
في ردها على سؤال حول أسباب تفاؤل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإمكانية التوصل إلى اتفاق وقف نار قريب في غزة، قالت المتحدثة في وزارة الخارجية تامي بروس "نعم، إنه متفائل.. ربما لأن التغيير الدراماتيكي الذي شهده الشرق الاوسط مؤخراً أدّى إلى نشوء فرصة تتيح اتخاذ قرار من نوع آخر- دبلوماسي- في الأيام القليلة القادمة". وأضافت "ربما لأن رئاسته كانت وراء هذا التغيير (في إشارة إلى قراره بقصف المفاعلات النووية الإيرانية)". وفعلا تناول البيت الأبيض موضوع وقف النار هذه المرة بنبرة جمعت بين الصيغتين الواعدة والحازمة، مقارنة بتعاطيه الضبابي سابقاً مع هذا الموضوع.
كانت الخطوة الأولى الثلاثاء عبر تروث سوشيال، حيث أعلن ترامب عن "قبول إسرائيل بالشروط اللازمة لتحقيق وقف نار في غزة لمدة 60 يوماً". وجاء الإعلان بعد لقاء مبعوثه ستيف ويتكوف مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر الذي وصل إلى واشنطن الأحد المنصرم والذي التقى أركان الادارة للتباحث في هذا الموضوع وللتمهيد لزيارة نتنياهو المقرر خلالها لقاء ترامب الاثنين المقبل.
ولم يؤكد ديرمر أو ينف قبول نتنياهو، وبذلك بدا ترامب وكأنه تعمّد مسبقاً وضع زائره أمام الأمر الواقع. وفي تصريح لاحق، قال إنه سيكون "حازماً" هذه المرة مع رئيس الحكومة، ويبدو أنه يشير في ذلك إلى سوابق هذا الأخير في الالتفاف على سياسة الاستباق التي اعتمدها ترامب معه خلال زيارته إلى البيت الأبيض في مطلع إبريل/ نيسان الماضي، إذ تقصد ترامب أثناء اللقاء وضع نتنياهو أمام الأمر الواقع بإعلانه عن عزمه بدء التفاوض مع إيران حول النووي.
وكان إعلان ترامب حينها بمثابة مفاجأة لنتنياهو إلا إذا كان في الأمر توزيع أدوار كما ظن البعض، كما سربت أوساطه، ورد على الخطوة بإحباطها عشية انعقاد الجولة السادسة من المفاوضات، حين بدا بشنّ الحرب الجوية ضد إيران. هذه المرة، حرص الرئيس على عدم تكرار ألاعيب نتنياهو بـ"هزّ عصا التحذير"، لكن السوابق لا تشجع، إذ تجاوزت الحكومة الإسرائيلية أكثر من مرة خلال حرب غزة التحذيرات الأميركية التي غالباً ما بدت وكأنها نصيحة أكثر مما هي خط أحمر، مثل الجدل الذي دار حول دخول القوات الإسرائيلية إلى رفح وتوسيع جبهات الحرب وغيرها.
لكن هذه المرة تبدو العملية "نصف مطبوخة" قبل وصول نتنياهو إلى واشنطن، إذ صار البيت الأبيض بحاجة إلى تحقيق شيء من وعوده بإطفاء الحرائق في الخارج، ورئيس الحكومة حسب العارفين بالشؤون الإسرائيلية "يتطلع إلى استعادة الأسرى لمراكمة مكاسب سياسية إضافية تسمح له بإجراء انتخابات قريبة مبكرة تضمن بقاءه في رئاسة الحكومة"، الأهم أن ترامب مهّد لاستمالة نتنياهو من خلال ورقتين بسعي إدارته "لحمل سورية على التطبيع مع إسرائيل" والسلفة التي وفرتها "بضرب المنشآت النووية الإيرانية"، حسب مجلة جويش إنسيدر. ولا يبدو صدفة أن تتزامن مسارعة الإدارة إلى رفع العقوبات مؤخراً عن دمشق مع الإعداد لطبخة وقف النار.
على قاعدة هذه التقديمات، صار البيت الأبيض يشعر بالارتياح لجهة موافقة الحكومة الإسرائيلية على مشروع وقف النار. وزارة الخارجية امتنعت عن الدخول في تفاصيله ولا حتى في مدته مع أنها متداولة (60 يوما)، ما يحمل على الاعتقاد أن الإدارة منفتحة على قبول تعديلات إسرائيلية لجهة المدة وغيرها من الجوانب الإجرائية. لكن يبقى السؤال "هل وقف النار المطروح سيكون مفتوحاً على تطويره لطي صفحة الحرب؟". وزارة الخارجية أكّدت على ضرورة "نهاية دائمة للحرب". لكن في المقابل، أكد نتنياهو على وجوب "هزيمة حركة حماس"، وهذا الشعار طالما اعتمده اسما بديلا لاستمرار في الحرب. بيد أن "تفاؤل" البيت الأبيض استوقف المتابعين، على الأقل لأن الظروف والمعطيات تبرره، من دون إسقاط قدرة نتنياهو على المناورة والتملص بالصورة والتوقيت الكفيلين بتخريب المشروع، كما تشهد السوابق.

Related News

