
للسنة الثامنة على التوالي، يواصل طبيب التجميل اللبناني، هراتش سغبازريان، تنظيم مهرجان الزمن الجميل، لكن الدورة الأخيرة جاءت باهتة، متأثرة بالمشهد السياسي المتقلّب في المنطقة، لا سيّما بعد العدوان الإسرائيلي على إيران. ورغم الحديث المتكرّر عن إلغاء أو تأجيل الفعاليات الثقافية في بيروت، عادت بعض المهرجانات إلى الواجهة بعد إعلان وقف إطلاق النار، وسط محاولات خجولة لإعادة الحياة إلى المشهد الفني، وإن بشكل رمزي لا يعكس حيوية ثقافية فعلية.
لم تحمل النسخة الثامنة الزخم المتوقع، لا من حيث الحضور الفني، ولا من حيث التنظيم، فاقتصر الحضور على عدد محدود من الفنانين من لبنان ومصر وسورية، في وقت بدا فيه التنظيم مفككاً، والخطاب العام للمهرجان مشوشاً بين النوايا الطيبة والنتائج المتواضعة.
كشفت هذه الدورة عن أزمة متنامية تعيشها المهرجانات التكريمية في لبنان، حيث تتحوّل المناسبة من احتفاء بالمنجز الفني إلى مناسبة اجتماعية يطغى عليها الطابع البروتوكولي والمجاملاتي. سبع ساعات من البث المتواصل لم تنجح في استحضار روحية "الزمن الجميل"، بل بدا المهرجان أسير خطاب نوستالجي يعيد تدوير أسماء بعينها، من دون مساءلة جدية للقيمة الفنية أو المعيارية وراء الاختيارات.
ولعلّ أبرز مظاهر هذا الاضطراب ما حدث مع عائلة الفنان عبد الحليم حافظ، التي أعلنت عبر صفحة العندليب على "فيسبوك" أنها وصلت إلى بيروت لحضور المهرجان، لكنها انسحبت احتجاجاً على "سوء المعاملة"، بحسب بيانها. ورغم عرض تقرير مصوّر عن زيارة الطبيب هراتش إلى منزل عبد الحليم حافظ برفقة هاني مهنا، فإن تجاهل اسم "العندليب" ضمن قائمة المكرّمين، وعدم تقديم أي توضيح بشأن غياب العائلة، شكّل ضربة رمزية لمصداقية المهرجان وتواصله مع رموز الفن العربي.
أما باقي التكريمات، فجاءت في معظمها باهتة، تعكس غياب الرؤية الثقافية وراء تنظيم المهرجان. تكريم نادية الجندي عن فيلم "الباطنية" قد يُفهم في سياق الاحتفاء بالسينما التجارية في الثمانينيات، لكن غياب أي تعليق نقدي حول مسيرة الجندي أو تحوّلات السينما المصرية يفرغ التكريم من مضمونه، ويحوّله إلى لحظة استذكار عاطفي أكثر من كونه حدثاً فنياً مؤسساً.
كذلك، جاءت كلمات بعض الضيوف مقتضبة وشكلية، كما في حالة أيمن زيدان وشيرين عبد الوهاب، اللذين أظهرا محبة واضحة لبيروت، لكن من دون أن يضيفا عمقاً أو تعليقاً نقدياً على المهرجان نفسه أو السياق الثقافي المحيط به. وهو ما يُظهر ضعفاً في إدارة المنصة، ويطرح تساؤلات حول جدوى هذه التكريمات، خارج إطار الحضور الرمزي.
رغم إصرار المنظّمين على الاستمرارية، بدت العثرات التنظيمية واضحة للعيان: إخراج تلفزيوني ضعيف، وتنسيق ميداني متعثر، ومحسوبيات في الظهور الإعلامي، ما أثّر سلباً على صورة المهرجان كحدث يُفترض أن يكرّم "زمن الفن النظيف". هذه العثرات لم تعد تفصيلية، بل باتت بنيوية، وتُظهر عجزاً عن تطوير المهرجان ليواكب التحولات في الإعلام والسينما والموسيقى.
لا يبدو أن المهرجان، في صيغته الحالية، قادر على تجديد نفسه أو الخروج من فخ المجاملة والاستعراض، نحو بناء تقليد ثقافي حقيقي يُعيد الاعتبار لمفهوم "الزمن الجميل" كجودة فنية ومعيار نقدي، لا مجرد حالة شعورية نوستالجية.

Related News


