلى مستوى لها منذ عام 2022، وفقاً لبيانات البنك المركزي الألماني "بوندسبنك".
ومن أسباب تزايد شهية المستثمرين للأسواق الأوروبية أيضاً، اقتراب الموعد النهائي في 9 يوليو/ تموز الجاري للتوصل إلى اتفاق تجاري محتمل بين واشنطن وبروكسل، في ظل تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على جميع سلع الاتحاد الأوروبي حال عدم التوصل إلى اتفاق. وكذلك تفوقت الأسواق الأوروبية تفوقاً كبيراً على نظيرتها الأميركية في النصف الأول من عام 2025، إذ بلغت عوائد مؤشر ستوكس 600 لعموم أوروبا 16%، متفوقة على "نظيراتها الأميركية بأكبر هامش مسجل بالقيمة الدولارية خلال النصف الأول"، بحسب ما أوردته وكالة بلومبيرغ، الاثنين الماضي.
كذلك ارتفع اليورو بنسبة 13% على أساس سنوي مقابل الدولار خلال النصف الأول من العام، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.20 دولار بنهاية العام، بعد أن كان قد بلغ 1.04 دولار في عام 2024. واستقبلت صناديق الأسهم الأوروبية تدفقات بقيمة 46 مليار دولار منذ بداية العام الحالي، مقارنة بخسارة تدفقات بقيمة 66 مليار دولار العام الماضي، وجذبت صناديق السندات الأوروبية ما يزيد على 42 مليار دولار، من أدوات الدخل الثابت، متجاوزة الصناديق الأميركية بفارق كبير، إذ لم تجذب الأخيرة سوى 5.6 مليارات دولار.
مع هذا، يرى محللون، منهم "ستيفان فينتلز" من بنك "كيه إف دبليو"، أن "هذا الصعود لأوروبا على حساب أميركا قد يتغير سريعاً مرة أخرى، بحسب التوقعات طويلة الأجل لأوروبا، إذ يحذر البعض من أن الوضع الحالي "مؤقت". فيما يرى آخرون أن التحول الحالي أكثر استدامة، إذ يتوقع بنك "يو بي إس" تخصيص رؤوس أموال بقيمة 1.2 تريليون يورو (1.4 تريليون دولار) للأسهم الأوروبية بدلاً من الأميركية في السنوات الخمس المقبلة.

Related News
